تختلف درجة الإحساس بالألم بين الأشخاص، إذ لا يمكننا معرفة مقدار الألم الذي يعانيه شخص ما بسبب شيء ما، ما لم نجرب ذلك، لذا نجد الناس يختلفون حول كون ألم الولادة أصعب ألم، أم ألم الركل على الخصيتين.

لكن لماذا يختلف الإحساس بالألم بين الجنسين؟

لقد توصل الباحثون إلى السبب الآن، إذ نُشرت دراسة جديدة في مجلة برين سلطت الضوء على اختلاف الشعور بالألم بين الجنسين، فالرجال والنساء غير متساوين في الشعور بالألم، إذ يختلف الجنسان في تحملهما للألم المزمن، فالنساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بألم أسفل الظهر والرقبة والألم الفموي الوجهي والكلوي وكذلك الشقيقة وألم الرأس بمعدل مرتين، وبتقييم كمي للألم المحرض تجريبيًا ميكانيكيًا وكهربائيًا وحراريًا وكيميائيًا عند البشر أظهرت النساء حساسية أكبر للألم من الرجال.

وعلى الرغم من عدم التكافؤ الواضح في الحساسية تجاه الألم بين الرجال والنساء، كان الرأي العلمي السائد لعقود أن أجسام الجنسين تتأثر بالألم بنفس الطريقة، على الرغم من عدم ارتكاز هذا الاستنتاج على أي شيء، فقد لاحظ المؤلفون أن أبحاث العلوم العصبية المجراة حول مواضيع عدة بما فيها الألم كانت متحيزة للذكور دون أدلة تدعمها.

تعتمد آليات التعديل العصبي في مجال الفزيولوجية المشبكية على التجارب المجراة على الذكور والحيوانات غير الجنسية حصرًا، حتى كأمثلة عن الازدواجية الجنسية في المرونة المشبكية.

أما الدراسة الجديدة فتتمتع بأمرين يميزانها عن سابقاتها فقد تناولت تجارب متعلقة بالإناث وتجارب على البشر.

لفهم المعززات البيولوجية العصبية للألم المزمن عند الجنسين حقق الباحثون في الآليات المسؤولة عن فرط الاستجابة العصبية في القرن الظهري السطحي للنخاع الشوكي عند ذكور وإناث الإنسان والجرذان.

إذا تساءلت الآن لماذا لم نعرف وظيفة القرن الخلفي تلك طوال تلك السنين لا تقلق.

يعد القرن الخلفي السطحي منطقة بارزة في أطراف المادة الرمادية للنخاع الشوكي، تفحص الباحثون هذا النسيج النخاعي بعد التبرع به بعد الوفاة، واكتشفوا وجود نوع خاص من البروتينات في النخاع الشوكي تعرف بالعامل التغذوي العصبي المشتق من الدماغ أو BDNF اختصارًا، ويؤدي هذا العامل دورًا مهمًا ومعقدًا في حدوث الألم وتضخيم الإشارات الألمية في النخاع الشوكي لفترات قصيرة، والقيام بعكس ذلك لفترات طويلة.

لا يعد ذلك جديدًا، فقد اكتشف جين BDNF للمرة الأول منذ 40 سنة مضت، وحققت دراسات عدة في دوره في إدراك الألم، ولكن كل تلك الدراسات كما ذكرنا أجريت على الذكور فقط أما الحالية فشملت الإناث أيضًا.

لقد اكتشفنا ارتباطًا مرضيًا بين التثبيط المعتمد على KCC2 ومستقبل N متيل D أسبارتات (NMDAR) في الخلايا العصبية للقرن الظهري السطحي للنخاع الشوكي عند ذكور الجرذان وليس إناثها.

لاحظ الباحثون أنه بخلاف الذكور فإن بروتين BDNF يفشل في التكيف بإنقاص عناصر الإشارة المثبطة (KCC2 وSTEP61)، ويتكيف بزيادة عناصر الإثارة (pFyn وGluN2B وpGluN2B) عند إناث الجرذان، وقد حُفظت تلك الاختلافات بين الجنسين في عملية تشكل الألم في النخاع الشوكي من القوارض إلى البشر.

بتعبير آخر، تحدث عملية الألم بشكل مختلف بين الذكور والإناث ويؤثر جين BDNF خصوصًا في العملية بطريقة مختلفة بين الجنسين، والسؤال المطروح: لماذا؟

قال المؤلفون: «استنتجنا أن هذا الاختلاف بين الجنسين في عمل بروتين BDNF يحدث بتواسط هرموني، وذلك يتوافق مع الدراسات السابقة التي أرجعت سبب الحساسية للألم عند النساء للمستويات العالية من هرمون الإستروجين، وقد دعم اختفاء الاختلاف في الإشارات الألمية بين الجنسين عند استئصال مبايض إناث الجرذان هذا التفسير».

لقد أحدث الاكتشاف نتائج كبيرة، ليس فقط لحسم الجدال حول كون الرجال كالأطفال الضعفاء، لكنه يعد خطوة مهمة لتطوير علاجات شخصية تناسب قدر الإمكان حاجة المرضى، وأدوية جديد لتسكين الألم خصوصًا.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة أنيماري ديديك: «يتطلب تطوير أدوية جديدة لتسكين الألم فهمًا مفصلًا لكيفية حدوث الألم على المستوى البيولوجي، ويعد هذا الاكتشاف حجر أساس لتطوير علاجات جديدة للذين يعانون آلامًا مزمنة».

اقرأ أيضًا:

الألم المزمن: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

طفرة جينية نادرة سلبت امرأة الإحساس بالألم !

ترجمة: هادي سلمان قاجو

تدقيق: بدور مارديني

المصدر