تعد معادلة دريك من أشهر المعادلات في العلوم برمتها، ومن أكثرها جدلية في الوقت ذاته، وتعد أيضًا أساسًا للكثير مما نسعى لكشفه عن الحياة الغريبة في الكون. ولكن، هل هي معادلة حقيقية؟ ومن أين أتت؟ وماذا يمكن أن تخبرنا عن البحث عن الحياة الذكية خارج كوكبنا؟

ما هي معادلة دريك؟

معادلة دريك هي معادلة احتمالية تهدف إلى التنبؤ بعدد الحضارات الفضائية المتقدمة القادرة على الاتصال مع مجرة درب التبانة، ولكنها ليست مثل المعادلات الرياضية الصارمة التي تجدها في علم التفاضل والتكامل أو علم المثلثات، ويشير النقاد إلى أنها ليست حتى معادلة احتمالية، بل لم يكن المقصد منها أن تكون كذلك أساسًا.

صُممت المعادلة في الأساس لإثارة الجدل داخل مجتمع الباحثين عن حياة خارج كوكب الأرض، فالمعادلة يُساء تفسيرها بسهولة عند انتزاعها من سياقها الأصلي، وفي الآونة الأخيرة ازدادت شهرتها مع اكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية وهو عامل رئيسي في آلية عمل المعادلة.

ومع ذلك فإن معادلة دريك في جوهرها تهدف إلى تحفيز التفكير استراتيجيًا في بحثنا عن الحضارات الغريبة، في حين توفر بصيص أمل بأن هذا البحث ليس مضيعة كاملة للوقت والموارد.

ما الذي تحسبه معادلة دريك بالضبط؟

تحاول معادلة دريك إجراء تخمينات في ضوء علمي بناءً على عدة عوامل تنموية للوصول إلى حضارة فضائية متقدمة قادرة على الاتصال، وتقيم المعادلة احتمالية العثور على مثل هذه الحضارة في مجرة ما.

بعض المتغيرات قابلة للقياس الكمي (قابلة للافتراض عدديًا) بسهولة مثل عدد النجوم في المجرة، بينما بعضها الآخر فلسفي تمامًا، مثل مقدار الوقت الذي قد توجد فيه حضارة لديها القدرة على التواصل قبل أن تختفي بتدمير ذاتها أو بأي مصيبة أخرى قد تصيبها.

فعليًا يمكن أن تختلف نتائج المعادلة إلى حد بعيد اعتمادًا على الافتراضات التي تدخلها عند تطبيق المعادلة، لذلك يمكنك بسهولة توقع أقل من اثنتي عشرة حضارة قابلة للتواصل في مجرة تضم 400 مليار نجم، وقد تنتج رقمًا أكثر تفاؤلًا فيكون مائة ألف أو حتى أكثر من مليون.

ومن هذا المنطلق، قد يكشف تطبيق طرق التوزيع الإحصائي ببساطة عن مدى بعد حضارة فضائية عن الأرض.

ما أجزاء معادلة دريك؟

معادلة دريك الفعلية هي:

أجزاء معادلة دريك هي على النحو الآتي:

  • R ∗ = متوسط معدل تكوين نجوم مجرة درب التبانة.
  • Fp = نسبة النجوم التي لها كواكب في هذه المجرة.
  • Ne = متوسط عدد الكواكب التي قد تكون قادرة على دعم الحياة لكل نجم له كواكب.
  • Fl = نسبة الكواكب التي يمكن أن تدعم الحياة التي طورت حياة بالفعل.
  • Fi = نسبة الكواكب ذات الحياة التي تستمر بالتطور إلى حياة ذكية.
  • Fc = نسبة الحضارات المتقدمة القادرة على إطلاق إشارات يمكن اكتشافها لوجودها في المجرة.
  • L = طول الفترة الزمنية التي تصدر فيها هذه الحضارات إشارات يمكن اكتشافها.

كانت بعض المتغيرات في هذه المعادلة معروفة بالفعل عندما اقترحت المعادلة، بينما تظل بعض المتغيرات غير معروفة تمامًا حتى يومنا هذا، فتزداد الشكوك حول دقة المتغيرات عمومًا كلما تقدمت إلى اليمين في المعادلة.

قال آدم فرانك أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة روتشستر والباحث المشارك في دراسة سعت إلى إعادة صياغة معادلة دريك في ضوء اكتشاف الكواكب الخارجية في مجلة أسترو بيولوجي عام 2016: «إن مسألة الحضارات المتقدمة وهل هي موجودة في أماكن أخرى من الكون كانت دائمًا محيرة بسبب ثلاثة شكوك كبيرة في معادلة دريك».

وأضاف: «لقد عرفنا منذ فترة طويلة عدد النجوم تقريبًا، لم نكن نعرف عدد هذه النجوم التي لديها كواكب يمكن أن تحوي الحياة، واحتمال تطور الحياة منها إلى كائنات ذكية، وإلى متى قد تستمر أي حضارة قبل أن تنقرض».

من صاغ معادلة دريك؟

طور معادلة دريك الدكتور فرانك دريك عام 1961 من أجل الاجتماع الأول حول البحث عن حياة خارج كوكب الأرض في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي في مدينة جرين بانك في ولاية فيرجينيا الغربية الأمريكية.

في عام 1961، كان علم الفلك الراديوي في مراحله الأولى ولم تجر محاولة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض على أنها مسعى فعلي ودقيق علميًا من قبل. في نواحٍ عديدة، كانت معادلة دريك مجرد محاولة للعثور على مكان لبدء العملية منه عوضًا عن تطوير حسابات فعلية للباحثين لاستخدامها.

بصرف النظر، استحوذت معادلة دريك على عقول الحاضرين، ومنهم كارل ساجان أحد أهم ناقلي العلوم في القرن العشرين والمدافعين المتحمسين عن جهود البحث المستمرة عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض.

ساعد ساجان وآخرون معادلة دريك على اكتساب قوة جذب شعبية بطريقة جعلت من المستحيل تجاهلها من قبل المجتمع العلمي بأجمعه، حتى لو لمجرد نقد فرضية الصيغة.

ما أهمية معادلة دريك؟

لم يكن النقد الرئيسي المقدم ضد معادلة دريك أنها تشعرك أنها من رحم ترهات أصحاب نظريات المؤامرة، ولكن معظم المتغيرات في المعادلة تخمينية لدرجة تجعل المعادلة بلا معنى.

لم نعرف سوى حضارة متقدمة واحدة في الكون كله، حضارتنا. في أكثر من 60 عامًا منذ أن اقترحت معادلة دريك لأول مرة لم يتمكن أحد من تحديد طول الفترة الزمنية التي تكون فيها الحضارة المتقدمة قادرة على إيصال وجودها إلى الفضاء بعد تطوير التقنية للقيام بذلك.

نحن نعلم أن هذه الإجابة قد تكون أكثر من مائة عام وهي المدة التي قضاها البشر (منذ بدء استخدام موجات الراديو) في بث الإشارات، ولكن هل نحن استثنائيون؟

هل الحضارات تدمر نفسها عادة في غضون عقد من تطوير مثل هذه التقنية؟ في غضون 50 عامًا؟ هذا هو الوقت الذي استغرقه الأمر بين الإشارات اللاسلكية الأولى والقنبلة الذرية الأولى. هل من الممكن أن تعيش الأنواع إلى أجل غير محدد باعتبارها حضارة متقدمة تقنيًا؟

لدينا دراسة حالة واحدة، وما زال الحكم على البشرية خارج الحسبة، لذلك لا توجد طريقة علمية صارمة يمكننا من طريقها ملء هذا المتغير بصفة نهائية واثقة، ويمكن أن يشكل هذا المتغير الفرق بين أن تكون وحيدًا في المجرة أو العثور على جيران في ذات الشارع في حارتنا النجمية.

فهل معادلة دريك مفيدة بأي طريقة ذات معنى؟ نعم إنها كذلك، لا سيما باعتبارها أساسًا لمزيد من الاستكشاف والتفكير حول البحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض، وهي التي كانت الهدف الأساسي للمعادلة أولًا وقبل كل شيء.

في حالة دراسة فرانك دريك حول معادلة دريك قام هو والمؤلف المشارك وودروف سوليفان من قسم علم الفلك وبرنامج علم الأحياء الفلكي بجامعة واشنطن بتنقيح المعادلة بقلبها.

عوضًا عن السؤال عن عدد الحضارات الفضائية التي قد تكون موجودة في المجرة طوروا معادلة معدّلة تحدد مدى احتمالية أن تكون الحياة للحضارة البشرية هي الحضارة الوحيدة في المجرة.

قال سوليفان: «عوضًا عن السؤال عن عدد الحضارات التي قد توجد الآن علينا أن نسأل «هل نحن النوع المتطور تقنيًا الوحيد الذي نشأ إطلاقًا؟. هذا التركيز المحول يزيل عدم اليقين في سؤالنا عن مدة بقاء الحضارة ويسمح لنا بمعالجة ما نسميه (السؤال الأثري الكوني) كم مرة في تاريخ الكون تطورت الحياة إلى حالة متقدمة؟».

ومنذ الاكتشافات الأخيرة لآلاف الكواكب الخارجية -التي كانت نظرية فقط حتى عام 1961، أظهرت أن نحو 20% منها تقع في المنطقة الصالحة للسكن بالنسبة لنجمها، الأمر الذي قلص درجة عدم اليقين في معادلة دريك.

قال دريك: «من منظور أساسي، السؤال هو «هل حدث ذلك في أي مكان من قبل؟» إن نتيجتنا هي المرة الأولى التي يتمكن فيها أي شخص من تقديم أي إجابة تجريبية لذلك السؤال، ومن المرجح على نحو مذهل أن لا وقتنا ولا مكاننا الوحيدين اللذين تطورت فيهما حضارة متقدمة».

فضلًا عن ذلك، تساعد معادلة دريك أيضًا على تشكيل دراستنا للكواكب الخارجية من خلال تضييق نطاق الكواكب الأكثر أهمية، تلك التي من المرجح أن تتطور فيها الحياة المتقدمة. في مجرة مكونة من 400 مليار نجم، تحتاج بالتأكيد إلى كل المساعدة التي يمكننا استنادًا إليها شق طريقنا عبر كومة القش تلك بحثًا عن بعض الإبر المجازية.

وأخيرًا، لا يمكننا استبعاد الهدف الطموح لمعادلة دريك، وهذا مهم. إذا كانت الاحتمالات تشير إلى عدم وجود الحياة خارج كوكب الأرض، فلماذا عناء البحث في الأساس؟

ولكن إذا كان بإمكانك إلقاء نظرة على معادلة دريك ورؤية المردود المحتمل لآلاف الحضارات الفضائية المحتملة التي تبث موجات لتثبت وجودها في الكون، فقد يكون ذلك كافيًا لتحفيز عالم الفلك بعد الليلة الألف من الاستماع إلى صمت الكون، في نهاية المطاف، لن تجد أبدًا شيئًا ما لم تحاول العثور عليه في المقام الأول.

اقرأ أيضًا:

السبب المحزن: ربّما لن نقابل الكائنات الفضائية أبدًا

لماذا لا يتواصل الفضائيون معنا

ترجمة: أحمد أبو شماله

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: حسين جرود

المصدر