تحتوي مفاصلنا على نسيج مرن زلق يسمى الغضروف المفصلي الذي يغطي نهاية العظم المفصلية، يؤدي فقدان هذا الغضروف نتيجة الإصابة أو التقدم في العمر إلى احتكاك عظام المفصل ببعضها مسببةً الألم. تُعد الأذيات الغضروفية شائعةً جدًا، ونادرًا ما تُشفى تلقائيًا، لذلك تسبب ضررًا للمفصل، يؤدي إلى حدوث التهاب المفاصل التنكسي -الفصال العظمي- الذي يُعد أشيع أنواع التهابات المفاصل، وهو السبب الرئيسي للعجز حول العالم.

تتراوح نسبة الأشخاص الذين يعانون درجةً من التهاب المفاصل التنكسي وتتجاوز أعمارهم 60 عامًا بين 10 و15%، لسوء الحظ لا علاج للمرض حتى الآن، لكن قد تأتي المساعدة قريبًا.

طوّرت مجموعتنا البحثية في كوين ماري في جامعة لندن طريقتين لتشجيع شفاء الغضروف وتحسين الألم المفصلي عند الحيوانات المصابة بالتهاب المفاصل التنكسي، واتضح أيضًا أن هذه الطرق تصلح للعمل على خلايا الغضروف البشري في أنبوب الاختبار.

الأغرين (agrin): جزيئة شافية

اكتشفنا أن الجزيئة المُسماة أغرين يمكن استخدامها لعلاج الأذيات الواسعة للغضروف والعظم، فعندما يُطبق الأغرين على الغضروف والعظم المُصاب، تتنشّط الخلايا الجذعية الخاملة في المفصل بسرعة، وتتوجه إلى ترميم الأذى.

أجرينا هذه الدراسات على الفئران والخراف، كان تطبيق الأغرين على الغضروف المتأذي في الخراف كافيًا لتحفيز الترميم وزيادة نشاط الخراف طول مدة الدراسة البالغة 6 أشهر.

إعادة نمو غضروف الركبة: دراسات واعدة على الحيوانات - نسيج مرن زلق يسمى الغضروف المفصلي يغطي نهاية العظم المفصلية - التهاب المفاصل التنكسي

طُوِّرت طرق أُخرى لتكوين غضروف جديد من الخلايا الغضروفية أو الجذعية، لكنها تتضمن إخراج الخلايا الجذعية خارج ركبة المريض وإنماءها وعلاجها في المختبر بمختلف المواد لتحريضها على تشكيل الغضروف، ثم إعادة زرعها داخل المفصل. يتطلب هذا الأمر الكثير من الجهد والمال إضافةً إلى عدم ثبات النتائج، أما مقاربتنا فتتخطى هذه الخطوات، إذ توجد الخلايا الجذعية مُسبقًا داخل مفصل الركبة، وقد طوّرنا طريقةً تسمح لنا بتنشيطها وتحفيزها لتأدية عملها بكفاءة باستخدام دواء، من دون الحاجة إلى إخراجها من المفصل.

تمثل الصورة سطح ركبة الخروف بعد 6 أشهر من الأذية، متضمنةً الغضروف والعظم الممثل بالأخضر. مُلئ العيب على اليمين بمادة هلامية تحتوي على الأغرين -الممثل بالبرتقالي- ما أعاد نمو الغضروف على السطح. بينما مُلئ العيب على اليسار بالمادة الهلامية نفسها لكن من دون أن تحتوي على الأغرين فلم ينمُ الغضروف على السطح. أسفل يمين الصورة، يُظهر تصوير طبقي محوري إعادة البناء العظمي مكان العيب المملوء بالهلام الذي يحتوي على الأغرين

تمثل الصورة سطح ركبة الخروف بعد 6 أشهر من الأذية، متضمنةً الغضروف والعظم الممثل بالأخضر. مُلئ العيب على اليمين بمادة هلامية تحتوي على الأغرين -الممثل بالبرتقالي- ما أعاد نمو الغضروف على السطح. بينما مُلئ العيب على اليسار بالمادة الهلامية نفسها لكن من دون أن تحتوي على الأغرين فلم ينمُ الغضروف على السطح. أسفل يمين الصورة، يُظهر تصوير طبقي محوري إعادة البناء العظمي مكان العيب المملوء بالهلام الذي يحتوي على الأغرين

على عكس الجزيئات المُختبَرة الأخرى، لا يحرض الأغرين نمو العظم والغضروف في الأماكن غير المرغوب فيها، إذ ينشط الأغرين عند البالغين العمليات نفسها التي تشكل المفصل في أثناء التطور داخل الرحم، نظن أن هذا يفسر سبب تمايز بعض الخلايا في الركبة المصابة إلى نسيج غضروفي وأخرى إلى نسيج عظمي، إضافةً إلى ترميم الأماكن الصحيحة.

لم نلحظ أي آثار جانبية بارزة في الفئران والخراف، إذ أصبحت الخراف التي تلقت الأغرين أنشط خلال مدة الدراسة، ما يشير إلى تحسن الألم، لكننا نحتاج إلى المزيد من الدراسات الموسعة على الحيوان قبل إمكانية إجرائها على البشر، لا سيما أنها أجريت على إصابات مفصلية حديثة، وعلى حيوانات بأعمار صغيرة نسبيًا، وعلى هذا ما زلنا نجهل مدى فعاليتها عند إصابات الركبة القديمة أو عند المتقدمين في العمر، ويُعد ذلك أمرًا مهمًا يحد من نتائج تلك الدراسات.

حصار جزيئة (ROR2)

في دراسة أخرى، لاحظنا غياب الجزيئة المُسماة ROR2 (كيناز التيروسين العصبي المرتبط بالمستقبل 2) من الغضروف السليم، لكنها تظهر بعد الأذية الغضروفية لتساهم في تدمير الغضروف المفصلي عند المرضى المصابين بالتهاب المفاصل التنكسي، فهل يخفف حصار هذه الجزيئة من وطأة التهاب المفاصل التنكسي ؟

في حين أُجريت دراسات باستخدام الأغرين لعلاج ثقب صغير في غضروف ركبة سليمة، اختبرنا جزيئًا آخر على ركبة فئران بعد إصابتها بتمزق رباط صليبي، نتج عنه تمزق غضروفي شديد واسع الانتشار.

يُعد تمزق الرباط الصليبي إصابةً شائعةً عند لاعبي كرة القدم

يُعد تمزق الرباط الصليبي إصابةً شائعةً عند لاعبي كرة القدم

نجحنا بإيقاف الخلايا الغضروفية عن إنتاج ROR2، باستخدام تقنية «الكتم الجيني»، أي إيقاف التعبير عن الجزيئات المُرمّزة بواسطة جينات معينة تسمى «الـ RNA الصغير المُتطفل». وجدنا أن الغضروف كان محميًّا إلى حد ما من التهتك المتزايد، وقد تحسن الألم أيضًا بسرعة ووضوح لا يمكن تفسيرهما بالحماية التي وفرناها للغضروف من التدهور، إذ تستغرق حمايتنا وقتًا أطول من ذلك بكثير.

لاحظنا أيضًا تحسنًا في تشكل خلايا الغضروف البشري في أنابيب الاختبار. من ناحية أخرى، قبل إجراء الدراسات المتضمنة حصار جزيئة ROR2 عند الإنسان، نحتاج إلى تكرارها على حيوانات كبيرة الحجم مثل الخراف، وإجراء المزيد من الدراسات لاختبار السُمّية الدوائية، وسنضطر لجعل هذا الدواء الذي يحاصر جزيئة ROR2 أكثر استقرارًا لتجنب الحاجة إلى تكرار حقنه.

بدأ العمل الشاق يُؤتي ثماره

في كلا المقاربتين، مازلنا بعيدين جدًا عن التوصل إلى علاج يصلح للاستخدام في الممارسة السريرية، لكن إذا سارت الأمور على ما يرام، فقد نبدأ التجارب السريرية في غضون بضع سنوات.

نهدف إلى تحويل التهاب المفاصل التنكسي إلى مرض قابل للعلاج أو قابل للوقاية منه على الأقل، وفي حال نجاح هذه الدراسات على البشر، فإننا نتوقع أن تكفي حقنة بسيطة في الركبة أو جراحة صغيرة لشفاء الأذية الغضروفية ومنع تفاقمها، قد نستطيع أيضًا علاج الحالات المتقدمة من التهاب المفاصل التنكسي، وتجنب الحاجة إلى استبدال المفصل مستقبلًا.

من المحبط إخبار مرضى التهاب المفاصل التنكسي أننا لا نملك الكثير لعلاجهم، باستثناء مسكنات الألم والعلاج الفيزيائي، لكن إخبارهم بوجود دواء قادر على إعادتهم إلى عملهم وهواياتهم وحياتهم الطبيعية سيكون حلمًا يستحق العمل لأجله. يحدونا الأمل أن الجهود المبذولة لفهم كيفية عمل خلايا المفصل تؤتي ثمارها أخيرًا، وقد بِتْنا قاب قوسين من تحقيق هذا الحلم.

اقرأ أيضًا:

ما هي أنواع الإصابات التي قد تتعرض لها الركبة عن ممارسة الرياضة؟

التهاب المفصل التنكسي أو الفصال العظمي

ترجمة: محمد عيسى

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر