من الانتشار الواسع للجدري في عام 2022، إلى انتشار إنفلونزا الطيور، إلى الحالات الأخيرة لفيروس ماربورغ في غينيا الاستوائية، لم يهيمن كوفيد على العناوين الرئيسية مثلما كان سابقًا. بدلًا من ذلك، ظهرت فيروسات ناشئة حديثًا أو عادت فيروسات قديمة للظهور.

إذن، هل يتزايد تفشي الفيروسات؟ أو أصبحنا أفضل في اكتشاف تفشي المرض (الجائحات) بفضل التكنولوجيا المحسنة التي طُوِّرت بعد حدوث جائحة كوفيد؟ قد تكون الإجابة مزيجًا من هاتين الإجابتين معًا.

يوجد ما يقدّر بنحو 1.67 مليون فيروس يصيب الثدييات والطيور لم يُحدّد بعد، ويُظن أن 827 ألف فيروس منها يمكنه إصابة البشر.

لفهم كيفية ظهور الفيروسات نحتاج العودة إلى بداية الحياة على الأرض.

يوجد عديد من النظريات عن كيفية ظهور الفيروسات الأولى، لكن جميعها تؤكد أن الفيروسات كانت موجودة منذ مليارات السنين، وتطورت جنبًا إلى جنب مع الكائنات الحية، وعند وجود خلل في هذا التطور المشترك عندها قد نواجه مشكلة.

الدوافع الرئيسية لظهور الفيروسات عند البشر هم أفعال البشر أنفسهم، فقد شاعت ممارسة الزراعة منذ أكثر من عشرة آلاف عام، وبدأ البشر معها بالاتصال الوثيق مع الحيوانات، ما أتاح الفرصة للفيروسات للانتقال من الحيوانات التي أصُيبت طبيعيًا إلى البشر، وهذا ما يُسمى الأمراض حيوانية المنشأ.

نحو 75% من الأمراض المعدية الناشئة حديثًا ناتجة عن مرض حيواني المنشأ.

مع تقدم الحضارة الإنسانية والتكنولوجيا، أجبر تدمير الموائل الحيوانية الحيوانات على الدخول إلى مناطق جديدة بحثًا عن مصادر الغذاء.

أصبحت الأنواع المختلفة التي لم تكن على اتصال في العادة تتقاسم الآن البيئة نفسها، وبإضافة البشر إلى هذه المعادلة سنحصل على البيئة المثالية لظهور فيروس جديد.

يؤدي التحضر إلى ارتفاع الكثافة السكانية؛ ما يخلق بيئة مثالية لانتشار الفيروسات.

غالبًا ما يصبح التطور السريع للبلدات والمدن غير متناسب مع قدرة البنية التحتية (عدم توفر بنية تحتية كافية) مثل الصرف الصحي والرعاية الصحية؛ ما يزيد من احتمالية تفشي الفيروسات.

يساهم تغير المناخ أيضًا في انتشار الفيروسات. مثلًا، اكتُشفت الفيروسات المنقولة بالمفصليات (الفيروسات التي تنتشر عن طريق المفصليات مثل البعوض) في مناطق جديدة؛ لأن نطاق البلدان التي يستطيع البعوض البقاء فيها آخذة في الازدياد.

كانت هذه العوامل معروفة بالنسبة لنا، ولم يفاجئ ظهور فيروس سارس-كوفيد-2 (الفيروس المسبب لكوفيد) أي عالِم فيروسات أو عالِم أوبئة، فقد كانت مسألة وقت وسيحدث وباء، ولكن حجم جائحة كوفيد كان غير متوقعًا وكذلك صعوبة الحد من انتشار الفيروس.

لم نتوقع أيضًا تأثير المعلومات المضللة على مجالات أخرى من الصحة العامة، فقد أصبحت المشاعر المناهضة للتطعيم خصوصًا أكثر شيوعًا على وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات القليلة الماضية، ونشهد زيادة في معدلات التردد في تلقّي اللقاحات.

حدث أيضًا اضطراب في برامج التحصين الروتينية للأطفال؛ ما زاد من خطر تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات مثل الحصبة.

الدروس في المراقبة أو الترصد:

تحرّك العلم بمعدل غير مسبوق عند حدوث جائحة كوفيد؛ ما أدى إلى تطوير طرائق جديدة ومحسنة للكشف عن الفيروسات لمراقبة تفشي المرض وتطور الفيروس.

يحوّل الآن عديد من العلماء المشاركين في تتبع سارس-كوف-2 انتباههم إلى مراقبة الفيروسات الأخرى أيضًا.

مثلًا، استُخدمت مراقبة مياه الصرف الصحي على نحو واسع للكشف عن سارس-كوف-2 في أثناء الوباء، وقد تساعد أيضًا في تتبع الفيروسات الأخرى التي تشكل تهديدًا لصحة الإنسان.

عندما يصاب شخص ما بفيروس، عادةً ما يُتخلص من بعض المواد الجينية لهذا الفيروس في الحمام.

تستطيع مياه الصرف الصحي عادة إظهار ما إذا كان عدد الإصابات في منطقة ما يتزايد قبل أن تزداد الحالات في المستشفيات.

يوفر لنا استخدام هذه التكنولوجيا للبحث عن فيروسات أخرى (مثل الإنفلونزا أو الحصبة أو شلل الأطفال) بيانات مهمة عن توقيت تفشي الفيروسات، وقد حدث هذا بالفعل، إذ اكتُشف فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في لندن في عام 2022.

من الطبيعي أن تؤدي هذه الزيادة في مراقبة الفيروسات (الترصد الفيروسي) إلى الإبلاغ عن مزيد من حالات تفشي الفيروس.

قد يعدّ بعض الناس أن هذا الأمر يدعو للخوف، لكن مثل هذه المعلومات قد تكون المفتاح لاحتواء أي أوبئة في المستقبل.

إذا تفشى المرض في منطقة لا يوجد فيها مراقبة كافية للفيروس، فقد تنتشر العدوى انتشارًا كبيرًا ونصبح عاجزين عن احتوائها بسهولة.

مع ذلك، فإن المراقبة ليست سوى جزء واحد من الاستعداد للأوبئة، وتحتاج الحكومات والوكالات الصحية والعلمية في جميع أنحاء العالم إلى وضع بروتوكولات تُحدّث بانتظام لمواجهة ظهور الفيروس والجائحة، ومحاولة السيطرة على الموقف قبل فوات الأوان.

قد لا يكون كوفيد آخر جائحة سيشهدها الناس اليوم، ولكن نأمل أن نكون أكثر استعدادًا في المرة القادمة.

اقرأ أيضًا:

يحذر خبراء من وباء مرافق لكوفيد مع ازدياد الإصابة بفيروس الإنفلونزا شتاءً

كيف نجحت دول دون غيرها في السيطرة على وباء كورونا؟

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: يوسف صلاح صابوني

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر