يوجد شيء مثير للغاية في مركز مجرة درب التبانة، ولعل محيط الثقب الأسود الهائل هو أحد الأماكن الأغرب التي يمكننا البدء منها.

وجد علماء الفلك 6 أجسام غريبة تدور حول Sagittarius A* (الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرتنا)، لا مثيل لها في المجرة. إنها فريدة جدًّا إلى درجة تخصيص تصنيف جديد تمامًا لها، أطلق عليه علماء الفلك اسم الأجسام G (G objects).

لفت الجسمان G1 وG1 نظر علماء الفلك لأول مرة في العقدين الماضيين، وذلك بمداريهما وطبيعتيهما الفريدة، القادرة على إحداث التراكب النجمي لسنوات، إذ تبدو هذه الأجسام كغيوم غازية عملاقة تقدر بمئة وحدة فلكية عرضيًّا، وتزيد على ذلك كلما اقتربت من الثقب الأسود، مترافقةً مع أطياف انبعاثات من الغاز والغبار، والغريب أن G1 وG2 لا يسلكان سلوك السحب الغازية! قالت عالمة الفيزياء الفلكية Andrea Ghez من جامعة كاليفورنيا: «تبدو هذه الأجسام كالغاز، لكنها تسلك سلوك النجوم».

درست Ghez وزملاؤها مركز المجرة لأكثر من 20 عامًا، واستخلصوا العديد من البيانات، واعتمد فريق من الفلكيين بقيادة عالمة الفلك من جامعة كاليفورنيا Anna Ciurlo هذه البيانات لتحديد 4 أجسام إضافية: G3و G4و G5 وG6، تجول معًا على مدارات مختلفة بسرعات أكبر منG1 وG2، إذ إن للأجسام G فترات مدارية تتراوح بين 170 و1,600 سنة.

اكتشاف أجسام غريبة في مركز المجرة لا مثيل لها في درب التبانة - الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرتنا - الانبعاثات النارية الملتهبة من الثقب الأسود

لم يتضح حتى الآن ماهية هذه الأجسام تمامًا، إلا أن الاتساق التام الذي شوهد سنة 2014 في المنطقة المحيطة بـ G2 -وتُعَد أقرب نقطة دوران مرصودة حول الثقب- كان حسب اعتقاد Ghez ذا دلالة كبيرة، إذ قالت: «بدا G2 في اقترابه من الثقب الأسود مثيرًا حقًا، إذ لم يبدُ مختلفًا بهذا الشكل منذ أن بدأنا رصده، فقد بدأ يتمدد، ويتفتت غازه، وتحول من الاستقرار إلى حالة من التمدد والتشوه عند اقترابه الشديد من الثقب، وفقد غلافه الخارجي، لكنه استعاد تماسكه الآن».

كان يُعتقد سابقًا أن G2 سحابة من غاز الهيدروجين على وشك أن تتمزق بواسطة Sgr A*، مسببةً بعض الانبعاثات النارية الملتهبة من الثقب الأسود الفائق، في ظاهرة تُعرف بتلاشي الأشعة الكونية cosmic fizzle، لكن ذلك لم يحدث.

يعتقد علماء الفلك أن السر يكمن في النجوم الثنائية الهائلة، إذ تُحبس هذه النجوم التوائم غالبًا في مدار مشترك، مؤديةً سلوكها النجمي، وتتصادم أحيانًا مشكّلةً نجمًا واحدًا كبيرًا – تمامًا كما تتصادم الثقوب السوداء المزدوجة- وعندها تتولد سحابة هائلة من الغبار والغاز تحيط بالنجم الجديد لما يقارب المليون عام بعد التصادم.

أضافت Ciurlo: «لابد أن شيئًا ما قد حافظ على G2 في حالة تماسك، وأتاح له أن يبقى حيًّا بعد مواجهة الثقب الأسود، ما يدل على طبيعة نجمية».

لكن ماذا عن الأجسام الخمسة الأخرى؟ لابد أنها نتجت عن اندماجات نجوم ثنائية أيضًا. أكثر النجوم في مركز المجرة ضخم للغاية، ومعظمها ثنائيات، وقوى الجاذبية القصوى الموجودة حول Sgr A* كافية لزعزعة استقرار المدارات الثنائية بتردد نسبي، قالت Ghez: «لعل اندماجات النجوم تحدث في هذا الكون أكثر مما نتصور، بل من المرجح أنها شائعة للغاية».

قد تكون الثقوب السوداء هي سبب اندماج النجوم الثنائية، وقد تكون هذه الأجسام الغريبة ناتجة عن اندماجات نجوم ثنائية وقد خمدت الآن، فنحن ما زلنا نتعلم عن نشأة المجرات والثقوب السوداء وتطورها إلى اليوم.

إن طريقة تفاعل النجوم الثنائية مع بعضها ومع الثقوب السوداء تختلف كثيرًا عن النجوم الأحادية، ويبدو أن لدى أجسام G الكثير من الأمور المشتركة التي لا يمكن إدراكها إلا بتوسيع مجموعة البيانات التي قد تزودنا بالمزيد من المعلومات في هذا المجال.

ما زال أمامنا الكثير لاكتشافه، مثل الانبعاثات النارية الغامضة التي رُصدت تندلع من Sgr A* العام الماضي، هل كان هذا رد فعل متأخر من محيط G2؟ أم أن تلاشي الأشعة الكونية لم يبلغ حده الأقصى بعد؟ ليس بوسعنا إلا أن نتابع مراقبة سلوك هذا الثقب الأسود الهائل غريب الأطوار لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.

اقرأ أيضًا:

الثقب الأسود الهائل في مجرتنا يطلق ضوءًا ساطعًا غامضًا

كيف تشكلت النجوم ؟

ترجمة: م. دلال الشماع

تدقيق: عبد الله كريم

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر