لقد ألهم فن طي الورق القديم المعروف بالأوريغامي تصميم عدد كبير من قطع المعدات التي تستخدمها كالة ناسا لمهمات الفضاء، مُتيحًا للعلماء توظيف العديد من التقنيات ضمن مساحة صغيرة.

على سبيل المثال، تعمل وكالة ناسا على صناعة قطعة تُدعى ظلّ النجم أو Starshade، وتشبه زهرة عباد شمس عملاقة يمكن ضغطها بواسطة تقنيات الطيّ التي يوفّرها النمط المتعارف عليه في عالم الأوريغامي باسم طيّة القزحيّة Iris-folding pattern، التي تتيح للقطعة أن تحشر في حجم صغير بما يكفي لتُثبت على قمة صاروخ، لتستطيع بعد أن تبلغ مكانها في الفضاء أن تفتح طيّاتها مُجدّدًا ناشرةً مظلة يقارب قطرها 85 قدمًا (26 مترًا)، وذلك وفقًا لوكالة ناسا.

ستُستخدم قطعة ظلّ النجم لحجب ضوء النجوم البعيدة، مما يسمح لتلسكوب الفضاء التقاط الصور الباهتة للكواكب التي تدور حول هذه النجوم.

يقول منان آريا Manan Arya وهو تقني يعمل على إنتاج القطعة في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا بولاية كاليفورنيا، في بيان صادر عن وكالة ناسا: إن جزءًا كبيرًا من عملي هو النظر إلى شيء ما على الورقة وفحص ما إذا كان بوسعنا أن نجعله يطير، وحالما أدركت أن بإمكاني طي هيكل سفينة فضائية، أصبحت مهمتًا بالأوريغامي، وأدركت أنني أمتلك المهارة وأستمتع بذلك، وأقوم الآن بعملية الطي باستمرار.

إحدى البعثات التي يمكن أن تستفيد من قطعة ظلّ النجم هي بعثة تلسكوب مسح المجال تحت الأحمر الواسع (WFIRST) والتي من المتوقع أن تقلع إلى الفضاء في منتصف عام 2020.

صُمم التلسكوب (WFIRST) ليساعد العلماء على فهم أفضل للطاقة المظلمة، والمادة المظلمة، والكواكب الموجودة حول النجوم، بالإضافة إلى كيفية تطور الكون، وستساعد القطعة هذا التلسكوب على اكتشاف الكواكب الصغيرة.

تسبب ضربات النيازك الصغيرة أضرارًا جسيمة لأجسام كبيرة مثل ظلّ النجم، إذ ربما تثقبه، سامحةً للضوء بالمرور خلال الآلة مما قد يؤدي إلى غمر حساسات التلسكوب بأشعة الضوء، لكن استخدام نمط الطي المستوحى من الأوريغامي سيساعد في تجاوز هذه المشاكل، وسيمكن فريق شركةJPL من جعل ظلّ النجم أكثر متانة ومناعة، وذلك من خلال ضغطه بما يكفي ليستطيع الإقلاع إلى الفضاء، وهو مطويّ بنعومة وسلاسة وبشكل متكرر.

وقال أريا: لحجب ضوء النجوم، ندعّم المادة بعدة طبقات تفصل بينها بعض الفجوات، فإذا تعرّضت للاصطدام بجسم ما توفّر هذه التقنيات فرصة كبيرة لتجنّب وقوع الثقب الناتج عن عملية الاصطدام على خط بصر التلسكوب.

بالإضافة إلى ظلّ النجم، توجد أجهزة فضائية أخرى صُممت بوحي من الأوريغامي، منها صفيحات شمسية وأجنحة تجريبية صممت لبرنامج مكوك الفضاء في الثمانينات، إلى جانب (إيكو 1 – Echo 1) وهو قمر اصطناعي منطادي قابل للنفخ، يبلغ ارتفاعه ما يوازي 10 طوابق، عُبئ باستخدام تقنيات الأوريغامي داخل كبسولة إطلاق قطرها 26 بوصة (66 سنتيمترًا).

وهناك مفهوم تجريبي آخر مستوحى من الأوريغامي يسمى حاليًا محولات البيئات القمرية المتطرفة، والتي ستتضمن مرايا تُنشَر في الفضاء لردّ أشعة الشمس نحو فوّهة بركان قمرية.

أمثلة على تصاميم أوريغامي طبّقها مهندسون في مختبر الدفع النفاث في ناسا. استخدم المهندسون هذا الفن القديم لاختراع قطع تكنولوجية قابلة للطي وذلك لإرسالها إلى الفضاء.
تصديق: ناسا/ JPL-Caltech

إذا عاد البشر إلى سطح القمر، فإن هذه الطاقة الشمسية المرتدّة من المحولات يمكن استخدامها في إذابة الجليد المائي أو حتّى كآليّات لتوليد الطاقة.

يقول المتدرب في شركة JPL الذي ساعد في تصميم نماذج من قطع ظلّ النجم القابلة للطيّ ويعمل الآن في مشروع المحولات روبرت سالازار Robert Salazar: مع الأوريغامي، يأتي السحر غالبًا من الطي.

ويضيف قائلًا: إنك لن تستطيع تصميم مثل هذا النموذج ببساطة عن طريق الهندسة التقليدية فقط، بل ستحتاج إلى معرفة نوعية المواد لكي تفهم كيف يمكن أن تُطوى.

النسبة لمشروع المحولات، يطوي سالازار مادةKapton الشبيهة بأشرطة الزينة، والتي تُستخدم باعتبارها مواد عازلة في السفن الفضائية، ويطوي أيضًا نسيجًا خاصًا من البولي إيثيلين الذي لا يستطيع استضافة خطوط طيّ دائمة.

يعمل سالازار مع كبير علماء الأبحاث في شركة JPL أدريان ستويكا Adrian Stoica الذي يقود مشروع المحولات.

ستكون المعدات القابلة للطي مفيدة بشكل كبير للأقمار الاصطناعية المصغرة قليلة التكلفة التي تدعى كيوبساتس cubesats، والتي تبلغ حجم طوبة بناء، ومما يعني أنها بحاجة إلى تجهيزات صغيرة ومضغوطة، كما سيكون للأوريغامي تطبيقات عديدة في التدرّع الإشعاعي القوي الذي قد يُستخدم في المركبات الفضائية لحماية رواد الفضاء خلال بعثات الفضاء البعيدة في المستقبل.

يوجد هناك تقنيات أخرى تعتمد على الأوريغامي، مثل روبوت المستكشف القافز المسطح القابل للطي؛ بوفر PUFFER. الذي يمتاز بخفة وزنه وقابليته للطي والتشكل على هيئة مسطحة من تلقاء ذاته، وبمقدرته على حشر نفسه ضمن مساحات صغيرة وتسلق منحدرات شديدة الانحدار، إنها مصنعة من دارات إلكترونية مدمجة مع نسيج قابل للطي.

يقول سالازار: هناك الكثير من الأنماط التى لا يزال يتعين علينا استكشافها. ويضيف: معظم التصاميم عبارة عن أشكال مسطحة قابلة للطي، إن الهياكل غير المسطحة، مثل الكرات أو الأجسام التي تدور حول محور، لم نحصل عليها بعد.


  • تدقيق: ملك عفونة
  • المترجم: عامر السبيعي
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر