يمتلك (جورج ألدريتش – George Aldrich) العديد من الألقاب، فيدعوه البعض (رئيس الشم والاستنشاق – Chief Sniffer)، ويُدعى أيضًا (Nostrildamus- NASA Nose – Master Sniffer ).

ولكن يفضّل ألدريتش مصطلح (Nasalnaut)؛ وذلك لأنه أمضى عدة عقود في خدمة وكالة ناسا للفضاء بأنفه.

كتب ألدريتش في حديثٍ له على (Reddit AMA) بخصوص مسيرته غير العادية: «لقد كنت أخصائيًا كيميائيًا في وكالة ناسا لمدة 44 عامًا، وتعتمد وظيفتي على إجراء اختباراتٍ سُميّة على عدة أشياء قبل أن تُطلق إلى الفضاء.

وأنا أيضًا متطوعٌ في (لجنة ناسا للروائح – NASA’s odor panel)، حيث نختبر الروائح المختلفة لجميع الأشياء التي يُخطَّط وجودها ضمن المناطق الصالحة للحياة في محطة الفضاء الدولية، بالإضافة إلى التحقق من وجود روائح كريهة أو مزعجة؛ والتي يمكنها القضاء على رواد الفضاء، بل ربما وضع إنتاجية رواد الفضاء والمهمة بأكملها في خطر».

نعم هذا صحيح، هذه وظيفةٌ حقيقية ومنطقية!

وهي أكثر أهمية بكثير مما تظنه، ليس بسبب كثرة التعامل مع الأدخنة السامة فحسب، ولكن هل لك أن تتخيل أنك عالقٌ في محطة فضاء ضيقة ذات رائحة مقززة؟

هذا في الواقع أمرٌ تأخذه ناسا في عين الاعتبار قبل إرسال الأشياء إلى الفضاء، وتسير عملية الفحص على هذا النحو: يستنشق خمسةٌ من المتطوعين في لجنة ناسا للروائح كل مادة، وتُرتَّب من 0 إلى 4، وإذا تجاوزت الرائحة 2،5 تفشل المادة في الاختبار.

وأكمل ألدريتش: «نحن لا نرى الأشياء قبل أن نشمّها، بل تُعرض علينا في حالةٍ أشبه بالعمى؛ وذلك لأنه ليس من المفترض أن يخدعنا الشكل الخارجي للشيء، وحتى بعد أن نستنشق رائحة ما نشمّه، لا يُسمح لنا أن نلقي نظرة عليه لنرى كيف يبدو».

يُفحص المتطوعون في اللجنة من قبل ممرضة قبل الخضوع لاختبار الرائحة، وذلك للتأكد من أنهم ليسوا مرضى أو غير قادرين على الشم بشكل مثاليّ.

يعمل ذلك النظام بشكل جيد، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تمر بعض المواد ذات الرائحة الكريهة في غفلة، وذلك يوضّح أهمية أنوف المتطوعين في لجنة الكشف عن الروائح.

كتب ألدريتش عن إحدى المرات: «اختبرنا أحزمة الفيلكرو من قبل، وكانت رائحتها لا تُحتمل.

لقد اختبروا مكونات الأحزمة بشكلٍ منفصل، وعندما وضعوها معًا، افترضوا أنهم سينجحون في اختبار السُمية والرائحة، ولكن عندما وصلوا إلى الفضاء، فتح أحد رواد الفضاء الفيلكرو وامتلأ المكان بالرائحة الكريهة على الفور، فعلى مقياس من 0- 4 كانت بين 3.6 و 3.8 وهو شيءٌ مرفوضٌ ومثيرٌ للاشمئزاز!».

أُنشِئت لجنة ناسا للروائح بعد 27 يناير 1967، عندما انفجرت أول محاكاة إطلاق لبعثة أبولو زحل في حادثٍ مدمر، واجتاحت النيران النموذج الأوليّ للمركبة الفضائية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة رواد فضاء.

هزت تلك المأساة الأمة بأكملها، ومن أجل منع حدوثها مرة أخرى، رجعت ناسا إلى لوحة الرسم والتصميم.

كجزءٍ من إعادة التصميم، قررت وكالة الفضاء القيام ببعض الاختبارات الدقيقة للمواد، الاختبار رقم واحد كان القابلية للاشتعال، أما الاختبار رقم ستة كان الكشف عن الرائحة!

يُطبّق الآن هذا الاختبار على المواد الجديدة التي يُخطَّط إرسالها إلى الفضاء، والتي تشمل بدلات السير في الفضاء وبدلات EV لرواد الفضاء.

ومع أن الأنوف قد تبدو واحدة، إلا أن أنف ألدريتش مميزٌ في عمله، يرجع ذلك إلى خبرته في ما يفوق 800 عملية كشف رائحة أجراها في وكالة الفضاء على مدار مسيرته المهنية، حتى إنه قد حصل على جائزة Silver Snoopy Sniffer من وكالة الفضاء لخدمته المتفانية، تلك الجائزة التي صمّمها رواد الفضاء كشهادةٍ للتفوق في مجال السلامة، وقد حصلت الجائزة على علامة الموافقة من مُنشئ Snoopy الأصلي.

كتب ألدريتش في AMA: «بينما كان (تشارلز شولز – Charles Schulz) لا يزال على قيد الحياة، أرادت ناسا شخصًا مثل (سموكي بير – Smoky Bear)، رمزًا للسلامة والتميز».

كانت لتشارلز شولز مكانةٌ كبيرة في الفضاء؛ لذا سألوا عما إذا كان بإمكانهم استخدام Snoopy كرمزٍ لهم، وقال: «بالتأكيد سأكون سعيدًا بذلك»، فصمموا الرمز بخوذة فضائية صغيرة وأسطوانة أكسجين صغيرة.

وعلى الرغم من أنف ألدريتش المبهر بالفعل، إلا أنه لم يتّجه لهذا العمل بسبب حاسة شمٍّ خارقة، فهو يقول إنه وجد نفسه في هذه الوظيفة بمحض صدفة.

كان ألدريتش قد تخرج للتو من المدرسة الثانوية، ورغم ذلك، كان واحدًا من 5 أو 6 أشخاص حصلوا على وظيفة «الاستنشاق» في إدارة مكافحة الحرائق المحلية.

وهناك التقى برئيس الإطفاء، وهو واحدٌ من الأشخاص القلائل الذين وصلوا إلى 600 شمة في حياتهم المهنية (وهو إنجاز بارز في ذلك المجال) وكان الرئيس هو الذي حث ألدريتش على التقدّم لبرنامج ناسا.

شرح ألدريتش كيف حدث ذلك على (ريديت – Reddit): قال لي رئيس الإطفاء: «جورج، أنت بعمر 18 وما زلت شابًا، لمَ لا تشترك في تلك اللجنة الخاصة بالروائح في وكالة الفضاء؟ لقد بدأت العمل بها عام 1974، وأنا أقول لك لن تحتاج إلى العمل في معامل كبيرة من أجل أن تكون عضوًا بتلك اللجنة»، ولكنني عندما علمت أنهم يبحثون عن وظيفة لتقنيّ في معمل الكيمياء، قلت لهم إنني قد درست كيمياء في مدرستي الثانوية لسنتين بالإضافة إلى أربع سنوات في مجال الرياضيات.

أخبروني أنني تأهّلت للوظيفة وسيدربونني عليها أيضًا، ثم في 1978 بدأت العمل في مستوى C ثم تأهلت إلى B ومن ثم A، أما الآن فأنا في أعلى مستوى: مختص.

وعلى الرغم من كونه مختصًا، إلا أن هناك شيئًا واحدًا ذا رائحة كريهة ولا يكترث ألدريتش أن يشمّه، فقد كتب من قبل: «للبشر رائحة كريهة، ولسوء الحظ لا نستطيع فعل أي شيء حيال ذلك.

يمرّ البشر بمراحل عدة، فهناك انتفاخ البطن، وتتبعه الحاجة إلى أداء حاجاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى انتشار رائحة كريهة جدًا، وعلى الرغم من أنهم يحاولون إبقاء أجسامهم نظيفة باستخدام مضادات البكتيريا، إلا أن انعدام الجاذبية يمنعهم من الاستحمام، للبشر رائحةٌ نتنة، ولا نستطيع فعل أي شيء حيال ذلك!».


  • ترجمة: علي كريمة
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر