إذا وقفت على المنحدرات الصخرية المعرضة للرياح الممتدة على طول ساحل اسكتلندا الغربي، ستكون محظوظًا عنذ رؤيتك لطيور البفن البحرية، لكن الحظ بالنسبة لعلماء الأحفوريات القديمة تمثل باكتشافهم أدلةً على أن هذه المنطقة كانت موطنًا لصفوف متنوعة من الوحوش القديمة المذهلة. وسّع اكتشاف هذه المجموعة الجديدة من الأحفوريات قائمة جمهرات الديناصورات التي استوطنت المنطقة المسماة بجزيرة سكاي، ويعود أحد هذه الآثار إلى واحد من أشهر حيوانات رتبة العاشبات مصفحة الظهر وهو الستيغوصور Stegosauria.

أمضى باحثون اسكتلنديون وبرازيليون السنتين الماضيتين وهم يفحصون موقعين أثريين وُجدا مؤخرًا في منطقة من الساحل الشرقي الشمالي للجزيرة، يطلَق عليه برذرز بوينت Brothers Point، ويوضح عالم الأحفوريات القديمة من جامعة إدينبرغ ستيفان بروسات أهمية هذين الموقعين في قوله: «منَحَنا هذان الموقعان الأثريان الجديدان صورةً أفضل عن الديناصورات التي استوطنت اسكتلندا منذ 170 مليون سنة».

كانت الأراضي المكوِّنة للجزر البريطانية في تلك الفترة شديدة الاختلاف عما هي عليه اليوم، فاسكتلندا في العصر الجوراسي كانت قريبةً من خط الاستواء على امتداد الصف الذي تتموضع فيه اليونان حاليًا، فقد شكلت البحار الدافئة والمناخ شبه الاستوائي نظمًا بيئيةً مفعمةً بالحياة. مع ذلك لم تكن تلك الجنة الافتراضية مثاليةً للحفاظ على بقايا الحياة القديمة.

اكتشاف أول أثر للستيغوصور في اسكتلندا - الديناصورات التي استوطنت اسكتلندا منذ 170 مليون سنة - الأحفوريات - الآثار الحفرية

عمومًا، لم يكن العصر الجوراسي لطيفًا بما يكفي للحفاظ على الآثار الأحفورية، لكن اسكتلندا بالتحديد كانت تبدو فقيرةً بآثار الديناصورات وعظامها.

على الرغم من غنى تاريخ الاكتشافات الأحفورية على امتداد أراضي المملكة المتحدة، فإن أول آثار حياة الديناصورات في اسكتلندا لم تُكتشف حتى بدايات ثمانينيات القرن الماضي عندما وجد عالما الأحفوريات جون هادسون وجوليان أندرو طبعةً تعود لديناصور ضخم على صخرة كلسية في منطقة برذرز بوينت، ومنذ ذلك الوقت تعرّف الباحثون على العديد من الآثار التي تنتمي إلى مجموعة واسعة من ديناصورات السوروبود sauropod طويلة العنق وديناصورات الثيروبود theropod مسطحة القدم؛ فتحولت جزيرة سكاي بذلك إلى قبلة للباحثين المهتمين بالعصر الجوراسي.

تضمنت آخر الاكتشافات حفرًا بحجم إبريق الشاي لم تُرَ في أي مكان آخر على الجزيرة، تمثل طبعات لديناصورات تنتمي لصنف الديلتابود deltapodus .
يبين بروسات أهمية هذا الموقع لعلماء الأحفوريات في قوله: «جَعَلت هذه الاكتشافات جزيرة سكاي أحد أفضل الأماكن في العالم لفهم تطورات الديناصورات في منتصف العصر الجوراسي».

مع كل هذه الاكتشافات لم يتسرع الباحثون في محاولة تحديد أنواع الديناصورات المسببة لهذه الآثار بالتفصيل ملتزمين الحذر من القفز بالاستنتاجات، لكن من العادل القول إن هذه المجموعة من الديناصورات تتضمن نوعًا بحجم البقرة يتميز بوجود صفائح ذات أشكال هندسية تُزيِّن هيكله العظمي، ومجموعة من الأشواك الحادة في ذيله متموضعة بشكل تاغوميزي (تموضع مميز للأشواك في ذيل الديناصورات).

اكتشف الفريق أيضًا نوعًا محتملًا جديدًا آخر -قد يضاف إلى القائمة- دلت عليه آثار أقدامه الضخمة ذات الأصابع الصغيرة الثلاث، لتشير إلى انتمائه لمجموعة من العاشبات ثقيلة الوزن يطلَق عليها أورنيثوبود ornithopod.

يقول بروسات: «عَلِمنا سابقًا عن السوربود طويل العنق والكارنيفور carnivore الذي يشبه سيارة الجيب في حجمه، والآن يمكننا أن نضيف الستيغوصور مصفح الظهر الذي قد تكون الديناصورات ذات منقار البطة من أسلافه البدائية إلى تلك القائمة».

لا تقتصر أهمية الآثار على الأدلة المحيرة التي قدمتها عن مرور السنغوصورات بساحل اسكتلندا الموحل، فقد شكّل عمر هذه الآثار أول الدلائل على وجود هذا النوع من الديناصورات.

عُثر على آثار للستيغوصور عام 2019 في جبال أطلس الوسطى في المغرب، يصل عمر هذه الآثار إلى 168 مليون عام تقريبًا، وتُعد البقايا الأحفورية العائدة لجنس الأدراتكليت بولحفة Adratiklit Boulahfa أقدمها.

يصل عمر الآثار المكتشفة في برذرز بوينت إلى 170 مليون عام، وبالرغم من عدم وجود طريقة لتأكيد نوع الستيغوصور الذي خلفها وراءه، فإنها تساعد في تشكيل خط زمني وتصنيفات تصف تطورها. ويتابع الكاتب الرئيس في الدراسة من جامعة إدينبرغ جين دي بول في وصف أهمية هذه الآثار قائلًا: «وبالتحديد، آثار الديلتابود تمنحنا دليلًا جيدًا على أن الستينغوصورات استوطنت جزيرة سكاي في تلك الفترة».

مع وجود هذه التشكيلة المتنوعة من الآثار في الجزيرة، شكّلت هذه البقعة من اسكتلندا مسرحًا يعرض لنا فترةً من تاريخ التطور! تتمثل هذه الفترة في نهايات العصر الجوراسي، حين كانت الحيوانات الكلاسيكية في بداية تطويرها لمميزاتها الشهيرة وفي بداية انتشارها حول العالم.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف ابن عم للديناصورات تي ريكس

اكتشاف أحفورة تمثل حلقة وصل بين الديناصورات والطيور

اليوم الأخير للديناصورات: لمحة عن كارثة الكويكب

أظهر علماء في وكالة ناسا ديناصورات تتجول في الطرف الآخر من مجرة درب التبانة

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: تسنيم الطيبي

المصدر