كالبشر، يعاني الفئران فترةً من فقدان الذاكرة عندما يفقدون ذكريات تجارب الطفولة، يُعلن الباحثون الآن أنّ هذه الذكريات لا تنساها الفئران تمامًا؛ بل ببساطةٍ يغدو تذكُرّها أصعب ويمكن استخراجها من التخزين.

هذه النتائج نُشرت في الخامس من الشهر الحالي ضمن current biology.

وفقًا لهذه الدراسة، تكتب كرستينا ألبيريني (التي درست الذاكرة بمركز علم الأعصاب بجامعة نيويورك ولم تشارك في الدراسة) في بريد إلكتروني لموقع the scientist: «تجارب الحياة المبكرة تترك آثارًا طويلة الأمد حتى لو لم يُعبَّر عنها بالذكريات».

بعد مقابلة المرضى الذين لم يستطيعوا تذكّر سنواتهم الأولى، صاغ سيجموند فرويد لأول مرةٍ مصطلح «فقدان ذاكرة الطفولة» في أواخر القرن التاسع عشر، منذ ذلك الحين، يحاول العلماء فهم سبب تعرض البشر، والقرود، والقوارض على حدٍ سواء لهذه الظاهرة.

وما زلنا نجهل كون تلك الذكريات المفقودة نتيجةً للتخزين غير الملائم أم للتذكّر غير الفعّال.

في الدراسة الأخيرة هذه، سعى بول فرانكلاند (عالم النفس بمشفى الأطفال المرضى في تورونتو) وزملاؤه إلى تحديد أيٍّ من هذه الاحتمالات أُجريت على الفئران.

حتى يُحفَز تكوين الذاكرة في الفئران، وضع العلماء الفئران في صندوقٍ وأعطَوهم صعقةً كهربائية طفيفة جدًا، بينما احتفظ الفئران البالغون بذاكرتهم وتجمدوا في أماكنهم حين وُضِعوا في الصندوق مرة ثانية؛ نسي الفئران الرُضّع ذاكرتهم المتعلقة بالخوف بعد يوم، وتصرفوا طبيعيًّا، إذ واجهوا الصندوق مرةً أُخرى.

تاليًا، استخدم فريق فرانكلاند ضوء الليزر لتحفيز الخلايا العصبية الموجودة في التلفيف المُسنَّن في الحُصين الذي تمّت هندسته ليصبح حسّاسًا للضوء.

اختار الباحثون هذه المنطقة؛ لأن خلاياها العصبية نُشّطت خلال الحَدَث التدريبيّ المبنيّ على الخوف.
عندما وُضع الفئران الرُضّع في الصندوق وشُغّل الليزر، أُعيدت ذكريات الحيوانات باستخدام الصدمة الإلكترونية وتجمدت الفئران في أماكنها.

كان فرانكلاند وزملاؤه قادرين على تشغيل عَصبونات ترميز (تشفير) الذاكرة بعد الصدمة الكهربائية الأولى بـ 15، 30، و90 يومًا.
وفي كل مرحلةٍ وصولًا إلى مرحلة الفتيّة البالغة، تستعيد الفئران ذاكرة الطفولة وتتجمد في أماكنها، إذا وُضعت مجددًا في الصندوق.

وقد أوضح فريق فرانكلاند مُسبقًا أنّ أحد الأسباب التي تُسبب فقدان الذاكرة الطفولي هو أن خلايا الدماغ البالغة تُضيف عَصَبوناتٍ جديدةً إلى منطقة الحُصين، وتستبدل عَصَبونات ترميز الذاكرة.

ومع ذلك، هذه الدراسة تُبَيّن أن الفئران البالغة تميل إلى استبقاء آثارٍ من ذكرياتها الأولى.

يقول فرانكلاند: «إنّ ما نفعله بتحفيز مجموعة العَصبونات -التي تكون نشطةً خلال التشفير- هو إعطاء النظام قليلًا من الدفع»، وأضاف: «نحن لا نوفر المنبهات الخارجية -كالصندوق- فقط بل وبعض التأثيرات الداخلية الذي تدفع بالذاكرة بعض الشيء لتجتاز الحد المُقرّر، وبالتالي تتمكن الحيوانات من التذكر».

كتبت باتريسيا باور (عالمة النفس بجامعة إموري)، والتي لم تكن ضمن البحث في رسالةٍ إلكترونيةٍ إلى :the scientist «الأطفال الأكبر يمكن إعطاؤهم إشاراتٍ لحثّهم على تذكّر أحداث من طفولتهم».

على عكس الفئران، فإن الذاكرة العَرَضيّة لدى البشر لا تعتمد فقط على الحُصين؛ بل وترتبط بصلاتٍ شخصيةٍ أيضًا.

لذا تقول باور: «علينا أن نتوخى الحذر إزاء تعميم تلك الظاهرة على البشر».

تكتب ألبيريني: «الآن، يحتاج هذا المجال إلى فهم أيّ الآليّات تكمن وراء تكوين وتخزين الآثار طويلة الأمد، وكيف يُمكنها التأثير على السلوكيّات في وقتٍ لاحقٍ».

الصورة: عَصَبونات الالتفاف المُسنّن بخلايا مخ الفئران


  • ترجمة: أسماء علي داوود
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر