من الغريب أن تجد سلعةً ما لا يزيد سعرها مع الوقت، والأغرب أن يَـقـلَ سعر السلعة مع الوقت،والأغرب من كل ذلك أن يَـقـلَ سعر سلعة حتى تُباع بقيمةٍ سالبة، حيث يَضطرُ البائع أن يُعطي المُشتري مالًا فوقَ السلعة لِحثِّـه على شرائها. وحينما تكون هذه السلعة هي الطاقة،فالسلعة التي يعتمدُ عليها اقتصاد الدول والتي تقوم بسببها حروبٌ ونزاعاتٌإقليمية، يجب إذًا أن نتوقفَ لنتعرف على السبب.
الحدث الذي لفتَ انتباه الكثيرين مؤخرًا حدثَ في ألمانيا. في يوم الأحد الثامن من أيار الماضي، كانت مصادر الطاقة المُتجدِّدة على موعدٍ مع يومٍ سعيدٍ بمجملِإنتاجٍ من محطات الطاقة الشمسيَّة والرِّياح والطَّاقة الحيويَّة بَلغَ 55 غيغا واط من مُحصلة استهلاك 63 غيغا واط،أي ما يُعادل 87%. فالارتفاع المُفاجئ في إنتاج محطات الطَّاقة المُتجدِّدة أدَّى إلى هبوط سعر الطَّاقة إلى قيمة سالبة لعدة ساعات تلقى خلالها مُستهلكو الطَّاقة التجاريون مالًا ليستهلكوا الطَّاقة المُنتَجة الفائضة.

الحقيقةُ أنَّ هذه لم تكن المرَّة الأولى في ألمانيا التي يحدثُ فيها ذلك،فإمكانية بيع الكهرباء بقيمةٍ سالبة قد أُتيحت بالفعل منذ عام 2007 في بورصة الكهرباء الألمانية وعام 2008 في البورصة الألمانية- النمساوية ولَحِقَتْ بها كذلك بورصة الكهرباء في فرنسا وسويسرا. وقد تم تسجيل الظاهرة بكثافة منذ عام 2012 حين حدثتفي ألمانيا لمدة 56 ساعة خلال 15 يوم، وكذلك ووفقًا لتقرير هيئة (أجورا- Agora)الألمانية لعام 2014 فإنَّ ظاهرة الأسعار السلبيَّة للكهرباء بدأت مُلاحظتها فِعليًا لمدة 97 ساعة خلال الفترة من كانون الأول 2013 وحتى كانون الأول 2014 بمتوسطِ سعرٍ وصلَإلى 41 يورو لكل ميغاواط/بالساعة وكذلك في فترات مُتكرِّرة خلال الشهور الأولى من عام 2014.

لم تشعرْألمانيا وحدها فقط بهذه الظاهرة، ففي نفس اليوم بالتحديد هبطت أسعار الكهرباء في إنجلترا لمعدلاتٍ سلبيَّة وصلتْإلى 30 جنيه إسترليني لكل ميغاواط/بالساعة، ونفسُ الظاهرة تكرَّرتْكذلك في العام الماضي، وخارج أوروبا شَهِدَتْ ولايات تكساس وكاليفورنيا هبوطًا في أسعار الكهرباء لمعدلاتٍ سلبيَّة، وكذلك قد سُجِلَ في تشيلي هبوطًا مُتكرِّرًا لأسعار بورصة الكهرباء إلى الصفر نتيجةً لارتفاع إنتاج محطات الطَّاقة الشمسيَّة في البلاد.

أين تحدث ظاهرة أسعار الطاقة السلبية؟
الطاقة السلبية 1
يرتبطُ حدوثُ هذه الظاهرة بوجود سوق جُملة للطَّاقة،ففي مثل هذا السوق يطرحُ مُنتجو الطَّاقة الكهرباء التي يُنتجوها في بورصةٍ تَتغيَّر فيها الأسعار باستمرار وفقًا للعرض والطلب،فيعرِضُ كُلًا من مُوزعو الكهرباء والمُستهلكون الكِبار بالإضافة إلى بعض التُجَّار والوسطاء الماليون شِراءَ سِعات الكهرباء المعروضة ثم يعيدون بيعها إلى المُستهلك النهائي لاحقًا.
كما ترتبطُ الظاهرة بوجودِ مصادر الطَّاقة المُتجدِّدة بكثافة في شبكة التغذيَّة العامة بالإضافة إلى اعتماد الشبكة على محطات الطَّاقة التقليديَّة أو/ والنوويَّة.

كيف تحدث إذًا الظاهرة؟
الطاقة السلبية 2
تهبطُ أسعار الكهرباء في بورصة سوق الجُملة إلى معدلاتٍ سلبيَّة حين تصطدم معدلاتٌغير مرنة لإنتاج الكهرباء مع الطلب على الكهرباء فيَـقِــلُبالنسبة للمعروض. وفي الحالة الطبيعيَّة، وحين تبدأ معدلات العرض في الارتفاع «أوالطلب في الانخفاض»تُعطي أسعار الكهرباء المُنخفضة إشارةً لمُنتجي الكهرباء لتخفيض إنتاجهم حتى يتزن العرض مع الطلب وتعتدل معدلاتُ الأسعار مرَّةً أخرى. لكن مع ارتفاع نسبة الطلب الذي تُغطيه مصادر الطَّاقة المُتجدِّدة في شبكةٍ ما، تظهر فُرصُ حُدوثِ طفراتٍ غير مُتوقعة في سِعةِإنتاج هذه المحطات ليرتفعَ المعروض وتنخفضَ الأسعار بسرعةٍ لا يستطيع مُنتجو الطَّاقة التعامُلَ معها. حينها ترتفعُ تَكلِفةُإيقاف إنتاج الطَّاقة عن تَكلِفةِ بيعها مجانًا أو حتى بيعها بأسعارٍ سلبيَّة. فيضطرُ منتجو الطَّاقة للسماح لأسعار الكهرباء للوصول إلى معدلاتٍ سلبيَّة حتى يتجنبوا الخيارين الأصعب بإيقافٍ مُكلِّفٍ للمحطات أو تحميلِ الشبكة بسِعةٍ زائدة.

هل هناك وسيلة للحد من هذه الظاهرة؟

الطاقة السلبية 3
يتجهُ كثيرٌ من منتجي الطاقة بالتأكيد إلى تطويرِ حلولٍ تكنولوجيَّةٍتستطيع إعطاء عملية الإنتاج مُرونة أعلى في التعاطي مع إشارات تخفيض أو رفع الإنتاجيَّة، وكذلك لإجراءِ دراساتٍ أكثرَ دِقة لتوقُعات العرض والطلب على الطاقة حتى يكونوا على استعدادٍ أفضل للتجاوب المُسبَق مع الانخفاضات الاستثنائيَّة في الطلب أو الارتفاعات الاستثنائيَّة في إنتاج المصادر المُتجدِّدة.
وبالإضافة إلى ذلك، تعتمدُ كثيرٌ من الدول حاليًا سياسات التجارة عبرَ الحدود في الطَّاقة وخاصةً بلادٌ مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا وسويسرا وذلك بامتلاكِ بورصةٍ مُشتركةٍ للكهرباء وبذلك يُمكن نقلُ الكهرباء الفائضة عبرَ الحدود إذا ما فاضتْإحدى الشبكات المحليَّة بالطَّاقة المُنتَجة.

هل معنى ذلك أنَّ مُستهلكي الكهرباء في دولةٍ مثلُ ألمانيا يتلقون مالًا نظير استهلاكهم للكهرباء أو مُقابل رفعِ ساعاتِ استخدامهم للأجهزة الكهربائيَّة؟
هذا ليس ما يحدث، حيثُ يعتمدُ مُنتجو الطاقة في الأغلب على المُستهلكين التجاريين، كالمصانع التي تمتلكُأفرانًا أو ثلَّاجاتٍ تستهلكُ كمياتٍ ضخمة من الكهرباء،فمثلُ هؤلاء المُستهلكين يكونُ لديهم إمكانيَّةٌ عمليَّة لرفع استهلاكهم للطَّاقة عند الطلب بمعدلاتٍ ضخمة تستطيعُ استيعاب الكميات الفائضة من المُنتجين، أمَّاالمُستهلكين في البيوت فتختلفُ طريقة تسعير الكهرباء لهم من الشركات المُوزِعة تمامًا كما لا يُنظر إليهم كمُستهلكٍ ضخمٍ مَرن يستطيعُ أن يستجيب لطلباتِ استهلاكٍ ضخمة في وقتٍ قصير.

سؤال المقال: هل تعتقدُ أنَّ الأسعار السلبيَّة للطَّاقة في صالح محطات الطَّاقة المُتجدِّدة أم ضِدها؟

إعداد: أحمد الفقي
تدقيق: هبة فارس
المصدر