يبدو أن البروتون مُميز أكثر مما كنا نعتقد، بحسب ما يقول الباحثون. البروتون أحد الجسيمات دون الذرية التي تُشكل بنية نواة الذرة. ومع أن البروتونات بحد ذاتها صغيرة جدًا، فإنها تحتوي بداخلها جسيمات أولية أصغر تُسمى الكواركات. وتتعدد أصناف الكوارك وتسمياتها، إذ نجد منها العلوي والسفلي والساحر والغريب والقمي والقاعي.

غالبًا، يتكون البروتون من كواركين علويين وكوارك سفلي. تذكر دراسة حديثة أن الأمر أعقد من ذلك.

قد يحتوي البروتون على كوارك ساحر، الذي تبلغ كتلته مرة ونصف كتلة البروتون. مع ذلك، حال وجود هذا الكوارك داخل البروتون، فإن كتلته ستمثل نصف كتلة البروتون فقط.

يمكن تفسير ذلك استنادًا إلى فيزياء الكم. فمع أن الكوارك الساحر أثقل من البروتون، فإن احتمال وجوده داخل البروتون محدود. على هذا، يُلغي كل من ثقل الكوارك واحتمال ظهوره المنخفض بعضهما بعضًا.

على هذا، حتى لو وُجد الكوارك الساحر داخل البروتون، فإن كتلة الكوارك لن تشغل كامل البروتون.

مع أن البروتونات أساسية عند الحديث عن بنية الذرة، فإنها بحد ذاتها بنى معقدة للغاية.

الحقيقة هي أن الفيزيائيين لا يزالون يجهلون طبيعة بنية البروتون تمامًا. يقول الفيزيائي ستيفانو فورتي في جامعة ميلانو في حديثه عن البروتونات إن الفيزياء الكمية تُظهر بنية البروتون بأنها تجمع للكواركات العلوية والسفلية، مع احتمالية ظهور الأنواع الأخرى بين حين وآخر.

شارك فورتي في الدراسة الجديدة التي تؤكد وجود أدلة لظهور الكوارك الساحر داخل البروتون.

توجد ستة أنواع من الكواركات، ثلاثة منها أثقل من البروتون. أخف أنواع الكواركات بين الثلاثة الثقيلة هو الساحر، ولذلك اختاره الباحثون أولًا ليبحثوا احتمال أن يحتوي البروتون جسمًا أثقل منه. ساهم في نجاح هذه الدراسة اتباع أسلوب جديد في تحليل البيانات في مجال مصادمة الجسيمات.

يلجأ الباحثون في سعيهم لدراسة بنية الجسيمات الأولية إلى مصادمات الجسيمات العملاقة، مثل مصادم الهادرونات الكبير قرب جنيف. يستخدم الباحثون هذه المصادمات والمسرعات المركبة فيها لصدم الجسيمات ببعضها بسرعات فائقة.

جمع العلماء جميع البيانات المتوفرة التي تعود إلى حقبة الثمانينيات، وشملت التجارب المبنية على مصادمة البروتونات مع بروتونات أخرى أو مع الإلكترونات أو النيوترينوات أو الميونات.

بدراسة الحطام الناجم عن هذه المصادمات، يستطيع الباحثون إعادة تكوين البنية الأصلية لجسيم ما.

في الدراسة الجديدة، وضع العلماء البيانات المتاحة المتعلقة بعمليات المصادمة، في خوارزميات التعلم الآلي المصممة للعثور على أنماط ظهور الكوارك داخل البروتون، دون إضافة أي معلومات مسبقة عن هذه البنى.

أنتجت الخوارزميات احتمالات تُظهر إمكانية وجود هذه الكواركات أساسًا، والأشكال التي قد تتخذها.

قال فورتي إن إحدى نتائج الدراسة كانت الاحتمال الضعيف -لكن غير المعدوم- لإمكان ظهور كوارك من النوع الساحر داخل بروتون ما. للمرة الأولى نجد دليلًا على وجود مثل هذا النوع من الكوارك داخل البروتون، وإن كان الأمر غير مؤكد حتى الآن.

لما كانت بنية البروتونات مهمة للغاية عند الحديث عن الجسيمات الأولية، فإن اكتشاف جسيمات جديدة يتطلب اكتشاف الاختلافات الدقيقة بين ما تفترضه النظريات وما يُمكن مشاهدته في الواقع. وذلك يتطلب حسابات شديدة الدقة عند دراسة البنى دون الذرية.

سيتطلب تأكيد وجود الكوارك الساحر داخل البروتون بيانات إضافية في المستقبل. يقول مختص الفيزياء النظرية تيم هوبز إن التجارب المستقبلية -مثل تجربة استخدام مصادم الإلكترونات والأيونات داخل مختبر بروكهافن الوطني في مدينة أبتون بولاية نيويورك- قد تمدنا بمزيد من البيانات.

اقرأ أيضًا:

مصادم فيرميلاب – اكتشافات عظيمة وأبحاث مستمرة

حل اللغز القديم عن حجم البروتون

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: هادية أحمد زكي

المصدر