نظرية المؤامرة هي محاولة لتفسير أحداث مؤذية أو مأسوية على أنها نتيجة أعمال مجموعة صغيرة نافذة. ترفض مثل هذه النظريات التفسيرات السردية المقبولة حول هذه الأحداث، وبالفعل قد تبدو الرواية الرسمية دليلًا إضافيًا على صحة المؤامرة.

يزداد انتشار نظريات المؤامرة في فترات يكثر فيها القلق والريبة والصعوبات، مثل الحروب والركود الاقتصادي وعواقب الكوارث الطبيعية مثل التسونامي والزلازل والأوبئة. من الأدلة على ذلك شيوع نظريات المؤامرة التي ظهرت إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 وفي أكثر من 2000 مجلد عن اغتيال رئيس الولايات المتحدة جون اف كينيدي. يشير هذا إلى حقيقة أن التفكير التآمري مدفوع برغبة إنسانية قوية في إيجاد معنى للقوى الاجتماعية المهمة والمعتبرة والخطرة.

يكون محتوى نظريات المؤامرة محملًا بالعاطفة ويكون اكتشافه المزعوم مُرضيًا للكثيرين. إن معايير الأدلة المقترحة لنظريات المؤامرة في العادة ضعيفة، وهي في العادة غير قابلة للدحض. وقدرة نظريات المؤامرة على البقاء قد تدعمها التحيزات النفسية وانعدام الثقة في المصادر الرسمية.

آثار تصديق نظريات المؤامرة

إن التعرض لوسائل الإعلام التي تؤيد نظريات المؤامرة تزيد مقدار الإيمان بها. توجد أدلة على أن مشاهدة فيلم ج.ف.ك (1991) لأوليفر ستون قد زاد من نسبة تصديق مؤامرة اغتيال كينيدي ونقصان تصديق الرواية الرسمية التي تنص على أن «لي هارفي أوزوالد» عمل وحده. ونتيجة إضافية لذلك، أن أولئك الذين شاهدوا الفيلم عبروا عن رغبة أقل في المشاركة في الحياة السياسية مقارنة بمن كانوا على وشك رؤيته. ربما يكون انعدام الثقة بأصحاب النفوذ نتيجة ومحددًا للاعتقاد بمؤامرات الحكومة.

حقق الباحثون في الاعتقاد بالمؤامرات المتعلقة بمرض الإيدز –الاقتناع بأن الإيدز صنع من حكومة الولايات المتحدة لقتل المثليين والأمريكيين من أصل أفريقي– والمواقف من استخدام الواقي الذكري. أظهر هذا البحث أن الأمريكيين من أصل أفريقي كلما زادت قناعتهم بهذه المؤامرة كان موقفهم أقل إيجابية من استعمال الواقي الذكري، ومن ثم يقل احتمال استخدامهم له. توجد أيضًا أدلة على أن هذه القناعات تؤدي إلى غياب الثقة في مؤسسات البحث وهي أيضًا حاجز مهم أمام مشاركة الأمريكيين من أصل أفريقي في تجارب الإيدز السريرية.

لم ينتج غياب الثقة هذا من فراغ. فبداية من العام 1932 ومدة 40 سنة، درست خدمة الصحة العمومية في الولايات المتحدة بالعمل مع معهد «توسكيغي» أعراض مرض الزهري على 399 رجلًا أمريكيًا من أصل إفريقي. منع الباحثون القائمون على دراسة «توسكيغي» للزهري العلاج وتركوا 100 رجل يموتون، رغم اكتشاف البنسيلين دواءً أساسيًا في 1947. من الجدير بالذكر أن الحكومات تتآمر على الأقل من حين إلى آخر ضد مواطنيها.

تفسيرات نظريات المؤامرة

اكتشف المؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفشتاتر ظهور التنظير للمؤامرة بطرح نظرة توافقية للديمقراطية. إذ تمثل مجموعات منافسة لمصالح الأفراد، لكنها تفعل ذلك ضمن نظام سياسي اتفق الجميع أنه سيؤطر حدود الصراع. بالنسبة إلى هوفشتاتر فإن أولئك الذين شعروا بعدم قدرتهم على توجيه مصالحهم السياسية في مجموعات تمثيلية يصبحون مغتربين عن هذا النظام. لا يقبل هؤلاء الأفراد تصريحات أحزاب المعارضة على أنها تمثل اختلافًا نزيهًا، إنما ينظرون إلى اختلافات الآراء بريب عميق. مثل هؤلاء المغتربين يكتسبون خوفًا ارتيابيًا من المؤامرة ما يجعلهم متقبلين للتأثر بالقيادة الكاريزماتية على حساب القيادة العملية والعقلانية. يقوض ذلك الديمقراطية ويقود إلى الحكم الشمولي.

في كتابه «النمط الارتيابي في السياسة الأمريكية» (1965)، يطرح هوفشتاتر فكرة أن هذا ليس مرضًا فرديًا ولكنه متأصل في الصراع الاجتماعي الذي يرفع من مستوى الخوف والقلق، ما يقود إلى صراعات على المكانة بين مجموعات متعارضة. ويستمد التنظير التآمري الناتج عن ذلك من إحساس جمعي بالتهديد لمجموعة الشخص وثقافته وطريقة حياته وما إلى ذلك. ويُتَوقّع من المتطرفين في كلا جانبي الطيف السياسي أن يكتسبوا نمطًا ارتيابيًا.

على اليمين، عززت المكارثية «نسبة إلى كيفن مكارثي، وهي نزعة للاتهام بالخيانة والتخابر، خصوصا في ما يخص الشيوعية» مفاهيم الاختراق الشيوعي للمؤسسات الأمريكية. وادعى موقع «كيو أنون» الشعبي بين المؤيدين المتعصبين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب (2017-2021) أن الديمقراطيين النافذين كانوا جزءًا من عصابة سرية عالمية لعبادة الشيطان والبيدوفيليا وأكل لحوم البشر وقتل الأطفال. وتزعم نظرية الاستبدال العظيم أن الديمقراطيين النافذين ونخبًا آخر يسعون إلى استبدال سكان أمريكا البيض بالمهاجرين غير البيض.

أما على اليسار فيوجد الاعتقاد بأن هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية كانت «مؤامرة داخلية» منفذة من قبل الحكومة ومصالح الشركات الكبرى. إن منهج هوفشتاتر جدير بالذكر لأنه يجد جذور المؤامرات في سيرورات بين المجموعات، ما يعني أن هذه النظرية تستطيع تفسير تفاوت انتشار نظريات المؤامرة على مدى الزمن.

دحض المؤامرات

تحاول دراسة أجريت عام 1995 من قبل عالم النفس الأمريكي «جون ماكهوسكي» أن تقدم تفسيرًا لمدى صعوبة دحض نظريات المؤامرة. قدم ماكهوسكي لمؤيدي مؤامرة كينيدي ومعارضيها تفصيلًا متوازنًا من الحجج التي تثبت مؤامرة اغتيال الرئيس أو تدحضها. كان توقع ماكهوسكي أن المؤيدين والمعارضين لنظرية المؤامرة سيعتبرون ذلك الإقرار نفسه دليلًا يدعم موقعهم. ظن ماكهوسكي أن ذلك سيحدث لأن أنصار الجانبين انخرطوا في عملية فهم منحازة، إذ تُقبَل المعلومة التي تدعم موقع أحدهم دون نقد، بينما تلقى المعلومة المخالفة إنكارًا وتشكيكًا. إضافة إلى ذلك، عندما يلقى الناس معلومات ضبابية، فهم يميلون إلى دعم موقعهم الأصلي بقوة أكثر مما سبق. ثبت أن هذه الحالة تنطبق على المعارضين والمؤيدين لمؤامرة كينيدي.

يذهب الفيلسوف الأسترالي «ستيف كلارك» إلى أن التفكير التآمري يستمد استمراريته من خطأ جوهري في عزو الأسباب، ينطوي على أن الناس يكثرون من أهمية النزعات –مثل الحوافز الفردية وسمات الشخصية– بينما يقللون من أهمية العوامل الموضوعية –مثل الصدفة العرضية والمعايير الاجتماعية- في تفسير سلوك الآخرين. يلاحظ كلارك أن هذا الخطأ معتاد من التفكير التآمري. يستمر الناس في اعتقادهم بالقناعات التآمرية لأن الاستغناء عن المؤامرة سيكون إسقاطًا للحوافز البشرية في الأحداث.

يذهب كلارك أبعد من ذلك إذ يذكر أن السبب الأساسي الذي يجعل الناس يرتكبون الخطأ الجوهري في عزو الأسباب هو أنهم تطوروا ليفعلوا ذلك. تطور البشر في مجموعات ضيقة مترابطة إذ كان فهم حوافز الآخرين محوريًا لرصد النوايا الخبيثة، فقد كانت كلفة فهم دوافع الآخرين الغريزية بطريقة خاطئة ضئيلة مقارنة بكلفة عدم رصد هذه الحوافز أساسًا. يطرح كلارك فكرة أن الناس مستعدون نفسيًا ليرفضوا العوامل الموضوعية لصالح النزعات عند تفسير سلوك الآخرين.

اقرأ أيضًا:

هل يرتبط الإيمان بنظريات المؤامرة بانخفاض مهارات التفكير النقدي ؟

لماذا نظريات المؤامرة جذابة للغاية؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: عون حدّاد

المصدر