الحصول على قسط كافٍ من النوم في العقدين السادس والسابع من العمر يقلل خطر الإصابة بالخرف في مراحل لاحقة من العمر. أفاد الباحثون في تقريرهم أن الذين يحصلون على 6 ساعات أو أقل من النوم باليوم ازدادت احتمالية تعرضهم للإصابة بالخرف بنسبة 30٪.

نوه الخبراء بأهمية الساعات الأخيرة من النوم، عندما يمر دماغك بمرحلة إزالة السموم الضارة، وهي عملية تقلل خطر الإصابة بالخرف وألزهايمر، أيضًا فإن أدمغتنا في هذه المرحلة من النوم تتخلص من بعض الذكريات التي صنعناها في أثناء يومنا إذ تقرر ما يجب الاحتفاظ به.

احصل على تلك الساعة الإضافية من النوم، سيشكرك دماغك لاحقًا.

تابعت مصادر الدراسة التي نُشرت الأسبوع الماضي في مجلة Nature Communications نحو 8000 شخص في المملكة المتحدة على مدار 25 عامًا تقريبًا، بدءًا من بلوغهم سن الخمسين تقريبًا.

الذين أفادوا بأن متوسط نومهم 6 ساعات أو أقل في الليلة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 30٪ مقارنة بمن ناموا بمعدل 7 ساعات أو أكثر في الليلة.

يقول الأطباء إنه حتى ساعة إضافية واحدة من النوم يمكنها إحداث فرق عندما يتعلق الأمر بإتمام الدماغ لعمله الداخلي الضروري.

قال الدكتور أبيناف سينغ، مدير مركز إنديانا للنوم: «وجدنا أن النوم يرتبط بتقوية الذاكرة. تُعالج الذكريات والمعلومات الجديدة خلال مراحل النوم المختلفة، وتُزال الذكريات الزائدة والسلبية، وتُؤرشف الذكريات المهمة مثل المهارات والخبرات المكتسبة».

«تُعالج الذاكرة العاطفية في أيضًا أثناء دورات نومنا. تنشط في الساعتين الأخيرتين من النوم مرحلة حركة العين السريعة، وتتضح المزيد من الأدلة التي تشير إلى أهمية هذه المرحلة من النوم، التي تساعد على تقوية الذاكرة والذاكرة العاطفية».

كيف ينقي الدماغ نفسه؟

قالت رورشيب، عالمة الأعصاب المتخصصة في أبحاث النوم: «يخضع دماغنا وجسمنا للعديد من الوظائف البيولوجية الأساسية التي تحدث فقط في أثناء النوم، مثل إزالة النفايات السامة التي تتراكم في الدماغ. يُعتقد أن تراكم نوع محدد من النفايات في الدماغ يسمى بيتا أميلويد هو السبب الرئيسي لمرض ألزهايمر».

وأضافت: «تحدث أغلب عمليات إزالة بيتا أميلويد في أثناء مراحل النوم العميقة. عندما يقتصر النوم على أقل من سبع ساعات، يحصل الدماغ على وقت أقل لإزالة بيتا أميلويد، ما يزيد خطر الإصابة بمرض ألزهايمر».

هل تزيد قلة النوم في منتصف العمر خطر الإصابة بالخرف؟ - الحصول على قسط كافٍ من النوم يقلل خطر الإصابة بالخرف في مراحل لاحقة من العمر

الأسباب والتأثيرات

تختلف الآراء حول كون قلة النوم لدى الأشخاص في العقدين السادس والسابع من العمر من أهم مسببات الخرف.

قال الدكتور زيشان خان، المدير الطبي لمعهد طب النوم في مركز ديبوراه للقلب والرئة في نيوجيرسي: «لا تثبت الدراسة وجود علاقة سببية بين الخرف وقلة مدة النوم. إنها ببساطة تربط بين الأمرين، قد يكون النوم غير الكافي علامة مبكرة للإصابة بالخرف».

تذكر الدراسة عوامل أخرى يُحتمل تأثيرها في الإصابة بالخرف، منها التدخين واستهلاك الكحول وممارسة الرياضة وكتلة الجسم ومستوى التعليم، وحالات مثل مرض السكري والأمراض العقلية. لم يُعثر على اختلافات ملحوظة حسب الجنس.

لم يُدرس تأثير النوم في الصحة العامة بتمعن حتى وقت قريب. قالت رورشيب: «بعض البلدان والثقافات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، تعطي الأولوية للعمل والإنجازات بدلًا من الحصول على قسط كافٍ من الراحة. حتى أن النوم أقل من 7 ساعات يُعد أمرًا يفخر الإنسان به. في العقود الأخيرة، أظهر العلم الضرر طويل المدى الذي يسببه نقص النوم على الدماغ والجسم، لكن لسوء الحظ، سيستغرق الأمر وقتًا حتى تتغير المعايير الثقافية».

كيف تحظى بنوم جيد؟

تقول رورشيب إنه يجب على الناس السعي للحصول على جدول ثابت من 7 إلى 9 ساعات من النوم كل ليلة.

يجب أن تكون غرف النوم باردة مريحة مظلمة هادئة، وأن تبدأ إجراءات الاسترخاء قبل النوم بساعة، ويجب تجنب الأجهزة التي ينبعث منها الضوء، والكافيين مدة 8 ساعات قبل النوم.

تشير الدكتورة كيت بيرك إلى أن اعتماد أنماط الحياة الصحية قد يقلل خطر الإصابة بالخرف بنسبة 60%، وفقًا لدراسة حديثة.

قد تقلل ممارسة الرياضة والأنشطة الذهنية خطر الإصابة بالخرف.

كيف يقوي النوم الجهاز المناعي؟

إذا كنت بحاجة إلى سبب إضافي لتحصل على قسط كاف من النوم، فإليك هذا السبب: يعزز النوم جهاز المناعة.

يقول الباحثون إن النوم الكافي يساعد الخلايا التائية في جسمك على محاربة العدوى، إذ تشير الكثير من الدراسات إلى فوائد النوم الجيد ليلًا، فقد وُجد أن النوم السليم يحسن عمل الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا التائية.

الخلايا التائية هي نوع من الخلايا المناعية تقاوم مسببات الأمراض داخل الخلايا، مثل فيروسات الإنفلونزا والإيدز والهربس، والخلايا السرطانية.

وجدت الدراسة آلية جديدة تسمح للنوم بتعزيز جهاز المناعة. قالت الدكتورة ستويان ديميتروف، الباحثة في جامعة توبنغن: «وجدنا أن هرمونات الإجهاد -الأدرينالين والنورأدرينالين- والجزيئات المسببة للالتهابات -البروستاجلاندين- تمنع التصاق نوع من جزيئات الالتصاق تُسمى الإنتغرينات. نظرًا إلى انخفاض مستويات الأدرينالين والنورأدرينالين والبروستاجلاندين في أثناء النوم، تُعزز لزوجة الإنتغرينات. هذا الالتصاق مهم كي تقتل الخلايا التائية الخلايا المصابة بالفيروس أو الخلايا السرطانية، إذ تحتاج إلى الاتصال المباشر بها، ومن المعروف أن لزوجة الإنتجرين تعزز هذا الاتصال».

تؤدي الخلايا التائية دورًا مهمًا في جهاز المناعة، فعندما تتعرف على خلية مصابة بالفيروس فإنها تنشط الإنتغرينات، وهو نوع لزج من البروتين، ما يسمح لها بالالتصاق بالخلايا المصابة وتدميرها.

قارن الباحثون الخلايا التائية لدى مجموعة من المتطوعين، قسم منهم خلد للنوم والقسم الآخر ظل مستيقظًا طوال الليل. بينت النتائج زيادة نشاط الإنتغرين في الخلايا التائية لدى من حصلوا على نوم كافٍ مقارنةً بمن بقوا مستيقظين.

يوضح ذلك أن النوم يحسن أداء الخلايا التائية، أما لدى الأشخاص الذين عانوا قلة النوم، فإن هرمونات التوتر تمنع الخلايا التائية من العمل بفعالية.

تنخفض هرمونات التوتر عند النوم. قالت ديميتروف إن زيادة هذه المواد تقلل كفاءة الاستجابة المناعية لدى الخلايا التائية وتدمير الخلايا المصابة.

أهمية النوم

يحتاج البالغون إلى سبع ساعات من النوم كل ليلة على الأقل للمحافظة على الصحة العامة.

سنة 2016، أشارت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية إلى أن أكثر المصادر الموثوقة تثبت أن المواطنين الأمريكيين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم.

تقول الدكتورة هاردين: «النوم -مثل سائر العمليات الطبيعية الأخرى- حالة يجب الاهتمام بها حتى يكون الجسم بصحة جيدة. يجب أن يجعلك النوم تشعر بالانتعاش لا الترنح».

تتغير عادات النوم مع التقدم في العمر، لذلك قد لا تشعر بالراحة مثلما كنت سابقًا.

قد تسبب قلة النوم عواقب صحية على المدى القصير والطويل. قالت سوزان ستيفنز، طبيبة الأعصاب المختصة بأبحاث النوم بجامعة كانساس: «قد يؤدي النوم السيئ إلى مشكلات طويلة الأمد في الحالة المزاجية والذاكرة وسكر الدم، إضافةً إلى أمور أخرى».

من بين العواقب قصيرة المدى النعاس وحوادث السيارات وتقلب المزاج، ومشكلات في الذاكرة والأخطاء في مكان العمل، وغيرها.

قد تؤدي قلة النوم إلى زيادة الالتهاب وضغط الدم ومقاومة الإنسولين والكورتيزول وزيادة الوزن وأمراض القلب والأوعية الدموية وعدم انتظام سكر الدم.

يُعتقد أن النوم الجيد ليلًا يقي من أمراض القلب، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2019 على الفئران رابطًا بين الدماغ والنخاع العظمي والأوعية الدموية التي تقي من تصلب الشرايين. حدثت هذه الآلية فقط لدى الفئران التي نامت بمعدلات كافية.

الخلاصة

يساعد الحصول على نوم جيد على تقوية جهاز المناعة.

في دراسة حديثة، وجد العلماء أن النوم الجيد يعزز الخلايا التائية التي تقاوم العدوى في جسمك.

يحقق النوم الجيد ذلك بواسطة تعزيز قدرة الخلايا التائية على الالتصاق بالخلايا المصابة بالفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى وتدميرها.

يقول الباحثون إن مشكلات صحية قصيرة وطويلة الأمد ترتبط بقلة النوم.

اقرأ أيضًا:

الخرف ومرض ألزهايمر وتأثير كل منهما على الدماغ والقدرات العقلية

كيف يؤثر التفاعل مع الناس على مرضى الخرف؟

ترجمة: يمنى خميس

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصادر: healthline, scientificamerican