خلط أوراق اللعب هو أحد أكثر الأشياء العشوائية على الإطلاق، على الأقل من الناحية النظرية، لكننا قد نرى عمليًا تشابهات عند توزيعها بعد الخلط ما يجعلنا نشك في العملية، فما السر للحصول على توزيع عشوائي ومناسب؟
إن عدد التباديل المختلفة المحتملة لمجموعة معيارية من 52 بطاقة هائل جدًا، وقد يستغرق ثوانٍ أكثر مما انقضى منذ الانفجار الكبير حتى مع الاستعانة بحاسوب عملاق. ولكن بوسعنا تخيل إجابات عن أفضل تقنية باستخدام الرياضيات، كما هو الحال مع الكثير من الأشياء في الحياة.
آلية خلط الأوراق
من المعروف وجود أكثر من طريقة لخلط الأوراق، فمنها خلط الأوراق من الأعلى الذي تُنقل فيه المجموعة تدريجيًا من اليد اليمنى إلى اليسرى بتحريك حزم صغيرة من أعلى المجموعة بالإبهام.
قد تكون هذه الطريقة من أسهل طرق الخلط، ولكن من حيث العشوائية الأشياء يمكن تحسينها أكثر. وفي عام 2006، نشر يوهان جوناسون بحثًا عنها بوصفه أستاذ التحليل ونظرية الاحتمالات في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد.
ووفقًا لجوناسون، تحتاج هذه الطريقة إلى تكرارات من رتبة n^(2 ) log(n) لتحقيق خلط صحيح، أي بحسب العدد n من البطاقات المخلوطة سيستغرق الأمر أكثر من مربع العدد من التكرارات، وبالنسبة للمجموعة القياسية يصل هذا إلى الآلاف.
وفي 2023 قال جيسون فولمان بوصفه أستاذ الرياضيات في جامعة جنوب كاليفورنيا دورنسيف: «إنها طريقة سيئة جدًا، فقد نحتاج حتى إلى 10000 أو 11000».
الأفضل إلى حد ما لخلط الأوراق هو التموج، فتُقسم المجموعة إلى نصفين تقريبًا، ثم تُترك الكومتان فتسقط بطاقة تلو الأخرى وتُدمجان، وتضفي هذه الطريقة متعة بصرية إلى جانب كفاءتها، فهي تحتاج إلى تكرارات من رتبة 3/2 〖log〗_2 (n).
هذا أسرع بكثير من الطريقة الأولى وإن كان أكثر مما نفعله عادةً، والفضل في ذلك لظاهرة القطع التي تصل إلى العشوائية فجأة بحسب وصف عالمي الرياضيات ديف باير وبرسي دياكونيس في بداية التسعينيات، إذ قال دياكونيس حينا لصحيفة نيويورك تايمز: «معظم الناس يخلطون 3 إلى 4 مرات ويُعد 5 إفراطًا».
يقول فولمان: «نحتاج عمومًا إلى سبعة تقريبًا … ولتفسير ذلك نقيس الأمر بأقصى عدد من البطاقات يمكن لأحد تخمينه بطريقة صحيحة، ففي الأوراق المخلوطة بطريقة مثالية لن يتجاوز العدد أربع بطاقات ونصف، خلطت الأوراق بطريقة التموج مرة واحدة يسمح بتخمين أكثر من 30 بطاقة، أما مرتين فينخفض إلى نحو 19 بطاقة، ثم 13 بالخلط ثلاث مرات».
ولكن قد يبدو أن هذا العدد يتناقص ببطء، وهذا صحيح عمليًا عندما يصبح n كبيرًا بما يكفي ويقترب تكرار الخلط من الرتبة الموصوفة لكن الأوراق ما زالت ليست مخلوطة كما يجب، وهذا ما أشار إليه العالمان تريفيثين عام 1999، ما يعني عمليًا أن الخلط الصحيح الذي يجعل الأوراق أقرب إلى العشوائية من الترتيب المثالي سيحتاج إلى سبع مرات على الأقل لتنخفض المسافة إلى العشوائية إلى أقل من 1/2، وهي بالتعريف كمية رياضية حددها دياكونيس وباير لوصف جودة الخلط للاقتراب من ترتيب عشوائي.
ويجب التحذير هنا من التخليط المثالي جدًا، إذ يمكن للخلط المثالي أن يكون سيئًا كما عدم الخلط على الإطلاق، فمن المثبت أن الخلط المثالي ثمان مرات سيعيدنا لنقطة البداية مع إن الأمر غير بدهي.
ما مدى العشوائية التي تُعد عشوائية للغاية؟
كنا نفترض أن العشوائية الزائدة هي أفضل بطريقة ما وهذا صحيح غالبًا، فعند لعب الورق عادةً نريد أن يكون ترتيبها غير متوقع وهذا جزء من الهدف الكامل من اللعبة. لكن يبدو أن الخلط الجيد للغاية يعطي تأثيرًا معاكسًا.
اعتدنا اليوم على فكرة ألعاب الورق على الحاسوب هذه الأيام، ولكن في بداية تدخل التكنلوجيا في هذا المجال في السبعينيات، كان الناس غاضبين لا بسبب كسر التقاليد، بل لأنهم اعتقدوا أن الحواسيب تستخدم طريقة خاطئة.
فكلما زادت العشوائية التي قدمتها الخوارزميات في لعبة بريدج، زادت معها حيرة اللاعبين، وبحسب نيويورك تايمز عام 1990، اعتاد اللاعبون على التنبؤ الحدسي التقريبي بالأوراق التي يحملها الخصم، ما سبب لهم حيرة كبيرة عند حدوث هذا التغيير المفاجئ.
وفي نفس الوقت تقريبًا، حدث رد فعل مشابه تجاه موسوعة بريدج، إذ أوضح دياكونيس أن الناشرين استخدموا حاسوبًا لمعرفة الاحتمالات: فمثلًا إذا وُجد بين خصومي سبع بطاقات من نوع القلب، فما احتمال أن يكون لدى أحدهما أربع والآخر ثلاث؟
هذا بالضبط نوع الحسابات التي نوليها للحاسوب اليوم بكل تأكيد، ولكن في ذلك الوقت أثار الأمر ضجة. قال دياكونيس: «كانت بعض الاحتمالات متباينة مع اللعب الاحترافي، وقد استنتج الخبراء الطرق الفعلية لخلط الأوراق، واعتقد الناس أن الموسوعة على خطأ».
ما الدرس إذن؟ إذا أردت خلطًا عشوائيًا، فاختر طريقة التموج وكرر ذلك سبع مرات. لكن توقف بعد ذلك وإلا ستعود إلى نقطة البداية.
اقرأ أيضًا:
كيف تعلم الكومبيوتر الخداع في البوكر؟
ترجمة: ماسه فؤاد كريم
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: لبنى حمزة