إن معبد أبو سمبل هو أحد أشهر المعابد في مصر.

احتل موقعه على الضفة الغربية لنهر النيل بين الشلالين الأول والثاني لـ 3000 عام.

ومع ذلك، وفي إنجاز هندسي رائع، تم تفكيك أجزاء المعبد وإعادة بناءه على تلة أعلى لتجنب أثر السد العالي في أسوان في الستينيات.

يحتوي أبو سمبل على معبدين التي بُنيا في عام 1244 قبل الميلاد، منحوتين في سفح الجبل.

يحتوي أكبرهما على أربعة تماثيل ضخمة لأعظم ملوك مصر رمسيس الثاني (1303-1213 قبل الميلاد) عند المدخل، يبلغ ارتفاع كل منها حوالي 69 قدمًا (21 مترًا). تم بناء المدخل إلى المعبد بطريقة تجعل قدس الأقداس -أعمق نقطة في المعبد- يضيء خلال يومين في السنة، هما 22 أكتوبر و 22 فبراير، وأيضًا يضيء ثلاثة تماثيل جالسة، يعود أحدها للفرعون.

يعتقد المؤرخون أن هذه التواريخ تشير إلى تاريخ تتويجه وتاريخ ولادته.

ويتوافد آلاف السياح عادةً إلى المعابد لمشاهدة الظاهرة والمشاركة في الاحتفالات.

بالإضافة إلى المعبد الأول، يوجد في أبو سمبل معبد ثانٍ أصغر، ربما تم بناؤه للملكة نفرتاري. وتضم واجهة المعبد تمثالين للملكة وأربعة للملك ويبلغ ارتفاع كل منها حوالي 33 قدمًا (10 أمتار). يقع كل منها بين النتوءات الجبلية المنحوتة بالهيروغليفية.

لقد تم بناء الموقع من قبل حاكم مصري، وهو يقع الآن داخل مصر في العصر الحديث، لكنه في العصور القديمة كان جزءً من النوبة، وهي منطقة كانت في بعض الأزمنة مستقلة عن مصر القديمة.

يكتب عالم المصريات زاهي حواس في كتابه «أسرار أبو سمبل» (الجامعة الأمريكية في القاهرة، 2000): «يمكننا تتبع التمدد والانكماش لقوة مصر من خلال علاقاتها مع النوبة. فعندما كان يحكمها الملوك الأقوياء كانت الأرض موحدة، وكان يمتد التأثير المصري إلى النوبة. وعندما تصبح مصر ضعيفة، تتوقف حدودها الجنوبية عند أسوان».

نقل المعبد

نجا أبو سمبل في العصور القديمة ولم يتهدد إلا بصور الـمَدَنِية الحديثة لأن موقعه صار مهددًا بالغرق بسبب ارتفاع منسوب النيل، لذا تقرر أن يتم نقل المعبد.

يكتب روبرت موركوت Robert Morkot في مقال لـ «موسوعة أكسفورد لمصر القديمة» (مطبعة جامعة أكسفورد2001): «في أعقاب قرار بناء سدٍ عالٍ جديد في أسوان في أوائل الستينيات، تم تفكيك المعبد ونقله في عام 1968 على الهضبة الصحراوية التي يبلغ ارتفاعها 64 مترًا (حوالي 200 قدم) فوق 180 مترًا (600 قدمًا) غرب موقعها الأصلي». الموقع الأصلي للمعبد غمرته المياه الآن.

يشير حواس إلى أن نقل المعابد كان عملًا هائلًا، إذ تم تفكيك المعبد قطعة قطعة، يتراوح وزن الواحدة منها ما بين 3 إلى 20 طنًا وإعادة تجميعها بدقة كما كانت.

استغرق الأمر ما يقرب من خمس سنوات وشارك في هذا العمل نحو 3000 عامل وبلغت تكلفته في الستينات حوالي 42 مليون دولار.

ويشير في كتابه إلى أن المهمة تمت بنجاح كبير، فقد كتب أحد المراسلين وقتها: «إن كل شيء يبدو كما كان في البداية لدرجة أن تشك ولو لمرة أن المعبد قد تم نقله بالفعل من مكانه».

الملك رمسيس الثاني

يُعد الملك رمسيس الثاني الذي يطلق عليه «العظيم» ملكًا محاربًا حاول توسيع أرض مصر في بلاد الشام.

قاتل إمبراطورية أخرى تسمى الحيثيين في معركة قادش في سوريا، كما أطلق حملات في النوبة.

كان الملك رمسيس الثاني يتفاخر بإنجازاته ويزين أبو سمبل بمشاهد من معركة قادش.

تظهر إحدى الصور المنحوتة في المعبد الكبير في أبو سمبل أن الملك يطلق السهام من عربته الحربية ويُفترض أنه كسب المعركة من أجل المصريين.

لقد كان عرضًا متفاخرًا لمعركة توصّل المؤرخون المعاصرون إلى أنها انتهت بالتعادل.

وفي وقتٍ لاحقٍ، قام رمسيس الثاني بإبرام معاهدة سلام مع الحيثيين وتدعيمها بالزواج من أميرة حيثيّة وهو حدث يمكن ملاحظته في لوحة من أبو سمبل.
يكتب عالم المصريات في جامعة كامبردج جون راي John Ray في مقالة لهيئة الإذاعة البريطانية لعام 2011: «رمسيس الثاني هو الأكثر شهرة بين الفراعنة، ولا شك أنه كان لديه التصميم أن يكون كذلك فهو -أو على الأقل النسخة التي نعرفها عنه- كان نسخة هيروغليفية من المشتري، كوكب ضخم ومهيب من بعيد لكنه ليس سوى كرة من غاز».

ربما كان رمسيس الثاني كرة من غاز، لكنه قام ببناء بعض المعالم الرائعة، إذ دشّن برنامج بناء كبير.

يقول حواس في كتابه: «عزز رمسيس الثاني من وضعه الإلهي ببناء العديد من المعابد التي كان يُعبد فيها على صورة الآلهة المختلفة».

يقع اثنان من أرقى المعابد التي بناها في أبو سمبل.

المعبد العظيم

كتب عالم المصريات ماركو زيكي Marco Zecchi في كتابه «أبو سمبل، أسوان والمعابد النوبية» (White Star Publishers – 2004) أن المعبد العظيم وهو أكبر معابد أبو سمبل، كان معروفًا في العصور القديمة باسم «معبد رمسيس- مريمون» الذي يعني«رمسيس، المحبوب من آمون» (آمون هو أهم آلهة مصر القديمة وخاصةً في زمن رمسيس الثاني).

ويشير زيكي إلى أن تماثيل الملك الأربعة عند المدخل تظهر الحاكم وهو يرتدي تنورة قصيرة، وغطاء الرأس المصري المعروف باسم النمس Nemes، والتاج المزدوج بالكوبرا ولحية مستعارة.

ويضيف: «إلى جانب أرجل التماثيل الأربعة، هناك العديد من التماثيل الأصغر التي تمثل حاشية الملك وتشمل زوجته نفرتاري، ووالدة الملك موت-توي، وأبناءه وبناته.

كما أنه في الجزء العلوي من واجهة المعبد 22 من تماثيل قرد البابون في وضع القرفصاء. ويُعتقد أن صرخة البابون ترحب بالشمس المشرقة».

يمتد الجزء الداخلي من المعبد داخل الجبل لمسافة حوالي 210 قدمًا (64 مترًا).

الغرفة الأولى عبارة عن ردهة مكونة من ثمانية أعمدة، أربعة منها على كل جانب، يشير زيكي إلى أنها تعرض صورة رمسيس الثاني في شكل الإله أوزوريس. تضم منطقة الأتريوم -فسحة سماوية في قلب مبنى- صورًا ورسومات هيروغليفية تصف الانتصار المفترض لرمسيس الثاني في معركة قادش، وتضم أيضًا حاليًا مخازن فارغة على جانبيها.

وبالتوغل في العمق هناك ردهة ثانية تضم أربعة أعمدة مزخرفة يقول زيكي إن الملك «يحتضن عددًا من الآلهة كعلامة على اتحاده الروحي وولعه».

وفي الخلف يوجد مقعد تمثال رمسيس الثاني وهو يجلس مع ثلاثة آلهة أخرى هم رع-حورآخي وآمون وبتاح.

وقد لاحظ الباحثون أنه خلال يومين من السنة (22 أكتوبر و 22 فبراير) يغمر جميع هذه التماثيل ضوء الشمس، باستثناء الإله بتاح (المرتبط بالعالم السفلي).

المعبد الصغير

وكما ذكرنا من قبل، فإن المعبد الأصغر في أبو سمبل لديه خارج مدخله أربعة تماثيل للملك واثنين لزوجته نفرتاري.

يبلغ طول كل تمثال حوالي 33 قدمًا (10 أمتار) ويفصل حاجز من نتوء جبلي بين كل تمثالين.

ويشير زيكي إلى أن الواجهة تحتوي أيضًا على تماثيل أصغر للأطفال، والأمر الغريب هو أن تماثيل الأميرات أطول من تماثيل الأمراء وهو ما يشير ربما إلى أن هذا المعبد يمجد نفرتاري ونساء أسرة رمسيس الثاني.

يُعد الجزء الداخلي من هذا المعبد أبسط من المعبد الكبير إذ يحتوي على ست أعمدة تظهر صورًا للإلهة حتحور.

ويشير زيكي إلى أنه على الجدار الخلفي للغرفة تُظهر النقوش نفرتاري وهي تتوج من قِبل الآلهة حتحور وإيزيس.

ترتدي الملكة غطاء الرأس الذي يظهر القرص الشمسي المكسو بالريش بين قرون البقر وهو نفس ما يغطي رؤوس الآلهة.

اكتشاف المعبدين

كانت قد هُجِرت المعابد وغطتها الرمال لاحقًا، واختفى العملاق العظيم تدريجيًا في الصحراء.

يشير حواس أن يوهان لودفيج بوركهارت Johann Ludwig Burckhardt أشار إلى وجود الموقع في عام 1813.

ثم لاحقًا في عام 1817 كشف رجل السيرك القوي المسمى جيوفاني بيلزوني Giovanni Belzoni عن المدخل المدفون للمعبد الكبير.

هذا المدخل، الذي كان محاذيًا بدقة للشمس كي يغمر ضوؤها ثلاثة من التماثيل في يومين من السنة، عاد إلى النور من جديد.


ترجمة: مصطفى العدوي
تدقيق: وائل مكرم
تحرير: كنان مرعي

المصدر