يمثل ابتكار أداة ذكاء اصطناعي جديدة مفتوحة المصدر -تجمع بين تقنيات التعلم الآلي والبيانات المدارية المستمدة من أقمار صناعية متعددة من ضمنها قمر متصل بمحطة الفضاء الدولية- خطوةً هامةً نحو معالجة مشكلة تسربات الميثان الضارة وما يُعرف بـ «الانبعاثات الفائقة».

تصدر هذه الغازات من مواقع متنوعة حيث يحدث تحلل الطعام والمواد النباتية دون تواجد الأكسجين مثل الأهوار ومكبات النفايات ومحطات الوقود الأحفوري وحتى مزارع تربية الأبقار، وهي مشهورة بتأثيراتها الكبيرة على جودة الهواء.

مع أن غاز الميثان لا يبقى في الغلاف الجوي لفترات طويلة مثل ثاني أكسيد الكربون الذي يبلغ قرونًا -إذ يستغرق بقاءه ما بين 7 إلى 12 عامًا فقط- فإنه يعد أكثر فاعلية بما يقارب 80 ضعفًا في الاحتفاظ بالحرارة. لذا، يُعد الحد من إنتاجه فورًا خطوة حاسمة وضرورية لتفادي الآثار الكارثية قصيرة المدى لانهيار المناخ. فتقليل انبعاثات الميثان بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، على سبيل المثال، من شأنه أن يخفض متوسط درجة حرارة الأرض بحوالي 0.3 درجة مئوية في العقدين القادمين.

من الصعوبات التي تواجهها تقنيات التصوير الجوي المعتادة تحديد تركيزات غاز الميثان بدقة وفي الوقت الفعلي. واحدة من الأسباب هي السُحب التي تشكلها الانبعاثات الكبيرة الناتجة عن حوادث مثل أعطال منصات النفط أو تسربات أنابيب الغاز الطبيعي. هذه الانبعاثات تكون غير مرئية للعين البشرية وأيضًا لأغلب أجهزة استشعار الأقمار الصناعية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء القريبة. بالإضافة إلى ذلك، فالبيانات التي تُجمع عادةً ما تتأثر بما يعرف بالضوضاء الطيفية، وهو ما يتطلب جهدًا يدويًا كبيرًا لتحليلها وتحديد مواقع تسربات الميثان بدقة.

في هذا السياق، طوّر فريق بحثي من جامعة أكسفورد -بالتعاون مع NIO.space التابعة لشركة شركة “Trillium Technologies”- أداة ذكاء اصطناعي جديدة مفتوحة المصدر، تعمل بنظام التعلم الآلي. تتميز هذه الأداة بقدرتها على تحديد سُحب الميثان باستخدام نطاقات طيفية ضيقة من البيانات الملتقطة بواسطة تقنيات التصوير بالأقمار الصناعية.

مع أن هذه النطاقات توفر معلومات محددة أكثر، فإنها تنتج كميات كبيرة من البيانات، وهذا يساعد في تدريب الذكاء الاصطناعي للتعامل معها بكفاءة.

وُثّق فريق من جامعة أكسفورد تفاصيل هذا المشروع في بحث علمي جديد نُشر في مجلة “Nature Scientific Reports” وكذلك في تقرير خاص بالجامعة.

لتطوير هذا النموذج، استخدم المهندسون بيانات مكثفة تضمنت 167825صورة فائقة الطيف، إذ تغطي كل صورة منطقة تقريبًا بمساحة 0.66 ميل مربع. هذه الصور تم الحصول عليها من خلال قمر صناعي تابع لناسا Airborne Visible/Infrared Imaging Spectrometer (AVIRIS)، الذي كان يحلق فوق منطقة “Four Corners” في الولايات المتحدة. بعد ذلك، تم تعزيز التدريب باستخدام مراقبات مدارية إضافية، بما في ذلك جهاز استشعار “EMIT” فائق الطيف الموجود حاليًا على متن محطة الفضاء الدولية.

يتفوق النموذج الحالي الذي طوره الفريق بدقة أعلى بنحو 21.5% في تحديد سُحب الميثان مقارنة بأفضل الأدوات المتاحة حاليًا، مع تقليل نسبة الأخطاء في الكشف بحوالي 42% مقارنة بالمعايير الصناعية الحالية. وبحسب الباحثين، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه النتائج لن تتحسن مع الوقت.

يقول فيت روزيكا، الباحث الرئيسي وطالب الدكتوراه في جامعة أكسفورد: «ما يجعل هذا البحث مثيرًا وهامًا هو أن العديد من الأقمار الصناعية فائقة الطيف ستُطلق في السنوات القادمة من قبل وكالة الفضاء الأوروبية وناسا وكذلك القطاع الخاص».

يتوقع روزيكا أن هذا التوسع في شبكة الأقمار الصناعية سيتيح للباحثين وحماة البيئة القدرة على اكتشاف تسربات الميثان بدقة في أي مكان حول العالم.

قد تمكن هذه التقنيات الجديدة قريبًا التعاون المستقل والعالمي في تحديد مشكلات إنتاج الغازات الدفيئة وتسربها، ليس الميثان فقط، ولكن أيضًا العديد من الملوثات الرئيسية الأخرى.

حاليًا، تستخدم الأداة البيانات الجغرافية الفضائية المجمعة بالفعل، وليست قادرة على توفير تحليل في الوقت الفعلي باستخدام أجهزة استشعار الأقمار الصناعية المدارية. ومع ذلك، في إعلان جامعة أكسفورد الأخير، أضاف أندرو ماركهام، مشرف مشروع البحث، أن الهدف طويل الأمد للفريق هو تشغيل برنامجهم على حواسيب الأقمار الصناعية، ما يجعل الكشف الفوري حقيقة واقعة.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يلتهم نفسه! فما السبب؟

الذكاء الاصطناعي يصمم روبوتًا يستطيع المشي، فكيف كانت النتيجة؟

ترجمة: محمد حسام

تدقيق: ريم الجردي

المصدر