قد يكون كوكب الزهرة مسمومًا وجحيمًا، ولكن دليلًا جديدًا يقترح أنه قد يكون شبيهًا بالأرض أكثر مما نتصور. توَصل العلماء إلى دليل بأنَ كوكب الزُهرة قد يمتلك صفائح تكتونية تحتك ببعضها بعضًا، لا تختلف في شكلها عن الصفائح المتكسرة للجليد. إنها لا تماثل الصفائح التكتونية لقشرة الأرض، لكن هذا الاكتشاف يقترح بأنَ قشرة الكوكب ليست غلافًا صخريًا متصلًا حول الكوكب، وأنَ تيارات الحمل الحراري تدور في الأسفل.

هذا الاكتشاف لا يقدم لنا معرفة إضافية عن كوكب الزهرة فحسب، بل يمكن أن يساعدنا على فهمٍ أفضل لتطور وديناميكية حركة الصفائح التكتونية للأرض في وقتٍ مبكر من تكون القارات.

يقول عالم الفلك بول بايرن من جامعة ولاية كارولينا الشمالية: «لقد حددنا نمطًا غير معروف سابقًا للتشوه التكتوني على كوكب الزُهرة، حيث تكون الصفائح التكتونية مدفوعةً بالحركة الداخلية تمامًا كما هو الحال على الأرض. مع أنها مختلفة عن الصفائح التكتونية للأرض ، فإنها ما تزال دليلًا على أن حركة داخلية للصفائح تحدث ويُعبّر عنها -بشكل تشوهات- على سطح الكوكب».

الأرض كرة غريبة صغيرة وفريدة من نوعها في المجموعة الشمسية من عدة نواحٍ. إحدى تلك النواحي هي نظام الصفائح التكتونية، وهي: قشور صخرية متنقلة تتصادم وتتداخل مع بعضها، أو تندس إحداها تحت الأخرى، تتنقل حول طبقة كوكبية داخلية ساخنة منصهرة.

لا نرى هذا النوع من النشاط على عطارد، أو المريخ، أو القمر. ولا نراه حتى على كوكب الزُهرة، وهو أمر غريب، مع الأخذ بعين الاعتبار التشابه في الحجم والتركيبات الجيولوجية للزُهرة والأرض.

اتخذ الكوكبان مسارين مختلفين للتطور، بالرغم من أوجه التشابه بينهما، وسبب ذلك غير مفهوم بشكل جيد حتى الآن. إذا تمكنا من معرفة كيف ولماذا تحولت الأرض والزهرة، إلى عالم من المحيطات والأراضي الخصبة و المزدهرة والآخر إلى عالم آخر من المساحات القاحلة الحارقة شديدة الحرارة، فسوف يكون لدينا خبرة أفضل في التعامل مع الكواكب الخارجية المماثلة، الموجودة هناك في المجرة الواسعة.

عندما كان بايرن وفريقه يرسمون خرائط لسطح كوكب الزهرة، باستخدام صور الرادار التي التقطتْ في التسعينات بواسطة مسبار ماجلان التابع لوكالة ناسا لاحظوا أن في الأراضي المنخفضة بعض السمات التي تشير إلى حركة واسعة النطاق لصفيحة تكتونية؛ إجهاد سطحي وتشوه بسبب حركة وتداخل الصفائح الصخرية الكبيرة (الصفائح التكتونية).

لمعرفة إن كان ما يرونه يطابق توقعاتهم، أجرى الفريق عملية النمذجة، فشكلوا تصميمًا يحاكي ما يرونه على سطح الزُهرة. وتوصلوا إلى أن تيارات الحمل الحراري التي تتدفق تحت قشرة كوكب الزُهرة قد تكون هي السبب بالظواهر المرصودة على سطح الكوكب، إذا كانت القشرة مقسمة إلى قطع كبيرة، بدلًا من الصفائح.

يوضح بايرن: «تتحرك الصفائح التكتونية على للأرض بواسطة الحمل الحراري في طبقة الدثار أو الوشاح، وهي طبقة أرضية تحتية تقع فوقها مباشرة القشرة الأرضية التي نعيش عليها. تمتلك طبقة الدثار أماكن حارة وأخرى باردة نسبيًا، إنها تتحرك، وبالتالي بعضٌ من تلك الحركة تنتقل إلى سطح الأرض بشكل صفائح متحركة».

«تفاوتات أخرى لهذه السمة نراها تحدث على كوكب الزُهرة أيضًا. بالرغم من أنها ليست صفائح تكتونية كالتي على الأرض، فلا توجد سلاسل جبلية ضخمة تتكون، أو أنظمة اندساس عملاقة (نظام الاندساس: يعني غوص صفيحة تكتونية تحت صفيحة أخرى)، لكن هذا يُعد دليلًا للتشوه السطحي الحاصل بسبب تدفق الحمل الحراري الداخلي في طبقة الدثار، ظاهرة كتلك لم تُرَ أو تُثبت على نطاق عالمي من قبل».

تشير الأدلة الحديثة أيضًا إلى أنَ كوكب الزهرة ربما ما زال نشطًا بركانيًا. وجدت دراسة نُشرت في العام الماضي أن السمات والآثار البركانية على سطح الكوكب حديثة نسبيًا. نحن نعلم أيضًا أن معظم سطح الكوكب قد تغير بواسطة البراكين في المليار سنة الماضية أو نحو ذلك.

من أجل تكوين السمات التي لاحظها فريق بايرن، يجب أن تكون الآثار أو التشوه التكتوني المرصود قد حدث بعد عملية تغير سطح الكوكب. يشير هذا إلى أن النشاط البركاني ليس حديثًا نسبيًا فحسب، بل ربما ما يزال مستمرًا.

يشير هذا إلى مرحلة متوسطة من النشاط التكتوني، على سلسلة متصلة بين القشرة السطحية الكروية الثابتة لعطارد، والمريخ، والقمر، وحركة الصفائح التكتونية الضعيفة للأرض. يمكن أن يساعدنا هذا في فهم الكواكب الخارجية في منطقة الزهرة (Venus Zone: وهي منطقة مدارية نظرية حول نجم ما، ينتج عنها كوكب شبيه للأرض، موجود في مداره، يعاني من الاحتباس الحراري، مشابه لما يحدث على كوكب الزهرة في مجموعتنا الشمسية) التي تدور حول نجومها المضيفة، ويساعدنا أيضًا على فهم باطن الكواكب الصخرية.

إضافة إلى ذلك، فإن هذا الاكتشاف قد يقدم بعض الأفكار حول العمليات والتحركات التكتونية في وقت مبكر من عمر الأرض.

يقول بايرن: «ويعتمد سمك الغلاف الصخري للكوكب بشكل أساسي على درجة حرارة الكوكب، سواء في باطنه أو على السطح».

«كان تدفق الحرارة من باطن الأرض في السابق -في بدايات تكون الأرض- أقوى بثلاث مراحل مما هو عليه الآن، لذلك قد يكون سمك الغلاف الصخري للأرض الفتية مشابهًا لما نراه على كوكب الزهرة اليوم: ليس سميكًا بما يكفي لتشكيل الصفائح التي تتداخل أحدها تحت الأخرى، ولكنها سميكة بما يكفي لتكون مجزأة إلى كتل حيث تتدافع، وتُسحب وتتصادم».

ستخبرنا عمليات الرصد المستقبلية لبعثات الزُهرة القادمة من قبل وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية بالمزيد عن هذا الاكتشاف الرائع.

اقرأ أيضًا:

البراكين على كوكب الزهرة ماتزال نشطة

ناسا تعلن عن بعثتين جديدتين إلى كوكب الزهرة بحلول عام 2030

ترجمة: رفيف داود

تدقيق: حسين جرود

المصدر