يعود الفضل الأكبر في وجود الأسس التي بُنيت عليها جميع الثقافات الغربية إلى الإغريق القدماء، وقد حصل الإغريق على هذا الشرف بسبب الاختراعات المبهرة في المجالات الواسعة للأنشطة البشرية من الرياضة إلى الطب والهندسة المعمارية إلى الديمقراطية.

ومثل أي حضارة أخرى، كان الماضي بالنسبة للإغريق مدرسة تعلموا وتبنوا منها الأفكار الجيدة التي صادفتهم من الحضارات الأخرى بما في ذلك تطوير أفكار جديدة خاصة بهم.

نذكر بعض الطرق التي ساهمت فيها الاختراعات اليونانية بتميز في الثقافة العالمية، بعض هذه الاختراعات لا يزال يستخدم إلى يومنا هذا:

  1.  الأعمدة
  2.  المدرجات
  3.  المنحوتات البشرية
  4.  الديمقراطية
  5.  الأجهزة الميكانيكية
  6.  التفكير الرياضي
  7.  الهندسة
  8.  الطب
  9.  الألعاب الأولمبية
  10.  الفلسفة
  11. علم الفلك
  12. العلوم
  13. المسرح

الأعمدة والمدرجات

يمكن إيجاد عدة أمثلة في جميع طرقات مدن الغرب تشهد على العمارة الإغريقية خصيصًا الأبنية الواسعة ذات الأهمية الكبيرة، ربما أهم الأعمدة العلامة التي بناها الإغريق ولا تزال شامخة إلى وقتنا هذا هي أعمدة دوري وإيوني وكورنثي التي تحمل الأسقف وتزين الواجهات في المسارح والمحاكم والمباني الحكومية في جميع أنحاء العالم.

استخدم الإغريقيون هذا النظام المعماري بالأساس لمعابدهم، التي لا يزال معظمها موجود إلى يومنا هذا رغم الهزات الأرضة والحرائق وطلقات المدافع، ويعد البانثيون الذي اكتمل بناؤه في 432 قبل الميلاد أشهر وأهم مثال.

النحت البشري في الفن

ظهرت الابتكارات اليونانية في الفن بصورة أوضح في فن النحت، مثلت الحضارات السابقة والمعاصرة الشكل البشري بوضعية بسيطة وثابتة إذ بدت الشخصيات المنحوتة بلا حياة تمامًا كالحجر الذي نُحتوا منه.

بحلول الفترة الكلاسيكية، خرجت المنحوتات عن المعتاد وأصبحت شخصيات حسية. على العموم بدأ النحت والفن اليوناني بالغوص في تفاصيل التوازن والتناسب والكمال للجسم البشري في حين استمر الرومان على نفس الوتيرة إذ دام تأثير هذا الفن على فن عصر النهضة وسيستمر في التأثير على النحاتين.

نظام الديمقراطية وهيئة المحلفين في القانون

واحدة من أهم أفكار الإغريق كانت مشاركتهم في الحكم إذ كان للمواطنين العاديين رأي مساوٍ لمن يحكمهم وأيضًا كان لهم رأي في طريقة الحكم، والأهم من ذلك أن هذه المفاوضات يجب أن تكون مباشرة وشخصية. وعليه، في بعض المدن اليونانية في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد كانت أثينا أشهر مثال، فقد كان للمواطنين (المعترف بأنهم ذكور أحرار فوق الـ 18 سنة) الحق في المشاركة في قرارات الحكومة عبر حضور المجلس العام للتحدث والاستماع والتصويت في قضايا اليوم.

كانت القدرة الاستيعابية للمجلس الأثيني 6000 شخص وفقط عندما تكون القضايا المطروحة كبيرة يكون المكان مزدحمًا، إذ يتم حساب التصويت برفع الأيدي.

علاوة على هذه الفكرة الرائعة للديمقراطية المباشرة، كان من المتوقع من جميع المواطنين المشاركة في الحكومة عبر عملهم بمثابة قضاة ومحلفين أو أي منصب رسمي يمكنهم توليه. إضافة إلى طرد أي شخص يحاول الإساءة إلى منصبه -الذي كان يتولاه لفترة مؤقتة- لخارج المدينة بتصويت سري يدعى الأوستراكية.

الهندسة والأجهزة الميكانيكية

ربما حصد الرومان على وسام شرف لأفضل المهندسين القدماء لكن اختراعات الإغريق للأجهزة الميكانيكية سمحت لهم بتحريك قطع ضخمة من الرخام إلى معابدهم الضخمة وأسوار مدينتهم.

استطاع اليونانيون حفر الأنفاق بداخل الجبال مثل نفق ساموس الذي يبلغ طوله كيلومترًا واحدًا وكان قد بُني في القرن السادس قبل الميلاد.

تعد القنوات أيضًا خير مثال على إبداع الخيال والتصميم الذي تميز به الإغريق، فقد حولوا المياه إلى أكثر الأماكن حاجة إليها، واستخدموا الطواحين المائية أيضًا لتسخير قوة الطبيعة.

تضمنت أجهزة الاختراعات اليدوية اليونانية الساعة الشمسية المحمولة من بارمينيون والمصنوعة من الحلقات (نحو 330-400 قبل الميلاد) والمنبه المائي الذي يُنسب إلى أفلاطون (نحو 424-428 قبل الميلاد) ومنظار تيموستنس من القرن الثالث قبل الميلاد لقياس اتجاه الريح وعداد المسافات وقاذفة اللهب والاختراعات الهيدروليكية للمخترع كتيسبيوس.

التفكير الرياضي والهندسة

كانت طريقة مشاركة الإغريق في الرياضيات متميزة بالنسبة للحضارات الأخرى، فقد كان الموضوع بالنسبة لهم لا ينفصل عن الفلسفة والهندسة وعلم الفلك والعلوم عمومًا.

على سبيل المثال، استطاع طاليس الملطي التنبؤ بدقة بكسوف الشمس في 28 مايو 585 قبل الميلاد ويُنسب إليه حساب ارتفاع الأهرامات بناءً على طول ظلها. فيثاغورث وبدون شك هو أشهر عالم رياضيات (نحو 571-497 قبل الميلاد) ونظريته الهندسية التي لا تزال تحمل اسمه – مربع الوتر في مثلث قائم الزاوية يساوي مربعات الأضلاع القصيرة مجتمعة سويًا.

الطب

اعتقد الإغريق القدماء أن المرض عقاب إلهي ولكن ابتداءً من القرن الخامس اتُّبع نهج أكثر نمطية وأصبح التشخيص والعلاج أكثر فائدة للمريض. تمت ملاحظة وتجريب وتسجيل الأعراض والعلاج، والاعتراف بالنظام الغذائي ونمط الحياة بوصفها عوامل مساهمة في المرض.

كُتبت الأطروحات، أشهرها من قبل مؤسس الطب الغربي أبقراط من القرن الرابع والخامس قبل الميلاد، إذ فهم الجسد البشري بصورة أفضل، وبفضل مراقبة ودراسة إصابات الجنود الخطيرة، كُشف الفرق بين الشرايين والأوردة، بيد أن تشريح البشر لم يأتِ إلا في العصور الهلنستية.

الألعاب الأولمبية

شوهدت مسابقات رياضية في الحضارتين المينوسية والموكيانية في العصر البرونزي في بحر إيجه، لكن في اليونان القديمة كان من المقرر أن يولد حدث رياضي أصبح شائعًا ومهمًا للغاية لدرجة أنه استُخدم مرجعًا للتقويم.

أُقيمت أول ألعاب أولمبية في منتصف يوليو عام 776 قبل الميلاد في أولمبيا على شرف الإله زيوس، بعد ذلك أصبح الرياضيون والمشاهدون يجتمعون كل أربع سنوات من جميع أنحاء اليونان لأداء الرياضة وكسب رضا الآلهة. حصلت آخر دورة ألعاب أولمبية قديمة عام 393 ميلادي بعد سلسلة لا تصدق من 293 دورة أولمبية متتالية.

كانت هناك هدنة خلال فترة الأولمبيات تسمح للمشاركين والمشجعين بالسفر بأمان، في البداية كان هناك حدث واحد فقط وهو سباق المشاة. بدأ الحدث بالنمو تدريجيًّا مع مرور السنين إذ أُضيف العديد من الأنشطة الأخرى مثل رمي القرص والملاكمة والمباراة الخماسية والمصارعة وسباق العربات وحتى مسابقات عازفي البوق.

أشرف القضاة المدربون تدريبًا خاصًا على المباريات وفرضوا غرامات على أي شخص يخالف القواعد. حصل الرابحون على تاج من أوراق الزيتون والمجد وربما بعض النقود المدفوعة من قبل بلدهم الأم التي دامت في بعض الأحيان إلى الأبد.

الفلسفة

تطرق المفكرون اليونانيون العظماء لكل الأسئلة التي حيرت البشرية.

ناقشت شخصيات مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو في القرن الرابع والخامس قبل الميلاد وتساءلوا من أين أتينا وكيف تطورنا وإلى أين نحن ذاهبون وهل يجب علينا حتى التفكير في الأمر. في القرن السادس قبل الميلاد قدم أناكسيمندر أول مرجع نصي باقٍ للفلسفة الغربية واعتبر أن «اللانهائي» هو المسؤول عن جميع العناصر، لذلك لم نحرز تقدمًا كبيرًا منذ ذلك البيان.

العلوم وعلم الفلك

كما في مجال الفلسفة، حرص العلماء الإغريق على إيجاد الحلول التي توضح جميع ما يحيط بهم، نُوقشت جميع أنواع النظريات بل ورُفضت أيضًا من قبل العديد: كروية الأرض، دوران الأرض حول الشمس وليس العكس، درب التبانة المؤلف من النجوم، تطور البشرية من الحيوانات، كانت هذه بعض أفكار الإغريق التي طرحوها للتأمل.

اكتشف أرخميدس (212-287 قبل الميلاد) وهو في حمّامه قانون الإزاحة وصرخ: «أوريكا» أي وجدتها.

طوّر أرسطو (322-384 قبل الميلاد) المنطق وصنف العالم الطبيعي، حسب إراتوستينس (195-276 قبل الميلاد) محيط الكرة الأرضية من الظلال التي تلقيها الأشياء عند خطي عرض مختلفين.

المسرح

ابتكر الإغريق القدماء المسرح في القرن السادس قبل الميلاد، كانت المسرحيات اليونانية مجانية وشائعة ولم يقتصر الأمر على التسلية فقط بل دُرِّست العديد من المسرحيات الكلاسيكية بوصفها جزءًا أساسيًا من المناهج التعليمية.

ربما كان طاقم الممثلين محدودًا للغاية لكن مجموعة الجوقة أضافت بعض الجاذبية الموسيقية إلى الإجراءات. عندما ظهرت الكوميديا، ظهرت معها متعة السخرية من سياسيين وفلاسفة وأجانب معروفين وأصبح الكتّاب المسرحيون أكثر طموحًا وجرأة في عروضهم التقديمية. تميزت المسرحيات بوجود جوقة غنائية كاملة وأزياء غريبة ومؤثرات خاصة مثل الممثلين المتدليين من أسلاك متخفية فوق المجموعات المصممة بصورة جميلة.

كما في جميع المجالات الأخرى، تدين صناعة الترفيه اليوم بدين كبير لليونانيين القدماء.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن نظريات المؤامرة

لمحة تاريخية عن تطور علم الرياضيات

ترجمة: يُمنى بهلوان

تدقيق: رائد عثمان

مراجعة: نغم رابي

المصدر