مجرة درب التبانة لها تاريخ عنيف، إذ اصطدمت مرارًا بالعديد من المجرات الأخرى على مدار عمر الكون البالغ نحو 13.8 مليار سنة. وإنها في طور الاندماج -حاليًا- مع مجرات قمرية (تابعة) أصغر؛ مثل مجرة الرامي الإهليجية القزمة، وسحابة ماجلان الكبيرة والصغيرة.

وجد فريق من علماء الفلك بقيادة أليسيو موكسياريلي من جامعة بولونيا في إيطاليا دليلًا على أن سحابة ماجلان الكبيرة (LMC) متوحشة أيضًا، فقد اندمجت مع مجرة أخرى في مرحلة ما من ماضيها الغامض، أي أن هذه المجرات القمرية ليست بريئة.

يقول الباحثون إن هذا الاكتشاف يمثل دعمًا كبيرًا لكيفية نمو المجرات الضخمة، من طريق التهام مجرات قمرية أصغر، وهي عملية نسميها التجميع الهرمي، وكتب الباحثون: «يعد هذا الاكتشاف دليلًا رصديًا على أن عملية التجميع الهرمي قد نجحت أيضًا في تشكيل أقرب مجراتنا القمرية».

تدور المجرتان القمريتان حول بعضهما، ثم تدوران معًا حول مجرة درب التبانة. يبلغ حجم سحابة ماجلان الكبيرة ضعف حجم سحابة ماجلان الصغيرة، ولها كتلة إجمالية تصل إلى 250 مليار كتلة شمسية، وهو الحجم الذي يُتوقع أن تمتلك فيه المجرة القزمة مجراتها القمرية.

في الحقيقة، ارتبطت أربع إلى ست مجرات صغيرة خافتة جدًا مع سحابة ماجلان الكبيرة، ما قد يعني وجود المزيد، بل هنالك دليل على هذا أيضًا.

وجد علماء الفلك عام 2018 عددًا صغيرًا من النجوم في مدار سحابة ماجلان الكبرى، عكس اتجاه عقارب الساعة، حول مركز المجرة، مقابل غالبية التدفق النجمي، وخلصوا إلى أن هذا كان على الأرجح بقايا اندماج مجري قديم.

وجد أليسيو موكسياريلي وزملاؤه الآن أدلة أخرى، عنقودًا نجميًا يُسمى NGC 2005.

تتكون العناقيد من عدد من النجوم يُقدر بمئات الآلاف إلى الملايين منها، مرتبطة ببعضها بقوة من طريق الجاذبية بشكل كروي، مع تركيز مكثف للنجوم في المركز. تميل النجوم في العناقيد النجمية إلى أن تكون في الجانب الأقدم، بالعمر نفسه والتركيب الكيميائي نفسه. يُعتقد أنها «مستحاثات» للكون المبكر، ما يجعلها مفيدة لفهم تاريخ تشكل النجوم.

تحتوي مجرة درب التبانة على نحو 150 عنقودًا من هذه العناقيد، بينما تضم سحابة ماجلان الكبيرة نحو 60 منها. حدّد أليسيو موكسياريلي وزملاؤه NGC 2005، وقارنوها بمثل هذه العناقيد، ووجدوا أن نسب وفرتها الكيميائية كانت مختلفة تمامًا عن أية عناقيد أخرى ذات معدنية مماثلة في الدراسة.

(المعدنية في الفلك: هي نسبة العناصر المكونة لجرم سماوي أثقل من الهيدروجين والهيليوم. ونظرًا إلى أن معظم النجوم، التي تشكل المادة المرئية في الكون، تتكون من الهيدروجين والهيليوم، يستخدم الفلكيون تعبير المعدنية لوصف وجود عناصر أخرى بصفة عامة).

تُعد المعدنية النجمية مؤشرًا على العمر، فكلما وُلد النجم مبكرًا؛ قلّت المعدنية. هذا لأن العناصر الأثقل من الهيليوم لم تكن موجودةً في الكون قبل النجوم.

عند ولادة النجوم، تبدأ بدمج النوى في لبّها لتكوين عناصر أثقل، ما تزال العناصر الأثقل تتشكل في الانفجارات العنيفة للسوبرنوفا والاندماجات النجمية، قبل أن تنتشر في جميع أنحاء الكون لتندمج في أجيال النجوم القادمة.

يُعتقد أن النجوم ذات المعدنية نفسها تكون بالعمر نفسه، وتشير نسب الوفرة إلى السحابة الجزيئية التي وُلد فيها النجم. تحتوي العناقيد ذات المعدنية نفسها في سحابة ماجلان الكبرى على نسب وفرة مماثلة، ما يشير إلى أنها وُلدت في بيئات لها تاريخ تخصيب كيميائي مشابه، ربما تكون سحابة ماجلان الكبرى نفسها.

لكن نسب الوفرة في NGC 2005 أقل بكثير من أي من العناقيد الأخرى، ما يشير إلى تاريخ مختلف. لذا أجرى الفريق عمليات محاكاة ليروا كيف يمكن لمثل هذه العناقيد المختلفة تمامًا أن تظهر في سحابة ماجلان الكبرى.

كان النموذج الأنسب؛ مجرة مختلفة تمامًا، تشبه كثيرًا المجرات القمرية الخافتة جدًا الموجودة.

الجزء الأكبر من مجرة الشبح الغامضة كان قد تلاشى منذ ذلك الحين، تاركًا NGC 2005 آخر دليل على وجوده.

كتب العلماء: «إن NGC 2005 هي الشاهد الباقي على حدث الاندماج القديم الذي أدى إلى تفكك المجرة الأم في سحابة ماجلان الكبيرة، وهي الحالة الوحيدة المعروفة حتى الآن، التي حُددت استنادًا إلى بصماتها الكيميائية في عالم المجرات القزمة».

«ومن ثمَّ تدعم النتائج التي توصلنا إليها التنبؤات بشأن الطبيعة المشابهة لعملية تكوين المجرات بوساطة علم الكونيات القياسي على أقرب مجرة قمرية لدينا، وتفتح طريقة جديدة للتحقيق في تاريخ تجميع المجرات خارج مجرة درب التبانة من طريق التوسيم الكيميائي لنظام العناقيد الكروية».

اقرأ أيضًا:

فرديناند ماجلان ورحلته حول الأرض الجزء الأول

تلسكوب هابل الفضائي يلاحظ عاصفة كونية عارمة ضمن سحابة ماجلان الضخمة

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: حسين جرود

المصدر