قد تمثل الأفكار السلبية خطرًا على صحتك؛ إذ إنها مثل الأغنية العالقة في رأسك لا تستطيع إبعادها عن ذهنك ولا التوقف عن التفكير بها. قد نحاول كبتها أحيانًا، لكننا نفشل وتعاود هذه الأفكار الظهور مرارًا وتكرارًا.

في دراسة جديدة، وجد الباحثون أن مواصلة التفكير بالأفكار السلبية حتى بعد محاولتنا كبتها قد يكون ناتجًا عن استمرار وجودها في جزء آخر من الدماغ.

يوضح هذا الاكتشاف أن كبت الأفكار السلبية المتكررة ليس استراتيجية جيدة لإراحة دماغنا والحفاظ على صحتنا العقلية، وهذا ما أكدته الدراسات الكلاسيكية منذ البداية.

يقول مؤلفو الدراسة: «تُقدم هذه النتائج دليلًا عصبيًا جديدًا على تغلغل الأفكار المكبوتة في الدماغ، وتكشف شبكة من المناطق الدماغية التي نستطيع استهدافها لعلاج اضطرابات الأفكار التطفلية مثل اضطراب ما بعد الصدمة».

اكتشف العلماء أين تختبئ الأفكار غير المرغوب بها في الدماغ - مواصلة التفكير بالأفكار السلبية - محاولة نسيان الذكريات السيئة

اختبر الباحثون ذلك بدراسة محتوى حيادي من الأفكار؛ إذ سجل الفريق خريطة للنشاط الدماغي لخمسة عشر شخصًا في أثناء محاولتهم كبت أية أفكار أو صور إما لتفاحة حمراء أو لبروكلي أخضر. يتمثل التحدي في تجنب التفكير بالتفاحة أو البروكلي مدة 12 ثانية فقط، وذلك بعد حثّ المشاركين على تخيل إحداهما لإبقاء أذهانهم صافية (ولا يجب التفكير بصورة أخرى بدلًا عن المطلوب).

بعد إتمامهم سلسلة المهام، نجح 8 مشاركين في كبت أية أفكار أو صور للفاكهة أو الخضار، لكن مسوح أدمغتهم تبدي عكس ذلك.

استخدمت تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتسجيل نشاط أدمغتهم، إذ إنها تظهر تبدلات الجريان الدموي. ثم استخدمت خوارزمية حاسوبية لتحليل البيانات، وهي مصممة لكشف الاختلافات بين أنماط النشاط الدماغي في أثناء التفكير بالفاكهة أو الخضار.

يقول العالم في علوم الأعصاب المعرفية روجر كونيغ – روبيرت من جامعة موناش في أستراليا: «باستخدام هذه الخوارزمية نستطيع رؤية ما يتخيله المشاركون حتى وهم غير واعين لذلك».

أظهرت المسوح أن التفكير الإرادي بالفاكهة أو الخضار نشّط النصف الأيسر من أدمغة المشاركين، بينما أضاء (تنشّط) النصف الأيمن عند محاولتهم كبت هذه الأفكار.

يقول العالم في علوم الأعصاب المعرفية جويل بيرسن من جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني: «كشفنا تمثيلًا مرئيًا للأفكار في أدمغة المشاركين حتى عندما اعتقدوا أنهم نجحوا بدفع تلك الأفكار بعيدًا عن مخيلتهم».

وأضاف: «يبدو أن القشرة البصرية تولد الأفكار عند الأفراد دون وعيهم لها، وهذه المنطقة هي المسؤولة عن التخيلات الذهنية في الدماغ. يشير ذلك إلى أن الصور التخيلية قد تتشكل حتى في أثناء محاولتنا كبح ظهورها».

على وجه التحديد، التمثيلات القشرية لتخيلات المشاركين البصرية عن الطعام استمرت بالظهور في القشرة القذالية الوحشية، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن التعرف على الأشياء.

يقول المؤلفون في ورقتهم البحثية: «تقترح هذه النتائج أن محتوى الأفكار المكبوتة يوجد خارج الوعي دون معرفة الشخص لذلك، وهذا ما يفسر حقيقة أن كبت الأفكار ليست استراتيجية فعالة للتخلص منها».

لكن كبت الفكرة يعني تجنب التفكير بعنصر واحد وعدم استبداله بعنصر آخر بالإضافة إلى تجنب تشتيت الذهن بأي شيء، وفي هذه الحالة لا يستطيع الباحثون التيقن تمامًا من أن المشاركين الخمسة عشر لم يشتتوا أذهانهم بأفكار أخرى لتجنب التفكير بالتفاح أو البروكلي.

نحن بحاجة إلى دراسات مستقبلية تتضمن أعدادًا أكبر من المشاركين، بالإضافة إلى تجارب أخرى تحدد ما يحدث في الدماغ عندما يستبدل المشاركون الفكرة بأخرى غيرها بدلًا من محاولة كبتها.

في بحث سابق نشر في 2019 لنفس الفريق، اقترح أن استبدال الفكرة أكثر فعالية من محاولة كبتها في سياق التحكم بالأفكار.

ولا شكّ إن الاستلقاء داخل جهاز ماسح للدماغ والتفكير بالفاكهة والخضار يختلف كثيرًا عن هموم الحياة اليومية أو الأنماط الفكرية الناتجة عن مشكلات الصحة العقلية، لكن هذه النتائج تشكل خطوة للأمام نحو فهم أفضل لعقولنا، وتساعدنا على معرفة سبب صعوبة التحكم بالأفكار غير المرغوبة.

اقرأ أيضًا:

فقدان الشهية العصبي، خوف مبالغ فيه أم مرض مدمر؟

علم النفس المرضي

لماذا الأفكار السلبية ضرورية للصحة النفسية؟

ترجمة: محمد عيسى

تدقيق: غزل الكردي

المصدر