هل أوصلت المذنبات العناصر الأساسية للحياة إلى الأرض؟ يتزايد هذا الاحتمال مع الوقت، لكن مذنبًا واحدًا على الأقل قد يزيد هذا الاحتمال أكثر: المذنب P/Churyumov-Gerasimenko67

تقترح دراسة جديدة لمهمة روزيتا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية أن المذنب يحوي عنصرًا مهمًا جدًا للحياة هو الفوسفور.

قاد المهمة باحثون من جامعة توركو الفنلندية. الكاتب الرئيس لهذه الدراسة هو الفيزيائي الفلكي ومهندس البرمجيات إيسكو غاردنر.

عنوان الدراسة هو «رصد عنصري الفلور والفوسفور في حالتهم الصلبة في غبار ذؤابة المذنب P/Churyumov-Gerasimenko67»، وقد نُشرت في مجلة الملاحظات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية.

تُعرف العناصر الأساسية للحياة اختصارًا CHNOPS : الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والفوسفور والكبريت. تشكل هذه العناصر أغلب الجزيئات الحيوية على كوكب الأرض، وتشكل مجتمعةً 98% من المادة الحية على الأرض.

وجد العلماء سابقًا خمسة من العناصر الست في مذنبات من قبل، لذا قد يكون إيجاد الفوسفور القطعة الأخيرة من الأحجية.

وجد فريق الباحثين الفوسفور والفلور في الذؤابة الداخلية للمذنب، وقد وُجدت جزيئات صلبة للعنصرين جمعتها أداة محلل كتلة الأيونات الثانوية COSIMA.

جُمعت الجزيئات على لوحات الهدف التي صُورت بعد ذلك من بُعد، واختيرت جزيئات منفردة من الصور ثم قيست بمطياف كتلي.

تمت هذه المهمة من الأرض، ثم أًنهيت مهمة روزيتا باصطدام مُخطط بالمذنب في سبتمبر 2016.

وُجد الفوسفور في مذنبات من قبل، إذ أعلن باحثون في ورقة بحثية عام 1987 عن رصد الفوسفور في غبار المذنب هالي، لكن يُرجح أنه كان فوسفورًا ذريًا داخل معدن غير محدد وغير متاح كيميائيًا. سنة 2006، أعادت المركبة الفضائية ستار دست التابعة لناسا عينات من المذنب P/Wild81. وجد الباحثون جزيئًا وحيدًا يحوي الفوسفور مرتبطًا بالكالسيوم.

استنتج العلماء أن الفوسفور كان محتجزًا في جزيء «أباتيت»، ولم يكن متوفرًا غالبًا.

هذا الاكتشاف الجديد مختلف: هذه المرة وجد الباحثون أيونات الفوسفور في جزيئات صلبة، سواء في المعادن أو الفوسفور المعدني.

قال هاري ليتو قائد المشروع من قسم الفيزياء والفلك في جامعة توركو: «لقد أثبتنا أن المعادن الأباتيتية ليست مصدر الفوسفور، ما يعني أن الفوسفور المُكتشف ينتُج بهيئة أكثر اختزالًا وأكثر قابليةً للذوبان».

ذُكر في البيان الصحفي الذي تناول البحث أنه للمرة الأولى نجد العناصر الأساسية للحياة في مواد مذنبية صلبة.

يُعد هذا الاكتشاف مهمًا لفهم كيفية نشوء الحياة على الأرض. الفوسفور أساسي للحياة على الأرض، لكن إذا كان محتجزًا في معدن أباتيت فهو بعيد المنال، وإذا كان غازيًا فهو غير ملائم أيضًا.

إيجاد عنصر أساسي للحياة على مذنب - هل وصلت العناصر الأساسية للحياة إلى الأرض عن طريق المذنبات - رصد عنصري الفلور والفوسفور في غبار ذؤابة المذنب

لكن الفوسفور المُكتشَف حديثًا متاح أكثر، كتب الباحثون في ورقتهم:‍‍‏ «في عملية نشوء الحياة، مركبات الفوسفور المتفاعلة القابلة للذوبان في الماء كانت ضرورية لتحويل سلائف النيوكليوتيدات إلى نيوكليوتيدات نشطة من طريق الفسفرة».

الفوسفور أحد قطع أحجية الحياة على الأرض، كان هناك نقص في الجزيئات التي تحوي الفوسفور القابل للذوبان على كوكب الأرض في عمره المبكر. أثبتت التجارب أن الفوسفور القابل للذوبان قد يؤدي دورًا أساسيًا في أصل الجزيئات البيولوجية.

كتب الباحثون: «ثبت عمليًا أن كلًا من الفوسفور القابل للذوبان وسيانيد الهيدروجين وكبريتيد الهيدروجين قد يعمل بوصفه مخزون طاقة لعملية نشوء النيوكليوتيدات قبل الحيوية والأحماض الأمينية والعمود الفقري للفوسفوجليسرين».

لكن الطريقة الأكثر كفاءة لإنتاج هذه الجزيئات البيولوجية تتضمن أشكالًا مختزلة جدًا من الفوسفور، هذه الأشكال من الفوسفور توجد غالبًا في مواد نيزكية أو في عنصر الفوسفور.

حتى الآن، تُعرف النيازك أو العمليات الجيوكيميائية بأنها مسؤولة عن المواد الفسفورية قبل الحيوية الضرورية للحياة.

لكن الدراسة الأخيرة تظهر أن الفوسفور -إلى جانب العناصر الأساسية الأخرى- موجود في المذنبات، ويحتمل أن هذه المذنبات أوصلت الفوسفور إلى الأرض في عمرها المبكر.

لكن لا تزال هناك مشكلة في فكرة توصيل المذنبات، إذا كان الاصطدام مشحونًا بالطاقة أكثر مما يجب فقد تُدمر المواد أو تتغير، يعتقد الفريق القائم على البحث أن لديه جوابًا لهذه المشكلة.

ربما الاصطدامات المبكرة على سطح الكوكب كانت مصحوبة بطاقة أقل مقارنةً باصطدامات النيازك الصخرية الثقيلة، فتُحفظ الجزيئات قبل الحيوية بحالة أكثر تماسكًا.

ما زال الباحثون حذرين تجاه نتائجهم التي تظهر أن عناصر الحياة قد تأتي من المذنبات، لكن على هذه المركّبات أن تكون قابلة للذوبان ومُتاحة وغير مُحتجزة في معادن.

«ذوبان الفوسفور المرصود في المذنب ليس واضحًا، لكن يمكننا أن نستنتج أنه ليس أباتيت، وهو مصدر معدني شائع للفوسفور في النيازك. إضافةً إلى أن احتمال وجود معادن فوسفات أخرى ضئيلة، نظرًا إلى أننا لم نجد مساهمة مذنبية واضحة لأكاسيد الفوسفور».

ماذا بعد؟

يعتقد الباحثون أن مهمة إرجاع عينة المذنب ضرورية لتطوير فكرة إيصال المذنبات لعناصر الحياة الأساسية.

«وجود جميع عناصر الحياة يعطي إمكانية قوية لمهمة استرجاع مستقبلية للمذنب. قد يؤكد هذا وجود كل المركبات ومصادرها المعدنية، وذائبية المواد المحتملة، ما يسمح بتحليل شامل للكميات النسبية لعناصر الحياة».

التقطت مهمة ستاردست لناسا مواد الغبار المذنبي من ذؤابة المذنب P/Wild 281 وأعادتها. تعلم العلماء الكثير من هذه العينات، لكن مع أهميتها فقد عانت بعض القيود.

أشار الكتّاب في تقريرهم «مفهوم مهمة إرجاع عينة من ذؤابة المذنب – الخطوة التالية لستاردست» إلى أن لهذه العينات قيودًا، كونها جُمعت بأعداد بسيطة تحت تأثير سرعات هائلة، إضافةً إلى أنها تمثل عينة واحدة عشوائية من الذؤابة.

كيف يمكن تحسين ذلك؟ في التقرير ذاته، وصف الباحثون ما قد تبدو عليه مهمة إرجاع عينة مذنبية محسّنة.

تستغل هذه المهمة مركبة فضائية مُصمَّمة لتجد مذنبًا وتراقب ذؤابته مطولًا دون أن تهبط عليه، فتجمع عينات من مناطق مختلفة من ذؤابة المذنب ثم تعيدها إلى الأرض لدراستها.

نستفيد من ذلك جمع العينات بسرعة أقل بكثير، ما ينفي تدمير وتغير العينات في أثناء الجمع، وستُسترجع العينات سالمةً أكثر، خصوصًا المعادن الهشة والمواد العضوية.

ستجمع هذه المهمة المحسنة أيضًا عينات من الذؤابة والمواد المتطايرة من نفاثات الغاز، وستجمع الكثير من المواد الأخرى، ما يجعل العينة أكثر ملاءمة إحصائيًا.

ما زالت هذه المهمة المحسنة حتى الآن مجرد نموذج مبدئي. لا يوجد نقص في نماذج المهمات ذات الأهمية، إنها فقط مسألة اختيار النموذج الأهم.

اقرأ أيضًا:

نجاح جديد! سبايس إكس تطلق 4 رواد فضاء في مهمة تاريخية لناسا

مذنب بين نجمي يحتوي على مياه مصدرها خارج نظامنا الشمسي

ترجمة: معتز صبرة

تدقيق: سمية بن لكحل

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر