قانون جديد قد يقيد الطرق التي تجمع بها شركات العلوم العصبية بيانات الدماغ الحساسة وتشاركها، فعندما تتمكن التكنولوجيا من قراءة موجات الدماغ، من سيمتلك تلك الأفكار؟

تتقدم شركات واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) بخطوات ثابتة باستخدام أجهزة وخدمات تهدف إلى فهم مسارات العصبونات البشرية والتلاعب بها.

تستخدم بعض شركات العلوم العصبية الموجهة نحو الطب، مثل شركة سينكرون، أجهزة مزروعة جراحيًا لإرسال إشارات إلى أدمغة المرضى المشلولين بهدف مساعدتهم على استعادة وظائف أطرافهم. بينما تستخدم الشركات الأخرى الموجهة نحو المستهلكين خوذات ضخمة وسماعات رأس ذكية تبدو طبيعية نسبيًا لقياس إشارات دماغ مستخدميها.

ومع أن التكنولوجيا في هذه المشاريع ما تزال في مهدها نسبيًا، فإن ناشطي حقوق الأعصاب والمشرعين المحاصرين يودون الاستعداد لانتشارها، ويحذر النقاد أيضًا من أن الشركات قد تمتلك بالفعل القدرة على فك تشفير بيانات المستهلكين المقدمة في فحوصات الدماغ وترجمتها إلى نص مكتوب.

قد تكشف البيانات المشفرة تفاصيل حساسة جدًا حول الصحة العقلية والبدنية للفرد أو حالاته الإدراكية. وأظهر الباحثون بالفعل أنهم يستطيعون توظيف نماذج الذكاء الاصطناعي لقراءة بيانات دماغ المرضى الذين يشاهدون مقاطع الفيديو وإعادة إنتاج المشاهد التي شاهدوها بشكل تقريبي. ومع انتشار نماذج أقوى للذكاء الاصطناعي التوليدي، قد تصبح عملية فك التشفير هذه أسهل بكثير وأكثر دقة.

حاليًا يوجد القليل مما يمنع شركات العلوم العصبية من إساءة استخدام تلك البيانات أو بيعها لأعلى سعر.

فوفق تقرير حديث من مؤسسة حقوق الدماغ يحلل شركات التكنولوجيا العصبية، يبدو أن جميع الشركات (96% باستثناء واحدة) وصلت بالفعل إلى بيانات العصبونات للمستهلكين (تشمل إشارات من دماغ الفرد أو العمود الفقري). وتزعم المؤسسة أن هذه الشركات توفر قيودًا ملحوظة على الوصول إلى بيانات العصبونات، وأكثر من نصفها (66.7%) صرّحت بمشاركة بيانات المستهلكين مع أطراف ثالثة.

أُصدِر قانون جديد من نوعه في الولايات المتحدة – كولورادو في أبريل 2024، وقد يغير هذه الديناميكية بتقديمه حمايةً أكثر صرامةً وتركيزًا على المستهلك لجميع البيانات العصبية التي جمعتها الشركات. فيعطي القانون للمستهلكين سيطرةً أكبر بكثير على كيفية جمع شركات تقنيات الأعصاب للبيانات العصبية ومشاركتها، ما قد يضيف زخمًا لمشاريع قوانين مماثلة أخرى تسير في طريقها خلال تشريعات الولايات.

يتسابق المشرعون -في الولايات المتحدة وخارجها- لوضع معايير حقيقية حول بيانات الإدخال العصبي قبل أن تصبح هذه التقنيات شائعة.

حفظ خصوصية البيانات العصبونية الشخصية:

سيوسع قانون كولورادو مصطلح البيانات الحساسة في قانون الخصوصية لكولورادو ليشمل البيانات العصبية، وتشير البيانات العصبية هنا إلى الإدخالات المُنشأة عبر الدماغ، أو العمود الفقري، أو الشبكة من الأعصاب التي تمر عبر الجسم.

في هذا السياق، تصل شركات تقنيات الأعصاب إلى هذه البيانات عادةً باستخدام جهاز قابل للارتداء أو قابل للزرع، وقد تتراوح هذه الأجهزة من سماعات رأس تبدو عاديةً نسبيًا إلى أسلاك موصولة مباشرة بالجهاز العصبي المركزي للمريض. سيُطبق التعريف الموسع نفس الحماية الممنوحة حاليًا لبصمات الأصابع ومسح الوجه وغيرها من قياسات البصمة الحيوية (البيومتريات)، وعلى غرار بيانات البيومتريات، تحتاج الشركات الآن إلى الحصول على موافقة قبل جمع البيانات العصبية واتخاذ خطوات لتقليل كمية المعلومات غير الضرورية التي تُجمع.

بفضل القانون، سيحصل سكان كولورادو على الحق في الوصول إلى بياناتهم العصبية وتصحيحها، ولديهم أيضًا الحق في عدم بيع تلك البيانات. تُعد هذه الأحكام أساسية بحسب كاتبي القانون، نظرًا لكميات كبيرة من البيانات العصبية غير المقصودة أو غير الضرورية التي من المحتمل جمعها بخدمات تقنيات الأعصاب. ومن بين 30 شركة استُطلعت آراءها في تقرير مؤسسة حقوق العصبيات، فقط 16 قالت إن المستهلكين يستطيعون سحب موافقتهم على معالجة البيانات في ظروف معينة.

جاء في مشروع القانون في كولورادو: «جمع البيانات العصبية ينطوي دائمًا على الكشف غير الطوعي عن المعلومات. حتى إذا وافق الأفراد على جمع بياناتهم ومعالجتها لاستخدام ضيق، فغير محتمل أن يكونوا على دراية كاملة بمحتوى المعلومات التي يشاركونها أو كميتها».

وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، أثنى أنصار حماية البيانات العصبية الأكثر صرامة، مثل المدير الطبي لمؤسسة حقوق الأعصاب شون بوزاوسكي، على إجراء كولورادو مؤخرًا، وقال: «لم نر شيئًا بهذه القوة من قبل، شيئًا يسهم في تحديد الأشخاص وتصنيفهم والتحيز ضدهم استنادًا إلى موجات أدمغتهم ومعلوماتهم العصبية الأخرى».

من يحمي بيانات الأعصاب أيضًا؟

قانون ولاية كولورادو هذا قد يحدد المعيار الذي ستتبعه الولايات الأخرى، وعلى المستوى الوطني، تفتقر الولايات المتحدة حاليًا إلى أي تشريعات فيدرالية تحد من كيفية وصول الشركات المستهلكة لبيانات الأعصاب أو استخدامها.

تُدرس الآن مشاريع مماثلة في ولايتي مينيسوتا وكاليفورنيا، وتبرز تشريعات كاليفورنيا نظرًا لأن عددًا من أبرز الشركات التي تبحث في مجال واجهات الدماغ الحاسوبية (كنيورالينك وميتا) مقرها في تلك الولاية. بينما سبقت دول أخرى الولايات المتحدة في تنظيم بيانات الأعصاب، ففي 2021 أصبحت تشيلي أول دولة تتضمن لغة تحمي قانونيًا حقوق الأعصاب بعد أن أضافتها إلى دستورها الوطني. ومنذ ذلك الحين وافقت البرازيل وإسبانيا والمكسيك وأوروغواي على تشريعاتها الخاصة.

يبدو كل هذا الاهتمام التنظيمي المتقدم غير عادي بالنسبة لصناعة تبدو وكأنها ما تزال جديدة نسبيًا، ومن المحتمل أن مستخدمي BCI لن يتمكنوا قريبًا من إرسال رسائل إلى الأصدقاء بأفكارهم وحسب، وتظل التطبيقات الطبية للأشخاص المشلولين أو الذين تعرضوا لإصابات أخرى محصورة لعدد قليل. لكن مؤيدي هذه التشريعات العصبية الناشئة يأملون أن تساعد هذه الجهود الوقائية على وضع معايير، وربما تساعد على نمذجة صناعة العلوم العصبية المتزايدة نحو مستقبل أكثر وعيًا بالخصوصية.

وإذا كانت المناقشات الأخيرة حول تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي دليلًا، فالقول أسهل غالبًا من الفعل عند محاولة تطبيق تشريعات جديدة على المنتجات والخدمات بعد أن أصبحت بالفعل جزءًا لا يتجزأ من الحياة الحديثة. فعندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا قراءة العقل وما يتبعها من مخاطر ديستوبية، ما تزال الأمور تحت السيطرة حاليًا، لكن ذلك لن يدوم طويلًا.

اقرأ أيضًا:

تجربة لا تُصدق: الذكاء الاصطناعي قادر على قراءة أفكارنا وتحويلها إلى صور!

علماء يبتكرون “رقاقة تستطيع قراءة الدماغ” من أجل التحكم بالحواسيب بواسطة أفكارنا

ترجمة: زين الدين بدّور

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر