في ليلةٍ صافية يغيبها القمر قد تتمكن من ملاحظة آلاف النجوم المتلألئة مثل الجواهر. ولكن إذا كان لديك عينًا ثاقبة ستلاحظ أنها لا تسطع بنفس المستوى، وأن بعضها ألمع من النجوم الأخرى وبعضها أقل سطوعًا وبعضها بلون أحمر دافئ، تعرف معنا في هذا الدليل على سبب ذلك.

صورة بواسطة تلسكوب هابل الفضائي لنجم أزرق يفجر طبقاته الخارجية الغازية للفضاء الخارجي

صورة بواسطة تلسكوب هابل الفضائي لنجم أزرق يفجر طبقاته الخارجية الغازية للفضاء الخارجي

حدد علماء الفلك تعريفات لأنواع مختلفة من النجوم في كوننا، من الأقزام الصغيرة البنية إلى الحمراء العملاقة. تعرف النجوم في أوجها بنجوم التسلسل الرئيسي وتُصنف بحسب درجة حرارتها، وبحسب عالمة الفيزياء نتاليا جونسيل المدرسة المساعدة للفيزياء بجامعة كلورادو: «لا نستطيع قياس حرارة معظم النجوم مباشرة … ويحتاج الفيزيائيين إلى استخدام طريقة أخرى للاستدلال على درجة حرارة النجوم؛ فنستطيع تحري ذلك من لون الضوء الذي يصدره النجم، ما يعطي النجوم تصنيفاتها المختلفة».

تتشابه النجوم عمومًا حتى مع اختلاف التصنيفات، إذ تمر بمراحل متعددة في حياتها وتتطور أشكالها وفقًا لكتلتها وتفاعلاتها الحادثة داخل الجسم النجمي.

بداية النجوم

تتكون كل النجوم من مواد سحابة الغبار والغاز، وعندما تندفع تلك المواد حول بعضها بما يكفي لجعلها قريبة من بعضها تنضغط سوية بفعل الجاذبية إلى جسم واحد ذي كتلة واحدة، وعندما تنهار تلك الكتلة على نفسها تبدأ بالدوران، فتصبح حينئذ مواد المنتصف أسخن وأكثف وهكذا تتكون نواة النجم. تعمل الجاذبية على إضافة المزيد من المواد للنجم الوليد في أثناء دورانه ما يجعله أكبر وأكبر، وقد تكوّن بعض تلك المواد في النهاية الكواكب والمذنبات والكويكبات في مدار النجم الجديد.

يبقى الجسم النجمي في مرحلة النجم الأولي ما دام يستطيع النمو بجذب المواد وسحقها داخله، وقد تستغرق تلك العملية مئات آلاف السنين. ومجموع كتل المواد التي يبتلعها النجم في مرحلة تكوينه يحدد مسار حياته وما التصنيف النجمي الذي سيتبعه.

النجوم الصغيرة وفشل بعضها

بينما تكدّس النجوم الصغيرة المزيد من الغاز والغبار تصبح أنويتها أسخن، وفور تراكم كتلة كافية تجعلها تصل لملايين درجات الحرارة، تبدأ الاندماجات النووية بالحدوث في نواة النجم وحينئذ يولد النجم.

ولكي يحدث ذلك يجب أن يجمع النجم الأولي كتلة تعادل 8% من كتلة شمسنا، وأي شيء أقل من ذلك لن يكون كافيًا لجعل الجاذبية تضغط نواة النجم بما يكفي لبدء الاندماجات النووية. تُسمى النجوم الأولية التي تخفق في مراكمة تلك الكتلة بالأقزام البنية، وتبقى على حالتها تلك طوال حياتها، فمع انعدام الاندماجات النووية لإصدار الطاقة تبرد النجوم تدريجيًا.

ولا يقتصر اسم الأقزام البنية على هذا اللون، فقد تكون برتقالية أو حمراء أو سوداء وفقًا لدرجة برودتها. وتكون تلك النجوم أكبر قليلًا من كوكب المشتري ولكن أكثر كثافة منه.

تدخل النجوم الأولية التي تحقق الكتلة الكافية لتصبح نجومًا بالغة طورًا فيصليًا أحيانًا يستغرق 10 ملايين عام. فعندما تنهار تلك النجوم على نفسها بسبب الجاذبية ما يجعل أنويتها أسخن وتبدأ بعدها تفاعلات الاندماجات النووية، يخضع تصنيف النجم الناشئ حينها لاحتمالين: إذا كانت كتلته أكبر من كتلة شمسنا بضعفين سيتبع تصنيف يسمى نجوم الثور T، أما إذا كانت كتلته ما بين ضعفين إلى ثمانية أضعاف فيتبع تصنيف هيربيغ A / نجم B، ولا تمر النجوم الضخمة بذلك الطور لأن نواتها تنهار على نفسها سريعًا.

ما إن تصل النجوم إلى مرحلة الاندماج النووي يبدأ التوازن الهيدروستاتيكي، وفيه يستمر عمل قوة الجاذبية داخليًا على النجم بينما تعمل القوة النووية بالعكس على إصدار طاقة دفع خارجية، وفي نقطة معينة تتوازن تلك القويتين ويبقى النجم في مرحلة التسلسل الرئيسي.

صورة أنتجها الذكاء الاصطناعي لنجم ينبض بالغاز الساخن بالقرب من كوكب في مداره. ومعظم نجوم مجرتنا نجوم حمراء قزمة.

صورة أنتجها الذكاء الاصطناعي لنجم ينبض بالغاز الساخن بالقرب من كوكب في مداره. ومعظم نجوم مجرتنا نجوم حمراء قزمة.

وقود نجوم التسلسل

تعد الغالبية العظمى من النجوم في كوننا التي نستطيع رؤيتها في ظلام الليالي الصافية من نجوم التسلسل الرئيسي، وقد تستمر من ملايين إلى مليارات السنين. تحرق هذه النجوم غاز الهيدروجين بوصفه وقود اندماجاتها النووية، ففي الأنوية النجمية فائقة الحرارة، يندمج الهيدروجين لدى تصادمه مطلقًا الطاقة، وتنتج تلك العملية المكونات الكيميائية اللازمة لإنتاج عنصر الهيليوم.

تحدد كتلة النجم نوعه في مرحلة التسلسل الرئيسي، فالمزيد من الكتلة النجمية يتبعه قوة جاذبية أكبر للنجم تدفع مواده وتضغطها للداخل لتصبح أنوية النجم أسخن بالنتيجة، ومع المزيد من الحرارة تزداد سرعة الاندماجات النووية وذلك يخلق ضغطًا معاكسًا لضغط الجاذبية، إذ تُدفع مواد النجم للخارج ويجعل ذلك النجم يظهر بشكل ألمع وأكبر وأسخن ويميل للون الأزرق.

تتضمن نجوم التسلسل الرئيسي أيضًا نجومًا تسمى أقزامًا، ويتنوع لمعانها ولونها وحجمها تنوعًا كبيرًا، من عُشر كتلة شمسنا إلى 200 ضعف، وتعد النجوم الأكبر نجومًا زرقاء وتصبح ساخنة ولامعة تحديدًا. وفي المنتصف بين نوعي النجوم تلك تقع النجوم الصفراء التي تتضمن شمسنا، وأخرى أصغر وهي النجوم البرتقالية، بينما تعد النجوم الحمراء هي الأصغر والأبرد.

وفيما يلي الأسماء التي تُطلق على تصنيف النجوم تبعًا لدرجة حرارة سطحها (مقدرة بالكلفن):

  •  النجوم O أسخن من 25000.
  •  النجوم B من 10000 إلى 25000.
  •  النجوم A من 7500 إلى 10000.
  •  النجوم F من 6000 إلى 7500.
  •  النجوم G من 5000 إلى 6000 (ومن ضمنها شمسنا بحرارة 5800).
  •  النجوم K من 3500 إلى 5000.
  •  النجوم M أبرد من 3500.

التوازن لنمو نجم عملاق

عندما ينفد وقود النجم تنضغط نواته أكثر وتصبح أسخن، ما يجعل اندماج الهيدروجين المتبقي أسرع وينتج طاقة إضافية أكبر تخلق بدورها قوة أكبر لخارج النجم ضد قوة الجاذبية مسببة تمدد الطبقات الخارجية للنجم. وعندما تنتشر تلك الطبقات الخارجية في الفضاء تصبح أكثر برودة ما يجعل النجم أكثر حمرة، وينتج عن هذا إما نجم عملاق أحمر أو نجم فائق عملاق أحمر، وذلك وفقًا لكتلته سواء أكانت منخفضة (كتلة أقل من 8 أضعاف كتلة الشمس) أو كبيرة (كتلة أكبر من 8 أضعاف كتلة الشمس)، وتدوم هذه المرحلة مليار سنة تقريبًا.

نستطيع رؤية هذه العمالقة الحمراء بالعين المجردة بلون أقرب للبرتقالي من الأحمر، ويُعد نجم جاما كروسيس التابع لكوكبة صليب الجنوب أحد أمثلتها.

صورة النجم ابسيلون كروسيس الذي يبدو لامعًا أزرق وهو نجم من النوع k يقع في كوكبة الصليب الجنوبية.

صورة النجم ابسيلون كروسيس الذي يبدو لامعًا أزرق وهو نجم من النوع k يقع في كوكبة الصليب الجنوبية.

موت النجوم ذات الكتل المنخفضة

تموت النجوم بطرق مختلفة ومميزة اعتمادًا على كتلها، فعندما نتحدث عن النجوم ذات الكتل المنخفضة، يؤدي نفاد الوقود الهيدروجيني إلى أن تضغط النواة نفسها أكثر وأكثر ما يجعلها أسخن، ويصبح النجم ساخنًا للحد الذي يجعله قادرًا على دمج الهيليوم، فالعناصر الأثقل من الهيدروجين تتطلب حرارة وضغطًا أكثر لدمجها نوويًا.

تحرق النجوم الحمراء العملاقة وقودها من الهيليوم لتنتج الكربون والعناصر الأخرى الأثقل، ويصبح حينها النجم غير مستقر ونابضًا، ويطلق طبقاته الخارجية في الفضاء البين نجمي، وفي النهاية حين يدفع كل طبقاته الخارجية لا يتبقى سوى نواة صغيرة كثيفة وساخنة، وتسمى تلك البقايا بالقزم الأبيض.

تأتي الأقزام البيضاء في حجم مقارب لحجم كوكب الأرض ولكن بكتلة تفوقه مئات آلاف المرات، وبهذه المرحلة لا تنتج الطاقة تلقائيًا وإنما تبرد تدريجيًا خلال مليارات السنين، وتظهر بألوان تترواح ما بين الأزرق المُبيَض إلى الأحمر.

تصعب رؤية تلك البقايا النجمية الخافتة بالعين المجردة، ولكن باستخدام التلسكوب نستطيع رؤيتها في كوكبة الذبابة الجنوبية، ويظهر أيضًا نجم فان مانين في كوكبة الحوت الذي يعد قزمًا أبيض كذلك.

موت النجوم ذات الكتل الكبيرة

تتبع النجوم التي تبلغ كتلتها 8 أضعاف من كتلة الشمس النمط النموذجي لموت النجوم، على الأقل في بدايته، فعندما ينفد وقود الهيليوم من النجم تصبح النواة أسخن للحد الذي يُمكّنها من دمج عناصر أثقل من الهيليوم كالكربون الذي يتحول إلى أوكسجين، ومع إعادة تلك العملية يتحول الأوكسجين إلى نيون، ثم يتحول النيون إلى السيليكون وفي النهاية يظهر لنا الحديد. وعندما لا يتبقى وقود كافٍ لمتابعة تسلسل الاندماج هذا، لن تُطلَق قوة للخارج تعادل قوة الجاذبية، وسريعًا ما تنتصر وتضغط نواة النجم للداخل أكثر. وفي غضون ثوانٍ تنهار الطبقات الخارجية للنجم إلى داخل نواته، ثم تنهار النواة على نفسها منتجة بذلك صدمة ارتدادية في بقايا النجم ما ينتج عنه مستعر أعظم.

تأخذ حياة النجم بعد المستعر الأعظم مسارين اعتمادًا على كتلته، فإذا كانت كتلة النجم نحو 20 ضعف كتلة الشمس خلال فترة التسلسل الرئيسي، سيخلف وراءه نواة كثيفة جدًا تسمى بالنجم النيوتروني. وتعد النجوم النيوترونية أصغر في الحجم من الأقزام البيضاء، فقد يبلغ حجمها حجم مدينة نيويورك ولكن لها كتلتها تفوق كتلة شمسنا.

أما إذا كان النجم أضخم فإن النواة المتبقية ستستمر بالانهيار تحت تأثير ضغط النجم وجاذيته، وسينتج حينئذ الثقب الأسود الذي قد يكون بحجم الذرة ولكنه يحوي كتلة تكافئ النجوم العملاقة.

لا تتبع كل النجوم فئات تصنيفية معينة

قد تبدو عملية تطور النجوم من نجوم أولية إلى ثقوب سوداء أو أقزام بيضاء أو نجوم نيترونية عملية ذات سيرورة بسيطة وواضحة، ولكن وفقًا لما تقوله جوسنيل فإن النظرة عن قرب تُظهر مفاجآت، فبحسب المهمة التي تعمل على إنشاء خريطة مفصلة ثلاثية الأبعاد لنجوم مجرتنا (المعروفة باسم مهمة قياس التداخل الفضائي التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية)، توجد شموس كثيرة غريبة الأطوار.

فمثلًا يظهر النجم الواقع داخل نظام نجمي ثنائي (أو متعدد النجوم) ألمع وأكثر زرقة ليبدو أصغر من عمره الحقيقي، وذلك بسبب الكتلة الإضافية التي يكتسبها من النجم المرافق له في النظام، تقول جوسنيل: «بالوسع تسميتها بالنجوم الزرقاء الشاردة لأنها تبدو متأخرة عن تطورها المتوقع».

وتقول جوسنيل أيضًا: «تمثل النجوم العملاقة الثانوية مثالًا آخر نراها في أنظمة النجوم الثنائية أيضًا، وتنتقل من التسلسل الرئيسي إلى العملاق الأحمر لكنها تبدو خافتة. وهذا النوع من النجوم العملاقة الثانوية يتمتع بحقل مغناطيسي نشط مع كثير من البقع النجمية على السطح، وتتمتع بديناميكية بصرية إذ تظهر بُقعها النجمية وتختفي مع دورانها».

وتضيف إن المهمة التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية هي مهمة دائمة وتستمر باستكشاف النجوم بدقة، ومعها قد يتضح لنا التنوع الحقيقي والمعقد للنجوم الموجودة في الكون فعليًا. وتقول: «تعمل تلك المهام بطريقة تجعلنا ننظر للخلف في ماضي الكون وتاريخ النجوم، لذلك لقد بدأنا في رؤية قصص مثيرة للاهتمام تتحدى حدود الفئات النجمية المعروفة».

اقرأ أيضًا:

ثقب أسود يخرج بقايا نجم ابتلعه منذ سنوات

تطوير نظام بالتعلم الآلي لرصد أي إشارات تدل على وجود حياة من أنظمة نجمية أخرى

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: يوسف صلاح صابوني

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر