إن فهم الكيفية التي وقعت بها العمليات الاحتيالية للمستثمرين في الماضي يساعد المستثمرين المعاصرين على تجنب هذه الكوارث في المستقبل. إليكم بعض الحالات الأكثر أهميةً على الإطلاق للشركات التي احتالت على مستثمريها، بعض هذه الحالات مثيرة للدهشة حقًا، لذلك حاول أن تنظر إليهم من منظور المستثمرين في تلك الشركات، فمن المؤسف أن المستثمرين في ذلك الوقت لم يمتلكوا أي وسيلة لمعرفة ما يحدث حقًا في أثناء خداعهم في الاستثمار.

ZZZZ Best (1986)

ادعى باري مينكو، صاحب هذه الشركة، أن شركته لتنظيف السجاد في الثمانينيات ستصبح «جنرال موتورز لتنظيف السجاد»، بدا الأمر كأن مينكو بنى شركته بمليارات الدولارات، لكنه شيّدها بالتزوير والسرقة، إذ أنشأ أكثر من 20 ألف وثيقة وهمية وإيصالات مبيعات من دون أن يشك أحد في أي شيء.

مع أن عمله كان احتيالًا كاملًا صمّمه لخداع مراجعي الحسابات والمستثمرين، فإن مينكو صرف أكثر من 4 ملايين دولار لاستئجار مبنى مكتبي في سان دييغو وترميمه. في ديسمبر 1986 أُعلن وصول هذه الشركة إلى قيمة سوقية تتجاوز 200 مليون دولار، والغريب أن مينكو كان مراهقًا وقتها، وحُكم عليه بالسجن 25 عامًا في نهاية المطاف.

أكبر عمليات الاحتيال في سوق الأسهم في العصر الحديث - العمليات الاحتيالية للمستثمرين - مراجعي الحسابات والمستثمرين - ثقة المستثمرين

Centennial Technologies (1996)

في ديسمبر 1996، سجل إيمانويل بينز -الرئيس التنفيذي لشركة Centennial Technologies- وإدارته أن الشركة حققت مليوني دولار من عائدات بيع بطاقات الذاكرة للحواسيب. لكن في الواقع كانت الشركة تشحن سلال الفاكهة لعملائها، ثم أنشأ الموظفون وثائق مزورةً دليلًا على أنهم كانوا يسجّلون المبيعات، وهكذا ارتفعت أسهم الشركة بنسبة 451%، حتى بلغ سعر السهم 50.55 دولارًا للسهم الواحد في بورصة نيويورك للأوراق المالية.

وفقًا للجنة الأوراق المالية والبورصة، بلغت إيرادات الشركة نحو 40 مليون دولار بين أبريل 1994 وديسمبر 1996، ومن المدهش أن الشركة سجلت أرباحًا بلغت 12 مليون دولار رغم خسارتها ما يقارب 28 مليون دولار في الواقع، فانخفضت قيمة الأسهم إلى أقل من 3 دولارات للسهم الواحد، وخسر أكثر من 20 ألف مستثمر كل استثماراتهم تقريبًا في شركة كانت تُعد ذات يوم دارجةً في وول ستريت.

Bre-X Minerals (1997)

تورطت هذه الشركة الكندية في أحد أكبر احتيالات الأسهم في التاريخ، إذ امتلكت الشركة مناجم الذهب الإندونيسية، وتضمنت أكثر من 200 مليون أونصة، وبذلك صُنِّفَت أغنى مناجم الذهب على الإطلاق. ارتفع سعر سهم الشركة إلى 280 دولارًا فأصبح المستثمرون العاديون من أصحاب الملايين بين عشية وضحاها، وفي ذروة ربحها بلغت قيمتها السوقية 4.4 مليار دولار.

انتهت القصة في 19 مارس 1997 عندما تبين أن منجم الذهب كان احتيالًا، وهبط المخزون إلى بنسات بعد فترة قصيرة، فخسر صندوق المعاشات التقاعدية للقطاع العام في كيبيك 70 مليون دولار، وخسر مجلس خطة تقاعد معلمي أونتاريو 100 مليون دولار، وخسر مجلس تقاعد موظفي بلدية أونتاريو 45 مليون دولار.

إنرون (2001)

قبل هذا الإخفاق كانت شركة إنرون تعمل في مجال تجارة الطاقة، واتخذت من هيوستن مقرًا لها، وكانت سابع أكبر شركة في الولايات المتحدة، وبواسطة بعض الممارسات المحاسبية المعقدة التي تورطت فيها بعض الشركات الوهمية، تمكنت شركة إنرون من الاحتفاظ بقيمة تعادل مئات الملايين من الديون على دفاترها، دفع ذلك المستثمرين والمحللين إلى الاعتقاد بأن هذه الشركة كانت أكثر استقرارًا مما كانت عليه في الواقع.

إضافةً إلى ذلك، سجلت الشركات الوهمية -التي كانت تحت إدارة مديري شركة إنرون التنفيذيين- إيرادات وهمية، بواسطة تسجيل كل دولار من الإيرادات عدة مرات، وبهذا أظهرت الأرقام أرباحًا لا تُصدق.

في النهاية انهارت هذه الشبكة المعقدة، وانهارت أسعار الأسهم من أكثر من 90 دولارًا إلى أقل من 30 سنتًا للسهم الواحد. بسقوط شركة إنرون، انهارت شركة تدقيق حساباتها آرثر أندرسن، وانتهى الأمر بديفيد دونكان كبير مدققي الحسابات في شركة إنرون بتمزيق آلاف الوثائق.

وورلد كوم (2002)

بعد وقت قصير من انهيار شركة إنرون، هزت فضيحة محاسبية أخرى قيمتها مليار دولار سوق الأسهم، فقد تعرضت شركة الاتصالات العملاقة وورلد كوم لتدقيق شديد بعد حادثة أخرى من غش السجلات، إذ سجلت وورلد كوم نفقات التشغيل بوصفها استثمارات. يبدو أنهم اعتقدوا أن أقلام الحبر وأقلام الرصاص وورق المكاتب تشكل استثمارًا في مستقبل الشركة، فموّلت تكلفة هذه الأصناف على مدى عدة سنوات.

الصواب أن نفقات التشغيل العادية تُسجل بوصفها مصروفات للسنة المالية التي صُرفت فيها، لكنها في حالتنا كانت تُعامل بوصفها استثمارات، وسُجلت كذلك على مدار عدة سنوات. بالغت هذه الخدعة المحاسبية الصغيرة في تقدير أرباح العام الذي أُنفقت فيه تلك النفقات، ففي عام 2001 سجلت شركة وورلد كوم أرباحًا تتجاوز 1.3 مليار دولار إلى جانب انخفاض أرباح أعمالها باستمرار.

من المتضرر الأكبر في هذه القصة؟ الموظفون! إذ فقد عشرات الآلاف منهم وظائفهم، أما المستثمرون فاضطروا إلى مراقبة السقوط المُخزي لسعر أسهم شركة وورلد كوم، إذ هبط من 60 دولارًا إلى أقل من دولار واحد.

تايكو الدولية (2002)

مع اهتزاز ثقة المستثمرين بعد فضيحة وورلد كوم، عمل المسؤولون التنفيذيون في شركة تايكو على ضمان أن يكون عام 2002 عامًا لا يُنسى للأسهم، فقبل الفضيحة كان الاستثمار في شركة تايكو يُعد استثمارا آمنًا إذ كانت تعمل في تصنيع الرقاقات الزرقاء وبعض المكونات الإلكترونية، إضافةً إلى خدمات الرعاية الصحية ومعدات السلامة. اختلس دنيس كوزلوفسكي -أحد أكبر 25 مديرًا تنفيذيًا لشركة بزنس ويك- خلال رئاسته للشركة أموالًا هائلة من تايكو في هيئة قروض غير معتمدة ومبيعات أسهم مزورة.

بالتعاون مع مارك شوارتز المدير المالي، ومارك بيلنيك المدير القانوني، حصل كوزلوفسكي على 170 مليون دولار قروضًا بفائدة منخفضة للغاية من دون موافقة المساهمين، إذ رتب كوزلوفسكي وبيلنيك بيع 5.7 ملايين سهم من أسهم تايكو غير المُصرح بها مقابل 430 مليون دولار، ثم هرّبوا هذه الأموال إلى خارج الشركة، وأخفوها في هيئة مكافآت أو مزايا تنفيذية، وفي أوائل 2002 بدأت الفضيحة في الظهور وانخفضت أسعار أسهم تايكو بنحو 80% في غضون ستة أسابيع، وفي المحاكمة نجا المسؤولون التنفيذيون من أول جلسة استماع بسبب خطأ في الإجراءات، لكنهم في نهاية المطاف أُدينوا وحكم عليهم بالسجن 25 عامًا.

هيلث ساوث (2003)

قد تكون المحاسبة الخاصة بالشركات الكبرى مهمةً صعبةً، خاصةً عندما يرغب المسؤولون التنفيذيون في تزوير تقارير الأرباح، ففي أواخر التسعينيات بدأ الرئيس التنفيذي ومؤسس الشركة ريتشارد سكروشي في توجيه الموظفين إلى تضخيم العائدات والإفراط في الدخل الصافي لشركته هيلث ساوث، آنذاك كانت الشركة إحدى أكبر الشركات الأمريكية في مجال الرعاية الصحية، وتشهد نموًا سريعًا واقتناء عدد من الشركات الأخرى المرتبطة بالرعاية الصحية.

بدأت المشكلات بالظهور أواخر 2002 عندما أفادت التقارير أن سكروشي باع أسهم شركة هيلث ساوث بقيمة 75 مليون دولار قبل إعلان خسائر الأرباح، وخلصت شركة قانونية مستقلة إلى أن البيع لم يرتبط مباشرةً بالخسارة، وكان على المستثمرين أن يستجيبوا إلى التحذير.

ظهرت الفضيحة في مارس 2003، عندما أعلن مجلس الأوراق المالية والبورصة أن هيلث ساوث بالغت في الإيرادات بمقدار 2.7 مليارات دولار، وظهرت المعلومات إلى العلن، عندما ظهر تسجيل لمكتب التحقيقات الفدرالي يناقش فيه سكروشي الاحتيال مع المدير المالي ويليام أوينز، وكانت التداعيات سريعةً إذ انخفضت الأسهم بنسبة 97% إلى ما يقارب 11 سنتًا في يوم واحد، ومن المدهش أن الرئيس التنفيذي بُرِّئَ من 36 تهمة احتيال، لكنه أُدين فيما بعد بتهمة الرشوة، إذ رتب سكروشي تبرعات سياسية قدرها 500 ألف دولار، ما سمح له بالحصول على مقعد في الهيئة التنظيمية للمستشفى.

برنارد مادوف (2008)

أُلقي القبض على الرئيس السابق لشركة ناسداك ومؤسس شركة صناعة الأسواق برنارد مادوف للاستثمار في 11 ديسمبر 2008، إذ كان يدير مخطط بونزي، أبقى الرجل البالغ من العمر 70 عامًا خسائر الشركة خفيّةً من طريق جمع الأموال من المستثمرين ودفعها للمستثمرين السابقين، وبهذا سجلت الأسهم باستمرار مكاسب بلغت 11% سنويًا مدة 15 عامًا، حافظت هذه الاستراتيجية على ثبات العائدات، لكن حرم هذا المخطط المستثمرين من نحو 50 مليار دولار!

خاتمة

أسوأ ما في تلك العمليات الاحتيالية أن المستثمرين كانوا عصاميين وخسروا الكثير من أموالهم، وقد يقضي المدانون بالتزوير عدة سنوات في السجن، ما يكلف المستثمرين ودافعي الضرائب مزيدًا من الأموال. يعمل مجلس الأوراق المالية والبورصة على منع هذه العمليات الاحتيالية ، ولكن مع وجود آلاف الشركات العامة، يكاد يستحيل ضمان عدم وقوع الكارثة مرة أخرى.

ما العبرة من تلك القصص؟

استثمر لكن بحذر، واحرص على التنوع، فإن امتلاك حافظة أسهم متنوعة يضمن عدم تأثير مثل هذه الأحداث في أرباحك، فتتحول هذه الحوادث إلى مجرد مطبات سريعة في مسارك نحو الاستقلال المادي.

اقرأ أيضًا:

ما هو الرهن العقاري؟

ما الفرق بين بطاقة الائتمان وبطاقة الخصم المباشر؟

ترجمة: عمرو سيف

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر