أدرك الخبراء منذ فترة طويلة قدرة الأفعى على استشعار الاهتزازات الصوتية المنقولة أرضًا، أو ما نسميه اصطلاحًا بالاستشعار اللمسي. لكنهم غير متيقنين من قدرتها على سماع الاهتزازات الصوتية المنقولة بالهواء، وتحديدًا من كيفية تفاعلها مع الأصوات.

وجد الخبراء في بحث جديد نُشر في مجلة PLOS ONE أن الأفعى تستعين بحاسة السمع لمساعدتها على التفاعل مع المحيط، وبددوا بهذا الاكتشاف الأسطورة القائلة إن الأفعى صماء تجاه الأصوات المنقولة في الهواء.

تضمنت هذه الدراسة 19 أفعى مختلفة من 7 أنواع، تبين خلالها أن للثعابين حاسة سمعية للأصوات المحمولة جوًا، وأن استجابة الثعابين لما تسمعه تتباين على اختلاف أنواعها.

كيف تستجيب الأفعى للأصوات المحمولة برًا أو جوًا؟

تعتمد الأفعى على وسليتين أساسيتين للإحساس ببيئتها: رؤية الهواء وتذوقه. لكن هذه الدراسة ظهرت لتسلط الضوء على حاسة السمع التي تؤدي دورًا مهمًا في ذخيرة الأفعى الحسية.

تبدو هذه الفكرة منطقيةً من منظور تطوري، فالأفعى معرضة لخطر الحيوانات المفترسة كسحالي الورل والقطط والكلاب والثعابين الأخرى. تؤدي حاسة السمع في هذه الحالة دورًا مهمًا لتجنب الحيوانات المفترسة والإصابات الناجمة عن الدهس على سبيل المثال.

تعاون الباحثون في هذه الدراسة مع أعضاء من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا لتجهيز غرفة عازلة للصوت اختبروا فيها أفعى واحدة كل مرة.

استخدموا حالة الصمت عنصرًا للتحكم والمقارنة، وشغلوا واحدًا من ثلاثة أصوات، تراوحت تردداتها بين ثلاثة مجالات هي 1-150 هرتز، و150-300 هرتز، و300-450 هرتز. علمًا أن نطاق الأصوات التي يصدرها البشر يتراوح بين 100-250 هرتز، وتغرد الطيور عند التردد 8000 هرتز تقريبًا.

في دراسة سابقة، علق الباحثون أفاعي جرسية غربية ماسية الظهر Crotalus atrox في سلة شبكية فولاذية، وراقبوا استجاباتها السلوكية المقيدة لأصوات تتراوح تردداتها بين 200 و400 هرتز.

زرع الباحثون في دراسة أخرى أقطابًا كهربائية جراحيًا في أدمغة أفاعي مخدرة جزئيًا بهدف رصد الاستجابات الكهربائية المحتملة لأصوات تصل تردداتها إلى 600 هرتز.

لكن الدراسة الجديدة هي أول تجربة تبحث في كيفية استجابة أنواع متعددة من الأفاعي للأصوات في مساحة يمكنها التحرك فيها بحرية. وللتأكد من عزل تأثير الأصوات المنقولة في الأرض ومن أن الأفاعي ترصد الأصوات المحمولة جوًا، استخدم الباحثون مقياس تسارع لتحري ما إذا كانت الأصوات تنتج اهتزازات أرضية.

هل تتحرك الأفعى باتجاه الأصوات أم بعيدًا عنها؟

أظهرت معظم الأفاعي أنماطًا مختلفة من السلوكيات في التجارب الصوتية مقارنةً بمجموعة الضبط.

تنتشر أفاعي ووما من جنس Aspidites ramsayi في المناطق الداخلية القاحلة من أستراليا، وهي أفاعي غير سامة. زادت حركتها في هذه التجربة كثيرًا استجابة للصوت واقتربت منه بالفعل. أظهرت أيضًا سلوكًا مثيرًا للاهتمام يُسمى المراقبة المحيطية ترفع فيه الأفعى الثلث الأمامي من جسدها بصورة توحي بشعورها بالفضول.

على النقيض من ذلك، كانت الأفاعي من جنس الأفاعي الشائكة Acanthophis وأفاعي التايبان Oxyuranus والأفاعي البنية Pseudonaja أكثر ميلًا للابتعاد عن الصوت، ما يشير إلى سلوك تجنبي محتمل.

تعتمد الأفاعي الشائكة الملقبة بمضيفات الموت في صيد فرائسها على إنشاء الكمائن والفخاخ، فهي تنتظر قدوم فريستها إليها بإغرائها بالطعم الموجود في نهاية ذيلها الذي يشبه الدودة في حركته، ولا يمكنها التنقل بسرعة، لذلك من المنطقي أن تميل للابتعاد عن الأصوات، فالنجاة بالنسبة لها تعني تجنب التعرض للدوس من الفقاريات الكبيرة كالكنغر والوومبت والبشر أيضًا.

أفاعي التايبان والأفاعي البنية من ناحية أخرى هي مطاردات تلاحق فرائسها بسرعة خلال النهار. ما يعني أنها تكون معرضة لخطر الحيوانات المفترسة خلال النهار مثل الطيور الجارحة. بدت هذه الأفاعي في التجربة تملك حواس حادة، ومن المرجح أن تظهر أفاعي التايبان على وجه الخصوص سلوكيات دفاعية وحذرة استجابة للصوت.

هل الأفعى تسمع؟

تفضح هذه الدراسة الادعاء القائل إن الأفاعي صماء. تملك الأفعى حاسة سمع لكنها غير قادرة على السماع كالبشر، إذ يمكنها سماع ترددات منخفضة فقط أدنى من 600 هرتز تقريبًا، في حين يملك البشر مجالًا أوسع بكثير، أي أن الأفاعي تسمع على الأرجح نسخًا مكتومة من الأصوات التي نسمعها.

يتراوح تردد الأصوات التي يصدرها البشر بين 100 و250 هرتز اعتمادًا على الجنس. تضمنت الأصوات المُستخدمة في هذه الدراسة هذه الترددات، وشُغلت الأصوات على بعد 1.2 مترًا من الأفاعي بشدة صوتية 85 ديسبل، وهي شدة صوتية مكافئة لصوت عالٍ.

استجابت الأفاعي في الدراسة لهذه الأصوات بصورة ملحوظة. لذا ربما يمكننا القول إن الثعابين يمكنها سماع الناس يتحدثون بصوت عالٍ أو يصرخون. لكن هذا لا يعني أنها عاجزة عن سماع شخص ما يتحدث بصوت عادي -المحادثة العادية تصل شدتها الصوتية إلى 60 ديسبل- إذ لم تُختبر أصوات بهذه الشدة في الدراسة.

اقرأ أيضًا:

مسكنات للألم من سم الأفعى المجلجلة

ردود أفعالنا البطيئة تعود إلى تطوير مقاومة جزئية لسم أفعى الكوبرا!

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر