لماذا لا يمكن الوصول إلى الصفر المطلق؟

29 ديسمبر 2025
16 مشاهدة
0 اعجاب

لماذا لا يمكن الوصول إلى الصفر المطلق؟

 

يشبه الصفر المطلق مفارقة زينون: يمكن الاقتراب منه أكثر فأكثر، لكن لا يمكن الوصول إليه أبدًا.


بينما يقيس معظم سكان العالم درجات الحرارة بوحدة السلسيوس، وتتمسك الولايات المتحدة بالفهرنهايت، يفضّل العلماء استخدام الكلفن.


تمثل درجة كلفن نفس الفرق في الحرارة كدرجة سلسيوس، لكن مقياسها يبدأ من نقطة أدنى بمقدار 273.15 درجة.


اختير هذا الرقم لأن عنده تكون درجة الحرارة صفر كلفن، أي الصفر المطلق، حيث لا توجد حرارة على الإطلاق.


مع ذلك، لا يوجد أي نظام بالكون تبلغ حرارته الصفر المطلق.


ما لم يكن في فهمنا للفيزياء خطأ جوهري، فلن تصل أي مادة أبدًا إلى 0 كلفن، رغم الوصول إلى درجات حرارة تقارب 0.00000000004 كلفن. إذن، لماذا يستحيل بلوغ الصفر المطلق؟


ما الذي تقيسه درجة الحرارة حقًا؟


تحرّك الطاقة الذرات والجزيئات، فتهتز في الأجسام الصلبة، وتتحرك بشكل فوضوي أكثر في السوائل والغازات. وكلما زادت الطاقة المتوسطة للمادة، زادت سرعة حركة الجزيئات وارتفعت درجة حرارتها.


عندما تنخفض الحرارة مقتربة من الصفر كلفن، تتباطأ تلك الحركة إلى حد بعيد. وقد يبدو أنه فور سحب القليل من الحرارة الإضافية، تتوقف الحركة تمامًا، وسنصل إلى الصفر المطلق.


لكن القانون الثالث للديناميكا الحرارية له رأي آخر.


طريق لا نهاية له


كما هو الحال مع القانونين الأول والثاني للديناميكا الحرارية، يُصاغ القانون الثالث بعدة طرق.


 كانت الصيغة الأصلية التي قدمها فالتر نرنست هي الأسهل فهمًا. إذ قال: من المستحيل لأي إجراء أن يؤدي إلى الحالة الحرارية T=0 بعدد محدود من الخطوات.


أي إنه للوصول إلى الصفر المطلق، تجب إزالة الطاقة من النظام عددًا لا نهائيًا من المرات، وهو أمر مستحيل.


توصل نرنست إلى هذا الاستنتاج من خلال التجارب، إذ لاحظ أنه مهما برّدَت المادة تدريجيًا، تبقى دائمًا كمية ضئيلة من الحرارة تجب إزالتها.


لا توجد عملية تبريد واحدة تسحب كل الحرارة دفعة واحدة، وتبقي الحرارة المتبقية درجة الحرارة فوق الصفر المطلق.


أثبتت الميكانيكا الإحصائية لاحقًا أن هذا الاستنتاج يمكن اشتقاقه من القوانين الأخرى للديناميكا الحرارية.


في الآونة الأخيرة، أثبت العلماء أيضًا أنه من المستحيل الوصول إلى الصفر المطلق في زمن محدود، ما يعني أنه يجب للكون أن يكون لا نهائي العمر لكي يتحقق ذلك.


كيف نقترب من الصفر المطلق؟


إذا أردت أن تصل بدرجة الحرارة في مجمدك المنزلي إلى 0 °م، فعليك نقل الحرارة إلى الخارج باستخدام دورة تبريد.


يُضغط الغاز، فيسخن، ثم يفقد جزء كبير من حرارته إلى المحيط. بعد ذلك يتمدد في بيئة معزولة، فيبرد. ثم يُمرر الغاز المبرد بجوار المادة المراد تبريدها، فيسحب منها الحرارة.


بتكرار هذه العملية، يمكن تبريد الهيليوم إلى -269 °م، أي أربع درجات فقط فوق الصفر المطلق. وتفقد المادة المغمورة في كمية كافية من الهيليوم السائل حرارتها حتى تصل إلى الدرجة ذاتها.


تتيح لنا هذه الطريقة بلوغ درجات حرارة قريبة جدًا من حرارة إشعاع الخلفية الكونية، وهي 2.7 كلفن، المتبقية من الانفجار العظيم، وهي أبرد درجة حرارة طبيعية في الكون. ويمكننا النزول درجة واحدة إضافية باستخدام الهيليوم-3، وهو نظير نادر يحتوي على نيوترون واحد فقط.


لكن عندما نحاول الوصول إلى درجات أبرد من ذلك، تصبح العملية أصعب. تُستخدم تقنيات مثل إزالة المغنطة النووية، التي تعتمد على المجالات المغناطيسية بدلًا من تغييرات الضغط، إذ تُحاذى أقطاب أنوية الذرات المغناطيسية ثم تُطلق، لتقليل الطاقة الحرارية.


يتيح التبريد بالليزر الوصول إلى درجات حرارة تقل عن جزء من المليار من الدرجة فوق الصفر المطلق. وقد حصلت هذه التقنية على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1997، إذ تُسلط حزم ليزر في ثلاثة أبعاد على سحابة من الذرات لتعارض حركتها في جميع الاتجاهات. تعمل أشعة الليزر مثل قوة احتكاك، تُبطئ الذرات وتجعلها تفقد طاقتها.


رغم فعالية هذه التقنية، فإنها لا تتجاوز القانون الثالث. إذ تظل هناك دائمًا حرارة ضئيلة متبقية بعد انتهاء عملية التبريد بالليزر.


توجد طريقة أكثر تقدمًا تُعرف بعدسة الموجة المادية، لتبريد ذرات الروبيديوم إلى درجات حرارة أقل بعشر مرات من ذلك. تُستخدم هذه التقنية في دراسة مكثفات بوز-آينشتاين في فترات وجيزة من انعدام الجاذبية، لكنها مع ذلك لا تصل إلى الصفر المطلق، إلا إذا تجاهلنا الأرقام بعد الفاصلة العاشرة تقريبًا.


ملاحظة مهمة: لا تنخدع بما يُسمى درجات الحرارة السالبة


يستخدم الفيزيائيون أحيانًا مصطلح «درجات الحرارة السالبة»، وهو ما قد يبدو درجات أبرد من الصفر المطلق.


لكن هذا المصطلح مضلل. إذ يشير إلى أنظمة تزداد انتظامًا عندما تُضاف إليها طاقة، أي تقل فيها الفوضى أو الإنتروبيا بدلًا من أن تزيد كما هو الحال عادة.


كي يحدث ذلك، يجب أن يكون للنظام حد أقصى من الطاقة يمكنه احتواؤه، وهي ظروف نادرة للغاية.


 مع ذلك، فإن هذه الأنظمة ليست باردة على الإطلاق. بل هي في الواقع شديدة السخونة، إذ عندما تُوضع في بيئة عادية، تنتقل الحرارة منها إلى الوسط المحيط، لا العكس.

 

 

 

 



المصادر:


الكاتب

لور عماد خليل

لور عماد خليل
تدقيق

سلمى توفيق

سلمى توفيق
ترجمة

لور عماد خليل

لور عماد خليل
مراجعة

أكرم محي الدين

أكرم محي الدين



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة