فيزياء الجسيمات: حقائق حول الجسيمات الأولية التي تشكل كوننا

18 ديسمبر 2025
25 مشاهدة
0 اعجاب

فيزياء الجسيمات: حقائق حول الجسيمات الأولية التي تشكل كوننا



تدرس فيزياء الجسيمات الكون في أدنى مقياس ممكن، أي الجسيمات الأولية والقوى التي تشكل كل شيء عند اجتماعها، وهذا ليس بمبالغة، فكل شيء حي أو غير حي، وكل ذرة غبار وكل نجم في السماء، مُكون من الجسيمات الأولية ذاتها.

 

تتضمن فيزياء الجسيمات دراسات الجسيمات دون الذرية (كالبروتونات والنيوترونات) والجسيمات الأولية (كالكواركات والإلكترونات) التي تشكّل الجسيمات دون الذرية، إلى القوى التي تتحكم بكيفية تفاعل الجسيمات مع بعضها (كالإلكترومغناطيسية والقوى القوية والضعيفة التي تربط الذرات معًا)، وصولًا حتى إلى جسيمات تحمل القوى (كالفوتونات التي تنقل الطاقة من القوة الإلكترومغناطيسية أو جسيمات الضوء).

 

 

تُسمى فيزياء الجسيمات بفيزياء الطاقة العالية لأن العلماء لا يستطيعون دراسة الجسيمات دون الذرية إلا باستخدام تجارب ذات طاقة عالية، ومثال ذلك صدم الذرات معًا بسرعات تقارب سرعة الضوء.

 

قد نتخيل أن الجسيم ذرة غبار أو حبة ملح، لكن الفيزيائيين يعنون شيئًا ضئيلًا وبالغ الصغر، وأفضل وسيلة لوصفه هي الرياضيات، إذ لا تتصرف الجسيمات كالأجسام التي نراها كل يوم، فهي صغيرة جدًا لدرجة أنها تقاس بالطاقة لا بالطول والعرض، ومن غير المؤكد حتى أن للإلكترونات حجم إذ لم يقدر أحد على إيجاده.

 

بعض الجسيمات غير مستقرة لدرجة أنها تعيش أجزاء من الثانية فقط، ومع فترات حياة قصيرة كهذه نستخدم أدوات مثل مسرعات الجسيمات لخلقها ودراستها، ومن أمثلتها مصادم الهدرونات الكبير الذي يمتد على مسافة 23 كيلومترًا تحت فرنسا وسويسرا، وفيه أكثر من 10,000 مغناطيس قوي تعمل على تشكيل حزم الجسيمات وتوجيهها في دوائر لتصطدم ببعضها بسرعات عالية تقترب من سرعة الضوء في الفراغ، ما يُنتج جسيمات جديدة مثيرة للاهتمام.

 

 

النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات

 

يصف هذا النموذج كل الجسيمات الأولية المعروفة، وثلاثة من القوى الأربعة المعروفة التي تحدد كيف تتفاعل الجسيمات مع بعضها: الإلكترومغناطيسية، والتفاعلات القوية (التي تربط بعض الجسيمات الأولية مع بعضها مثل البروتونات والنيوترونات التي تشكل معًا مركز الذرة)، والتفاعلات الضعيفة (التي تعمل ضمن مسافات أقصر بكثير من التفاعلات القوية أي أصغر من قطر بروتون مفرد).

 

ربما سمعت أن الضوء يتصرف كموجة، والإلكترون جسيم، فما معنى ذلك؟ وما علاقته بالنموذج القياسي؟ عندما يتصرف شيء كموجة يُقصد فيزيائيًا أنه كبحيرة فيها تموجات تتحرك لأعلى ولأسفل بطريقة منتظمة وهي شيء كبير واحد. أما عندما تتصرف أشياء كجسيمات فهي تشبه كومة صخور صغيرة جدًا بالإمكان معرفة عددها بالتحديد. طالما اعتقد العلماء أن الأشياء إما أن تتصرف كموجات أو جسيمات، لكن هذا ليس صحيحًا لدى الإمعان في الذرة، إذ نجد فيها أشياء تتصرف مثل الاثنين، وهذا يسمى بازدواجية موجة-جسيم الذي كان تفسيره جزءًا من تطوير النموذج القياسي.

 

ولكن كيف يمكن لشيء أن يتصرف كجسيم متفرد وموجة في نفس الوقت؟ أفضل طريقة لوصف الجسيمات دون الذرية هي الرياضيات الضبابية، فنحن لا نعرف أين يقع الإلكترون بالضبط، لكننا نعلم احتمال وجوده في نقطة معينة في مساحة محدودة. يوصف هذا بمعادلة تسمى بالتابع الموجي، لدى قياس شيء بوصفه جسيم منفصل نركز على حدوده، وعندما نقيس سلوكه المشابه للموجة، نركز على الاحتمالات.

 

اكتشف العلماء جسيم بوزون هيغز في 2012، وهو جسيم غير مستقر يعطي كتلةً لكل الجسيمات التي لها كتلة مباشرةً منذ الانفجار العظيم، وكان الاكتشاف تأكيدًا مهمًا للنموذج القياسي الذي توقع وجود هذا الجسيم.

 

لكن النموذج القياسي فيه بعض الثغرات، فمع أنه ما يزال أفضل أداة نمتلكها لوصف سلوك الجسيمات دون الذرية بسبب دقته البالغة، تشكل الجاذبية أكثر المشكلات وضوحًا فيه، إذ لم يجد العلماء طريقة لإدخال الجاذبية في النموذج القياسي.

 

 

ما هي الجسيمات التي تكون الذرة؟

 

تتكون الذرة من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات، ويحدد عددها كيفية تفاعل الذرة مع الذرات الأخرى، ويوضح الجدول الدوري مختلف أنواع الذرات والأنماط التي تحدد كيف يتفاعل كل عنصر. فالعدد الذري في الجدول الدوري هو عدد البروتونات (الجسيمات ذات الشحنة الكهربية الموجبة)، والنيوترونات ليس لها شحنة كهربية لكن لها كتلة، وتشكل البروتونات والنيوترونات معظم كتلة الذرة.

 

أما الإلكترونات فهي جسيمات دقيقة لها شحنة كهربية سالبة، تدور حول النواة المشحونة بشحنة موجبة، وشحنة كل إلكترون لها نفس مقدار شحنة البروتون مُعرفة على أنها وحدة شحنة كهربية أولية (1e)، ويدل صف العنصر وعموده في الجدول الدوري عدد إلكتروناته وموضعها.

 

 

ماذا عن الأنواع الأخرى من الجسيمات؟

 

تتكون البروتونات والنيوترونات من جسيمات أولية أصغر تسمى كواركات، ويوجد منها ست أنواع: السفلي، والعلوي، والساحر، والغريب، والقمي والقاعي، ومعًا تصنف في مجموعات مكونة من ثلاثة كواركات لتشكل بروتون ونيوترون مرتبطين بشحنة اللون. ولا يقصد بشحنة اللون الألوان التي نراها، وإنما يدل المصطلح على التفاعلات التي تربط الكواركات معًا، تُشبه شحنة اللون الشحنة الكهربية لكنها ليست موجبة أو سالبة، وإنما أحمر أو أخضر أو أزرق.

 

 

 

تشبه اللبتونات الكواركات لكنها لا تملك تفاعلات قوية، وبتعبير آخر، لا تُشكل الجسيمات الأولية هذه أنواع الروابط التي تُشكلها الكواركات نفسها. والإلكترونات هي نوع من اللبتونات وكذلك الميونات ولبتونات تاو والنيوترينوات. علمًا بأن الميونات ولبتونات تاو غير مستقرة وتضمحل إلى إلكترونات، أما النيوترينوات فهي لبتونات ليس لها شحنة كهربية.

 

 

تسمى الكواركات واللبتونات معًا بفرميونات، أي الجسيمات الأولية التي تُشكل المادة.

 

وبالمقابل توجد مجموعة أخرى من الجسيمات تسمى البوزونات تتصرف بوصفها حاملات قوة، وهذا يعنى أنها تحمل القوى التي تمكن الجسيمات من التفاعل مع بعضها. ومن أنواع البوزونات: الفوتونات والغلوونات (التي تساعد على ربط الجسيمات معًا) والبوزونات Z والبوزونات W وبوزون هيجز الغامض (الذي ينسجم مع مجال هيجز ويعطي الجسيمات كتلتها).

 

 

بعض أشهر فيزيائيي الجسيمات:

 

ساتيندرا ناث بوز (1 يناير 1849 –4 فبراير 1974): كان رائدًا في ميكانيكا الكم، وطور مع ألبرت أينشتاين طريقة إحصاء جديدة تصف كيفية تصرف البوزونات قي ازدواجية موجة–جسيم، وسميت البوزونات باسمه.

 

 

شين شيونج وو (31 مايو 1912 – 16 فبراير 1997): عملت في مشروع مانهاتن وأجرت تجارب فيزيائية لدراسة اضمحلال بيتا، وهي العملية التي تخضع لها المواد المشعة لتصبح أكثر استقرارًا، ولم تنل جائزة نوبل للعام 1957 (التي نالها زميلاها من الذكور) مع إنها قدمت أول دليل تجريبي على اضمحلال بيتا.

 

بيتر هيغز (29 مايو 1929 – 8 أبريل 2024): كان الفيزيائي المسؤول عن الجزء من النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات الذي يفسر كيف حصلت الجسيمات على كتلتها في بداية الكون، سميت جسيمات هيغز باسمه، وقد فاز بجائزة نوبل عام 2013 في الفيزياء مع فرانسوا إنغليرت.

 

بول ديراك (8 أغسطس 1902 – 20 أكتوبر 1984): ساعد على تطوير نظرية ميكانيكا الكم وشارك جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933 مع إيروين شرودنجر، وقد طور معادلة ديراك التي تصف كيف تتصرف الفرميونات كجسيم وموجة، وتوقع أيضًا وجود المادة المضادة وهي مادة لها كتلة المادة العادية ذاتها لكن لها شحنة كهربية مضادة.

 

 

ماري كوري (7 نوفمبر 1867 – 4 يوليو 1934): اكتشفت الاضمحلال الإشعاعي (العملية التي تخضع لها بعض العناصر غير ابمستقرة لتتحول لمواد أكثر استقرارًا)، وطورت فهمنا للتركيبات الذرية وفازت بجائزة نوبل مرتين: واحدة في الفيزياء وواحدة في الكيمياء.

 

 

ريتشارد فاينمان (11 مايو 1918 – 15 فبراير 1988): عمل في مشروع مانهاتن وطور مخططات فاينمان لتكون طريقة لوصف سلوك الجسيمات دون الذرية، وقد وسّع عمله فهمنا لميكانيكا الكم.

 



المصادر:


الكاتب

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
تدقيق

محمد حسان عجك

محمد حسان عجك
ترجمة

وليد محمد عبد المنعم

وليد محمد عبد المنعم
مراجعة

باسل حميدي

باسل حميدي



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة