لعقود، راقب الفلكيون كتلة غامضة تُسمى (X7)، تنجرف حول الثقب الأسود الهائل في درب التبانة، وتساءلوا من أين أتت؟

بتحليل ملاحظات رُصدت على مدار 20 عامًا، اكتشف فريق من علماء جامعة كاليفورنيا بقيادة عالمة الفلك آنا تشورلو، تغيرًا كبيرًا في شكل هذه الكتلة، إذ ازداد طولها إلى ضعفين تقريبًا.

يرجّح هذا التغير في بنية الكتلة أنها مكونة من حطام ناتج من اصطدام حديث نسبيًا بين نجمين. تقول تشورلو: «لا يوجد جسم آخر في هذه المنطقة أظهر مثل هذا التطور الكبير».

«في البداية، ظهرت الكتلة على شكل مذنب، ما رجّح أنها اتخذت هذا الشكل بفعل الرياح النجمية أو نفثات الجسيمات قرب الثقب الأسود. لكن بمراقبتها على مدار 20 عامًا، وجدنا أنها تزداد طولًا، ما يعني أنها وُضعت في مسار معين باتجاه معين بفعل مؤثر ما».

إذا كانت الكتلة المرصودة هي سحابة حطام، فإن اكتشافها يسلط الضوء على بعض الديناميكيات الساحرة في مركز المجرة، مثل تواتر الاصطدامات النجمية وتأثير الجاذبية. في غضون سنوات قليلة، ستتحول سحابة الغبار والغاز إلى أشرطة طويلة ونحيلة، لتسقط داخل الثقب الأسود (SgrA*).

بدراسة (X7) على مدار سنوات، استطاع العلماء حساب كتلته، التي تُقدر بخمسين ضعف كتلة الأرض. قد يبدو ذلك كثيرًا، لكنه في الواقع قليل جدًا بالنسبة إلى الأجرام الكونية، إذ لا يتجاوز سدس كتلة المشتري.

يشير التغير في موقع سحابة الحطام وسرعتها إلى أنها تدور في مدار بيضاوي حول مركز المجرة، يستغرق 170 عامًا ليكتمل، أو يُفترض أنه كذلك لو كان المدار مستقرًا، ففي الواقع أظهرت المحاكاة أنها لن تستطيع إكمال دورة واحدة.

من المتوقع أنه بحلول عام 2036، ستقترب السحابة من الثقب الأسود بشدة، ما سيؤدي إلى تمزقها، تاركةً أشلاء متناثرة ستواصل الدوران حول الثقب الأسود إلى أن تختفي تمامًا وراء أفق الحدث. عندما يحدث ذلك، سيبدو لمن يشاهده مثل الألعاب النارية.

يقول الفلكي والمؤلف المشارك راندي كامبل من مرصد كيك، إنه من المثير رؤية التغير الكبير في شكل (X7)، إذ تؤثر فيه قوى جاذبية الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرة درب التبانة.

تتشابه بعض خصائص (X7) مع خصائص أجسام أخرى تدور حول مركز المجرة، تُسمى الأجسام (G)، التي اكتُشفت قبل نحو 20 عامًا وشكّلت لغزًا غامضًا، إذ تبدو مثل غيوم غازية لكنها تتصرف مثل النجوم، إذ تتمدد عندما تكون أقرب إلى مركز المجرة، لكنها تظل سليمة وتتقلص مرة أخرى إلى شكل أكثر اندماجًا لتستمر في مداراتها.

افترض العلماء أن الأجسام (G) كانت نجومًا فيما مضى، ثم اندمجت ما أنتج سحبًا ضخمة من المواد ظلت ضمن مجال الجاذبية للنجم المندمج حديثًا، ما أخفاه عن الأنظار. وقد حددت دراسة نُشرت عام 2021 هوية أحد أجسام (G)، وسُمي (G2)، إذ يتكون من سحابة جزيئية تضم ثلاثة نجوم صغيرة، لكن هوية سائر الأجسام (G) ما زالت مجهولة.

رغم التشابه في بعض الخصائص، فإن (X7) مختلف تمامًا عن الأجسام (G)، إذ إن تطوره في الشكل والسرعة شديد، وهو يتمدد ويتسارع متجهًا نحو الثقب الأسود (SgrA*). يعني ذلك أن (X7) لا ينتمي إلى الفئة ذاتها، وإن كان شبيهًا بها.

تقول تشورلو: «أحد الاحتمالات أن (X7) هي سحابة من الغاز والغبار انبعثت من عملية اندماج نجمين. في هذه العملية، يختفي النجم المندمج داخل سحابة من الغاز والغبار، وهو وصف ينطبق مع خصائص فئة الأجسام (G). إذن ربما كان (X7) مكونًا من الغاز المنبعث نتيجة تشكل أحد الأجسام (G)».

ولأن (X7) ليس متماسكًا بكتلة كامنة في مركزه، فمن المرجح أن عمره سيكون أقصر من عمر الأجسام (G)، وربما لهذا لم يُرصد أي جسم آخر من هذه النوع سابقًا. ربما كان النجم المندمج الذي انبعث منه (X7) ما زال يدور في مداره الخاص حول مركز المجرة. لاحظ العلماء أن مدار (X7) يشبه إلى حد بعيد مدارات نوع من الأجسام (G)، يُسمى (G3)، ما يطرح احتمالية أن يكون (X7) ناتجًا من أحد أجسام (G3).

مع ذلك لا يمكن استبعاد الاحتمالات الأخرى. فربما كان (X7) هو كتلة من الحطام جُرّدت من سحابة أكبر. قد تساعد المزيد من الملاحظة على تضييق نطاق هذه الاحتمالات.

إن مراقبة (X7)، بينما يقترب من نهاية حياته، ممتعة ومثيرة إلى حد بعيد. كتب الباحثون: «تسمح لنا المراقبة المستمرة لـ (X7) بمشاهدة هذه التغيرات الكبيرة من كَثَب، والتي ستنتهي بزوال هذا الجسم المثير للاهتمام».

اقرأ أيضًا:

مجرتنا درب التبانة تنتج نجومًا أكثر مما كان يُعتقد

ثقب أسود نادر أكبر من الشمس بنحو مليار مرة قد يغير آلية فهمنا لكيفية تشكل المجرات

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر