تُعد حوادث الطيران التجاري نادرة جدًا وفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي،فأكثر من 30 مليون رحلة لشركات النقل الجوي العالمية تقلع وتهبط سنويًا دون مشكلة، في حين حصلت خمسة حوادث مميتة فقط أودت بحياة الركاب والطاقم عام 2022. سنستعرض ثمان رحلات تعد من أكثر الألغاز غموضًا التي لم تُحل في تاريخ الطيران التجاري.

غالبًا ما يستطيع محققو السلامة الجوية تحديد أسباب تحطم الطائرات، لكن مهمتهم قد تصبح أصعب بعد حدوث الكارثة بعيدًا عن الشاطئ، وأحيانًا عند فشل بعض الرحلات في الوصول إلى وجهتها النهائية دون أية رسائل لاسلكية أو حطام أو ناجين أو بقع نفطية لتقديم أدلة تشير إلى مصيرهم النهائي، وقد يبدو الأمر كما لو أن هذه الرحلات قد اختفت في الهواء.

1) رحلة الخطوط المصرية للطيران رقم 804 في 19 مايو 2016

ما يزال السبب الذي أدى إلى سقوط طائرة إيرباص 320 التي كانت تقل على متنها 66 شخصًا من مدينة باريس إلى مدينة القاهرة غامضًا، وذلك حتى مع استرجاع البيانات الرقمية للرحلة والتسجيلات الصوتية في قمرة القيادة من حطام الطائرة التي غرقت في مياه البحر المتوسط، ففي الشهور الأولى للتحقيق أشارت وزارة الطيران المصرية إلى عمل إرهابي نُفذ باستخدام قنبلة، وكان السبب الأكثر ترجيحًا بسبب اكتشاف آثار متفجرات على رفات الضحايا. لكن مكتب حوادث الطيران المدني الفرنسي أفاد عام 2018 أن السبب المرجح في سقوط الطائرة كان حريقًا سريع الانتشار حدث على متنها.

قبل لحظات من اختفاء أثر الطائرة من جهاز الرادار، تلقى مراقبو الحركة الجوية رسائلًا من نظام الإبلاغ على متن الطائرة تفيد باكتشاف دخان وأثبتت أجهزة التسجيل وجود الدخان، وقالت السلطات الفرنسية إن الطائرة انعطفت على نحو حاد باتجاه اليسار ثم تبعه انعطاف 360 درجة إلى اليمين قبل اختفاء أثرها من أجهزة الرادار، قد يكون هذا مسارًا غريبًا لو انفجرت قنبلة لكن المحققين قالوا إن المسار يشير إلى هبوط سريع للتخلص من الدخان، في حين رجّح تحقيق فرنسي لاحق أن سبب تحطم الطائرة طيار يدخن سيجارة في قمرة القيادة وتفاقم ذلك بسبب تسرب في قناع الأكسجين.

2) رحلة الخطوط الجوية الماليزية MH370 في 8 مارس 2014

كانت طائرة بوينغ 777 تقل 239 شخصًا في طريقها من كوالالمبور إلى بكين، ثم اختفت دون أثر ما لفت انتباه العالم ﻷنها ما زالت تثير إرباك المحققين، فبعد الاتصال الأخير للطائرة فوق بحر الصين الجنوبي بعد 38 دقيقة من إقلاعها، أظهر الرادار العسكري أنها انحرفت عن مسارها على نحو كبير وحلقت غربًا نحو المحيط الهندي قبل فقدان الإشارة، ويعتقد بعض خبراء الطيران أن الطائرة قد حلّقت لساعات عدة قبل نفاد الوقود فوق جنوب المحيط الهندي. وكانت عملية البحث عن الأكبر والأكثر تكلفًة، فقد تضمنت 334 رحلة بحث ومسح ما يفوق 100 ألف كيلومتر مربع في أعماق المحيط، دون الكشف عن أي حطام وأية إجابات لما حدث للطائرة.

عُثر على 20 قطعة من حطام طائرة يُعتقد أنها تعود للرحلة MH370، في كل من جزر مدغشقر وموريشيوس ورينيون ورودريغيز وعلى طول الساحل الأفريقي وصولًا إلى تنزانيا، ولم يقدم تقرير الحكومة الماليزية عام 2018 أي جواب فيما يتعلق بمصير الرحلة، ومع استبعاد احتمالية حدوث عطل ميكانيكي أو تقني، يبدو أن الانحراف اليدوي للطائرة عن مسار وجهتها وإيقاف جهاز الإرسال والاستقبال في الطائرة يشير بقوة إلى تدخل غير مشروع، ما يرجح عملية اختطاف للطائرة.

3) رحلة فلاينج تايغر لاين 739 في 16 مارس 1962

في الأيام الأولى من حرب فيتنام استؤجرت طائرة من شركة فلاينج تايغر لاين، وكانت لوكهيد إل-1049 سوبر كونستليشن في مهمة سرية بدل طائرة عسكرية، حملت 93 جندي أمريكي و 3 أفراد من الجيش الفيتنامي الجنوبي و 11 شخصًا من الطاقم، وانطلقت من قاعدة ترافيس للقوات الجوية في كاليفورنيا باتجاه سايغون، وبعد التوقف للتزود بالوقود في غوام، لم تصل إلى محطتها التالية قاعدة كلارك الجوية في الفلبين، وقد كانت الظروف الجوية مثالية ولم تصل أي رسالة استغاثة من الطائرة.

أدى اختفاء الطائرة إلى أكبر عملية بحث جوية وبرية في زمن السلم في المحيط الهادئ منذ اختفاء أميليا إيرهارت عام 1937، إذ جابت مجموعة البحث المكونة من 1300 شخص نحو 373 ألف كيلومتر مربع دون العثور على أي أثر. وقد أفاد طاقم إيطالي على متن ناقلة نفط ضخمة عن رؤية انفجار شديد الإضاءة في السماء وسقوط جسمين ملتهبين في المحيط حول موقع اختفاء الطائرة.

عُدت الحادثة عملًا تخريبيًا مفتعلًا نتيجة تحطم طائرة فلاينج تايغر أخرى في ألاسكا قبل ساعات فقط، ما أسفر عن مقتل أحد الأشخاص السبعة الذين كانوا على متنها، لكن مجلس الطيران المدني لم يتمكن في النهاية من تحديد سبب السقوط المحتمل بسبب عدم وجود أي دليل باق يمكن استرداده من الطائرة.

4) خطوط بان أميركان الرحلة 7 في 9 نوفمبر 1957

أقلعت طائرة بوينغ 377 ستراتوكروزر من سان فرانسيسكو إلى هونولولو وعلى متنها 36 راكبًا 8 من أفراد الطاقم، وقد كانت رحلة من الطراز الرفيع استمتع المسافرون فيها بمقاعد واسعة يمكن تحويلها إلى سرير، وكانت الطائرة الفارهة في منتصف الرحلة تقريبًا عندما فُقد الاتصال بالرادار فجأة دون نداء استغاثة من الطائرة.

بعد عملية بحث استمرت خمسة أيام رصدت حاملة طائرات تابعة للبحرية الأمريكية حطامًا عائمًا وانتشلت 19 جثة على بعد 1600 كيلومتر شرق هونولولو، وكان معظم الضحايا يرتدون سترات نجاة ما يشير إلى أن الطائرة كانت تستعد للاصطدام بالمحيط الهادئ، ولم يُعثر على الطائرة ومن كانوا على متنها. وقد قد كشفت الاختبارات عن مستويات مرتفعة من أول أكسيد الكربون في عدة جثث منتشلة، لكن مجلس الطيران المدني لم يجد أية أدلة تشير إلى وجود مؤامرة أو تخريب مفتعل.

5) الخطوط الجوية للمحيط الهادئ الكندية في 21 يوليو 1951

مع اندلاع الحرب الكورية، أقلعت طائرة دوغلاس دي سي-4 من فانكوفر إلى طوكيو للمساعدة على النقل الجوي الكوري، وكانت تقل 31 راكبًا وطاقمًا مكونًا من 6 أشخاص، وقد واجهت الطائرة أمطارًا وانخفاضًا في مستوى الرؤية والظروف الجليدية عند اقترابها من أنكوراج في ألاسكا للتزود بالوقود. لم تبلغ الطائرة عن أي مشكلات عند وصولها إلى جنوب شرق ألاسكا بعد نحو 90 دقيقة من وصولها، ثم لم يُسمع أية أخبار عن الطائرة. وقد بحثت فرق الإنقاذ الأمريكية والكندية لشهور عدة، لكنها لم تجد أية آثار للحطام.

6) خطوط نورث ويست أورينت الرحلة 2501 في 23 يونيو 1950

كانت طائرة دي سي-4 تحمل 55 راكبًا وطاقمًا مكونًا من 3 أشخاص في طريقها من نيويورك إلى سياتل، وعندما اقتربت من بحيرة ميشيغان نحو منتصف الليل كانت عواصف عدة تلوح في الأفق والظروف الجوية السيئة قد تسببت في عودة ثلاثة طيارين متجهين غربًا، وبالقرب من بينتون هاربور في ولاية ميشيغان طلب قائد طائرة نورث ويست الإذن بخفض الارتفاع 1000 قدم دون ذكر سبب واضح، لكن مراقبي الحركة الجوية رفضوا طلبه بسبب وجود طائرات أخرى في المنطقة، وكان استلام الطيار لرسالة الرفض آخر إرسال يُستلم من الطائرة.

بعد دقائق سمع شهود على اليابسة صوت اصطدام الطائرة الشديد وشاهدوا الوميض المريع، اكتشف خفر السواحل الأمريكي بقعًا نفطية في بحيرة ميشيغان فكثفوا عمليات البحث الأولية في تلك المنطقة، وبعد يومين اكتشفت فرق البحث بطانيات ووسائد تحمل شعار خطوط الطيران تلك وبقايا بشرية على بعد 16 كيلومتر من شاطئ ساوث هافين في ولاية ميشيغان، وأدركوا لاحقًا أنهم كانوا يبحثون عن الطائرة في المكان الخاطئ في البحيرة. ولم يتمكن الغواصون من تحديد موقع الطائرة في قاع البحيرة المظلمة، ولم يستطع مجلس الطيران الأمريكي تحديد السبب وراء هذا الحادث، وكان حينها من أكثر الحوادث دموية في التاريخ الأمريكي.

وعلى مر العقد الماضي تمكن السونار من اسكتشاف ما تحت الماء بمساحة 777 كيلومتر مربع من قاع البحيرة بالقرب من موقع الحادثة المحتمل، فوجدوا أثرًا لحطام 14 سفينة دون أي أثر للرحلة 2501.

7) الخطوط الجوية البريطانية لأمريكا الجنوبية ستار أرييل في 17 يناير 1949

ظل مثلث برمودا شيئاً مبهمًا ومجهولًا فترة طويلة لدى البحارة، وبقي مسرحًا للغموض في عصر الطيران عندما اختفت الطائرات فوق مياه المحيط الأطلسي بين برمودا وبورتوريكو والطرف الجنوبي من فلوريدا.

غادرت رحلة من برمودا إلى جامايكا لطائرة أفرو تيودور مارك الرابع تحمل عشرين راكبًا، ومع إن الطيار قال إن الظروف الجوية جيدة، فإن الاتصال اللاسلكي مع مركز ستار أرييل قد انقطع فجأة بعد مرور ساعة، ولم يتمكن المحققون البريطانيون من إيجاد أي أثر لحطام الطائرة أو من كان عليها. وبسبب انعدام الأدلة اضطر المحققون إلى الاستنتاج أن سبب الحادث غير معروف.

8) الخطوط الجوية البريطانية لأمريكا الجنوبية ستار تايجر في 30 يناير 1948

حافظت طائرة ستار تايجر التي حملت على متنها 31 شخصًا في رحلة من جزر الأزور على اتصال لاسلكي طبيعي قبل وقت قصير من دخولها المجال الجوي لمثلث برمودا، لكنها لم تهبط ولم تصدر أي رسالة استغاثة، ولم تفلح جهود فرق الإنقاذ التي استمرت خمسة أيام في العثور على أي أثر للحطام، وأشار المحققون إلى أن اختفاء الطائرة لغز لم يُحل تبعاً لتقرير التحقيق الرسمي. وجاء تحطم ستار أرييل بعد أقل من عام تقريبًا من اختفاء طائرة أخرى للخطوط الجوية البريطانية في أميركا الجنوبية.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أدلة خفية حول هُوية مشيدي الحصون الضخمة في أوروبا التي ترجع إلى العصر البرونزي

الكشف عن لغة سرية مفقودة منذ 3000 عام

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر