إن خلق الحياة من عدة مكونات عضوية عملية معقدة، إذ تحتاج إلى مجموعة كبيرة من المكونات الموجودة جميعها في المكان نفسه وفي الظروف الصحيحة. في حين قد يكون تحديد الظروف بدقة موضع نقاش، فإن لدينا فكرةً جيدة عن العناصر المطلوبة الموجودة على الجدول الدوري.

لقد عُثِرَ مؤخرًا على مكون حاسم وهو الفوسفور في أطراف مجرة درب التبانة، أحد آخر الأماكن التي توقع العلماء أن يظهر فيها. وذلك لأننا لا نجد نوع النجوم الضخمة المسؤولة عن تكوين الفوسفور عادةً هناك.

تقول عالمة الفلك والكيميائية لوسي زيوريس من جامعة ولاية أريزونا ومرصد ستيوارد: «لصنع الفوسفور تحتاج إلى نوع من الأحداث العنيفة، إذ يُظن أن الفوسفور يتكون في انفجارات السوبرنوفا، ولهذا نحتاج إلى نجم يزيد وزنه على الأقل عن 20 مرةً عن وزن الشمس».

اكتشاف الفوسفور بعيدًا عن أي نجوم ضخمة أو بقايا سوبرنوفا يشير إلى وجود وسيلة أخرى لتشكيل هذا العنصر الحيوي للحياة.

تكون جميع العناصر التي تراها من حولك مصنوعةً من قبل النجوم. عندما تتكثف الذرات الأولى في الكون من البلازما البدائية، اتخذت غالبًا شكل الهيدروجين وقليلاً من الهيليوم. كل الأشياء الأخرى لم تظهر حتى جاءت النجوم، فهي تمثل آلات اتكسير الذرات، وتدمج العناصر معًا في مراكزها لتكوين عناصر أثقل.

لكن العناصر التي ينتجها النجم تعتمد على كتلته، يمكن النجوم بحجم شمسنا والأصغر أن تُسهِّل تفاعلات الانصهار التي تبني العناصر الخفيفة مثل الليثيوم والبيريليوم في أثناء اندماج الهيدروجين والهيليوم. يمكن أن يحدث نوع آخر من الاندماج في نجوم أكبر بكثير والذي قد يؤدي إلى ظهور عناصر مثل الأكسجين والنيتروجين.

لا يتبع الفوسفور سلسلة اندماج النجم، ولكن يعرف عنه أنه يتكون في أثناء انفجارات السوبرنوفا.

توجد فائدة أخرى لانفجارات السوبرنوفا التي لا تحدث إلا لنجوم كبيرة الكتلة: إنها تنفجر بالعناصر في الفضاء، زارعةً المواد الثقيلة في الوسط بين النجمي وأجسام أخرى مثل الكواكب والشهب.

ولكن لا يمكن تشكيل نجوم ضخمة إلا في المناطق التي يوجد فيها ما يكفي من المواد لإطعامها. تصبح المادة أقل كثافةً بعيدًا عن مركز المجرة، لذلك لا يتوقع أن تتمكن النجوم الضخمة من التشكل في الأطراف. وهذا يجعل اكتشاف الفوسفور في سحابة تعرف باسم WB89-621 على بُعد حوالي 74000 سنةً ضوئية من قلب درب التبانة لغزًا كبيرًا.

تقول الكيميائية ليليا كويلماي من جامعة ولاية أريزونا: «الفوسفور الذي اكتشفناه على حافة المجرة، حيث لا ينبغي أن يكون، وهذا يعني وجود وسيلة أخرى لتكوين الفوسفور».

يوجد تفسيران رئيسيان. الأول هو النافورة المجرية، هذا هو نموذج يقترح أن تُنقَل العناصر من المناطق الداخلية للمجرة إلى المناطق الخارجية بواسطة انفجارات السوبرنوفا التي تطرد المواد خارج القرص المجري إلى الهالة، حيث تتبرد وتمطر مرة أخرى.
يقول الباحثون إن هذا أمر غير مرجح، إذ يوجد قليل من الأدلة المراقبة على النوافير المجرية، ولن ينقلوا المواد بعيدًا على أي حال.

لكن هناك احتمال آخر، فقبل بضع سنوات اكتشف الفلكيون أن النجوم ذات الكتلة الأقل يمكن أن تنتج الفوسفور أيضًا، ليس في انفجار ولكن في المنطقة التي تحيط تمامًا بنواتها يعملية تعرف باسم التقاط النيوترون. هناك، يمكن لنظائر السيليكون أن تلتقط نيوترونات إضافية لتكوين الفوسفور. يشير اكتشاف الفوسفور بعيدًا عن مصدر أي مكون للسوبرنوفا إلى أن هذا النموذج قد يكون صحيحًا بشكلٍ ما.

وهذا خبر مثير حقًا، لأن الفوسفور هو آخر عنصر في ما يعرف بعناصر NCHOPS – (النيتروجين والكربون والهيدروجين والأكسجين والفوسفور والكبريت)- الذي تعرفنا عليه في أطراف المجرة.

تقول زيوريس: «كي يكون الكوكب قابلاً للحياة التي نعرفها، يجب وجود جميع عناصر NCHOPS ، ووجودها يحدد المنطقة المجرية الصالحة للحياة. باكتشافنا للفوسفور، عثرنا على جميعها الآن على حافة المجرة، ما يوسع المنطقة الصالحة للحياة لتمتد حتى أطراف المجرة».

لم يأخذ الفلكيون فعليًا في اعتبارهم أطراف المجرة في البحث عن الحياة خارج المجموعة الشمسية لأنهم ظنوا أنه لا يوجد هناك ما يكفي من الفوسفور. هذا الاكتشاف يعني أننا يمكن أن نوسع البحث.

تقول الكيميائية كاثرين جولد من جامعة ولاية أريزونا: «نأمل أن يحفز اكتشاف الفوسفور على حافة المجرة دراسات الكواكب الخارجية البعيدة».

اقرأ أيضًا:

قد نعثر على حياة خارج الأرض لكنها قد تكون مختلفة تمامًا عن نظام الحياة الذي نعرفه

هل قتلت ناسا الحياة على سطح المريخ في عام 1976؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: باسل حميدي

المصدر