أبو الهول العظيم تمثال مصر القديمة الأكثر شهرة وأحد أشهر التماثيل على مستوى العالم. من المحتمل أن هذا التمثال قد نُحِت من الحجر الجيري في هضبة الجيزة في عهد الملك خفرع (2558- 2532 قبل الميلاد) خلال حقبة المملكة القديمة في مصر (2613-2181 قبل الميلاد) ويمثل أسدًا رابضًا برأس ملك مصري، لكن يدعي باحثون مثل دوبريف أن شقيق خفرع دجيدفر(2566- 2558 قبل الميلاد) هو من أنشأه، وكان قد حاول اغتصاب العرش بعد وفاة والده الملك خوفو (2589- 2566 قبل الميلاد) باني الهرم الكبير.

يزعم علماء مصريات وباحثون ومؤرخون أن أبا الهول يعود إلى تاريخ أقدم بكثير من تاريخ الأسرة الرابعة، التاريخ المتفق عليه بين أكثر علماء المصريات لبناء أبي الهول. طالما شككت المراجع العلمية بهذه المزاعم، وتجاهل بعض الكتَّاب الذي انخرطوا حديثًا في المجال هذه الادعاءات ويزعمون أنها خاطئة ولا صلة لها بالموضوع.

لا يزال العلماء في خلاف حول هوية من نحت تمثال أبي الهول ومتى أُنشِئ، لكن يتفق الجميع على أنه إنجاز مثير للإعجاب ظل لقرون أكبر تمثال في العالم. يبلغ طول التمثال 73 مترًا وارتفاعه 20 مترًا، موجهًا باستقامة من الغرب إلى الشرق. يعلق عالم المصريات ميروسلاف فيرنر على أهمية التمثال بقوله:

«تمثال أبي الهول ليس فقط رمزًا لمصر الحديثة والقديمة بل أكبر بكثير من ذلك، فهو تجسيد للعصور الغابرة والغموض. لقرون خلت، أطلق أبو الهول عنان الخيال للشعراء والعلماء والمغامرين والرحالة. مع أنه كثيرًا ما خضع للقياس والوصف والدراسة باستخدام أحدث الوسائل العلمية التقنية وأكثرها تطورًا، وتناقش حوله الباحثون والعلماء في المؤتمرات العلمية الخاصة، يظل سؤال جوهري لم تُعرَف إجابته بعد: من بنى أبا الهول؟ ومتى؟ ولماذا؟»

طُرحَت العديد من النظريات في محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة، لكن القليل جدًا منها قد أجاب عن الأسئلة الثلاثة وقبلها مجتمع العلماء والباحثون. ما يتفق عليه علماء المصريات عمومًا أن أبا الهول قد أُنشِئ في عهد خفرع -أحد ملوك الأسرة الرابعة في حقبة المملكة القديمة- عندما صادف البناؤون في أثناء بنائهم هرمه كتلةً كبيرة من الحجر الجيري، لذلك قرروا –أو أُمروا- بأن ينحتوا أبا الهول من هذه الصخرة. يبقى سبب إنشاء أبي الهول والغاية التي بُني من أجلها محل جدل.

الاسم

لم يطلق المصريون القدماء اسم أبي الهول (sphinx) على التمثال قط، إذ إن هذه الكلمة إغريقية وأُطلقَت على التمثال المصري في الجيزة -كما يرى فيرنر وأخرون- من خلال ترجمة الاسم المصري شيسيب- عنخ «الصورة الحية» التي اعتاد المصريون أن يشيروا بها إلى أبي الهول وأية رموز أو صور تمثل الشخصيات الملكية. مع أن ذلك يبقى غير مؤكد، لكن من المرجح جدًا أن التمثال قد ذكَّر الكتّاب الإغريق بأبي الهول الأسطوري خاصتهم في قصة أوديب الشهيرة الذي كان بجسم وحش ورأس امرأة. وقد أخطأ الإغريق الذين زاروا الموقع -كما يرى باحثون مثل فيرنر- في فهم النمس -عصابة رأس الملك المخططة- وظنوا أنها شعر امرأة يصل إلى كتفيها.

خلال عهد المملكة المصرية الجديدة (1570-1069 قبل الميلاد)، عرف المصريون أبا الهول باسم حوريماخت -حورس الأفق- ثم تشكلت طائفة دينية واكتسبت الأتباع حول التمثال وربطته بالإله حورس. يجب علينا إدراك أن كلمة طائفة دينية في مصر القديمة تعني المذهب الديني في الزمن الحالي وليس العبادة كما قد يفهمها القارئ المعاصر. كانت هذه طائفة شمسية عظمت من شأن حورس ودوره بوصفه إله السماء. ربما كان أمنحوتب الثاني (1425- 1400 قبل الميلاد) من رعى هذه الطائفة الدينية وحماها، فقد كرّم أبا الهول ببناء معبد يبجل خوفو وخفرع، ظلَّي حورس على الأرض كما ادعى الكثير من الملوك المصريين، لكن اختيار إمنحوتب الثاني هذين الاسمين لتعظيمهما وتكريمهما يشير بقوة إلى أنه قد أدرك وجود صلة بين هذين الحاكمين من الأسرة الرابعة والتمثال. ولذلك تشير نقوش إمنحوتب الثاني إلى تاريخ محتمل وإلى أسماء الملوك المرتبطين بإنشاء أبي الهول.

ذات ليلة غفا ابن إمنحوتب الثاني -الأمير تحتمس- قرب أبي الهول وحلم أن التمثال تحدث إليه واشتكى الحالة التي وصل إليها وكيف أن الرمال تغطيه، وقدم عرضًا لتحتمس أنه حال وافق على إزالة الرمال عن التمثال وجدده، فسيصبح الفرعون التالي لمصر. قبل الأمير الشاب بتنفيذ الاتفاق وجدد التمثال ورممه وأمر بنصب شاهد الحلم الشهير المنحوت من الجرانيت الوردي أمامه ليروي القصة، إذ أصبح الأمير تحتمس الرابع فرعون مصر (1400-1390 قبل الميلاد). ازدهرت طائفة أبي الهول الدينية بعد عهد تحتمس نتيجة الحلم الذي حث الناس على النظر إلى التمثال بوصفه إلهًا حيًا قادرًا على التأثير في المستقبل.

دعا المسيحيون الأقباط في القرن الرابع أبا الهول ببيل هيت -الحارس- ولا يزال هذا الاسم مستخدمًا اليوم. أما المصريون في الوقت الحالي لا يشيرون إلى التمثال باسمه الأجنبي ما لم يكونوا يتكلمون حوله مع السياح. يُعرَف التمثال في العربية المصرية بأبي الهول ويعدُّه بعض المتديون المتشددون رجسًا وثنيًا. عام 2012 طالب رجال دين مرتبطون بحركة طالبان بتدمير أبي الهول وأهرام الجيزة للسبب ذاته.

بناء أبي الهول

اختلفت هضبة الجيزة شكلًا ومناخًا في العصور القديمة مقارنةً بما هي عليه في يومنا الحالي، عثر علماء الآثار والجيولوجيون العاملون في المنطقة على أدلة -من خلال أنماط التعرية والمواد النباتية والحيوانية المتحجرة وأدوات قديمة- تشير إلى أن المنطقة منذ 8000 عام كانت خصبة وكثيفة الغطاء النباتي. كان الماء متوفرًا والأمطار غزيرة. مع أنها تناقصت كثيرًا بمرور الوقت، ظلت المنطقة خصبة في زمن الأسرة الرابعة.

كانت مدينة ممفيس القريبة عاصمة مصر خلال عهد المملكة القديمة واختيرت الجيزة لتكون مقبرة لملوك الأسرة الرابعة – بناة الأهرام- لأنها كانت مدفنًا لحكام السلالة الباكرة في مصر (3150-2613 قبل الميلاد) وقد تكون مدفنًا لحكام حقبة ما قبل الأسرات (6000-3150 قبل الميلاد). كان الملك زوسر قد بنى بالفعل هرمه المدرج الشهير في سقارة، في حين لم يكن في الجيزة سوى المدافن التي كانت على شكل مصاطب. أما سنفرو فقد أتقن فن بناء الأهرامات من خلال عمله على هرم ميدوم والهرم المنحني والهرم الأحمر. عندما وصل خوفو إلى الحكم عام 2589 قبل الميلاد، كان المصريون قد أجادوا فن التعامل مع الحجر وبناء الصروح والمعالم. اختار خوفو الجيزة لتكون موقع بناء هرمه الأكبر لكي يستعرض إنجازه في أفضل مكان بعيدًا عن إنجازات سلفه.

خلف خفرع خوفو، وباشر ببناء مجمع هرمه بجانب هرم والده. يعود الفضل إلى خفرع في بناء أبي الهول على الأرجح، لأن وجه المخلوق يشبه وجهه مثلما يبدو في التماثيل وبسبب الطريقة التي نُحِت بها أبو الهول. تفترض إحدى النظريات أنه في خضم بناء هرم خفرع، اعترضت كتلة كبيرة من الصخر العمال رأوها غير مناسبة ولا تصلح في بناء الهرم، لذلك نحتوا التمثال منها.

يحاذي أبو الهول هرم خفرع تمامًا وهذا يدعم الادعاء القائل بأن خفرع هو بانيه. دفع موقع التمثال وكيفية تراصفه مع مجمع خفرع الباحثين -مثل ستادلمان من المعهد الأثري الألماني في القاهرة- إلى الظن أن أبا الهول كان موجودًا بالفعل عندما وصل خفرع إلى الحكم وأن مجمعه قد صُمِم عن قصد ليرتصف مع التمثال. يدعي عالم المصريات الإنكليزي الشهير إ. واليس بيدج أن عمر أبي الهول أقدم بكثير من عهد خفرع وقد يكون بُنِي في حقبة الأسرات الباكرة أو حتى أقدم من ذلك. أما ديبروف فيزعم أن دجيدفر –شقيق خفرع- قد أكمل بناء أبي الهول تكريمًا لوالده خوفو، ويزعم أيضًا أن وجه التمثال يشبه وجه خوفو أكثر من خفرع، ويوافق ستادلمان الرأي في أن مجمع خفرع قد وُجِّه باتجاه أبي الهول الموجود بالفعل، وأن التمثال لم يُنحَت في أثناء بناء الهرم أو بعده بفترة قصيرة.

لكن من جهة أخرى، يوجد دليل قوي يؤكد الرأي القائل بأن بناء التمثال جرى في عهد خفرع. إذ وضعنا الجدل الدائر حول من يشبه وجه المخلوق جانبًا، فمن المعروف أن الحجر الجيري الذي يتشكل منه أبو الهول هو ذاته المستخدم في بناء هرم خفرع. يمكن رؤية هذا النوع من الحرفية والمهارة الواضحة في بناء أبي الهول في تماثيل خفرع وتماثيل الآلهة في ذلك الزمن في المملكة القديمة. يشير اتجاه مجمع خفرع بشدة إلى أنه قد بُنِي مع وضع هرم خوفو ومجمعه في الاعتبار وليس التمثال، وأن التمثال قد أُنشِئ في أثناء بناء هرم خفرع أو بعده بفترة قصيرة.

دليل آخر على أن تمثال أبي الهول قد أُنشِئ بعد بناء هرم خفرع يأتي من نقش على المخلب الأيسر للتمثال يعود تاريخه إلى عام 166 ميلادي. يخلد النقش ذكرى مشروع ترميم الرومان للجدران التي كانت تحيط بالتمثال في ذلك الوقت. اكتشف كافيجليا (1770-1845) النقش أول مرة عام 1817 في أثناء الحفريات التي أجراها في الجيزة، في حين ترجم النقش ونشره الموسوعي الإنجليزي توماس يونغ (1773-1829) منافس شامبليون في بعض الأحيان. مع أن هذا النقش لا يؤكد تاريخًا محددًا للبناء، فإنه يشير إلى ذلك، فخلال الفترة التي دانت فيها مصر لسلطان روما، كان من المفهوم أن التمثال أصغر من الأهرامات لأنه يوضح أن الغاية من تمثال أبي الهول كانت مراقبة الأمير الحبيب المدفون في الجوار. ومع ذلك، يمكن تفسير النقش أنه يعني أن أبا الهول كان يراقب ملك مصر الحالي عام 166م –الإمبراطور الروماني. النظرية السابقة مجرد طريقة شعرية للقول إن أبا الهول كان يقع بالقرب من الأهرامات في ذلك الوقت.

اقرأ أيضًا:

من بنى أبو الهول ؟ وما حقيقة المزاعم انه بني قبل الفراعنة؟

اكتشاف مقبرة شخص رفيع المستوى في مصر القديمة

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: نور عباس

المصدر