وجد فريق متعدد الاختصاصات من جامعة كورنيل عبر اختبار الإحساس بالوقت في بيئة شبيهة بالحياة الواقعية -جولة في أحد قطارات أنفاق نيويورك بتقنية الواقع الافتراضي- أن الازدحام يجعل الوقت يبدو أبطأ.

نتيجة لذلك، قد تبدو رحلات المواصلات العامة في ساعة الذروة أطول بكثير من غيرها من الرحلات التي تستغرق الوقت نفسه في الواقع.

يضيف البحث أدلة على أن السياق الاجتماعي والمشاعر الشخصية تحرف إحساسنا بمرور الوقت، وقد يكون لها تأثيرات فعلية في رغبة الناس في استخدام المواصلات العامة، خاصة بعد الجائحة.

تقول سعيدة صادقي طالبة الدكتوراة في علم النفس: «إنها طريقة جديدة للتفكير في الازدحام الاجتماعي، تُظهر أنه يغير كيفية شعورنا بالوقت، يخلق الازدحام مشاعر مفعمة بالتوتر، ما يجعل الرحلة تبدو أطول».

صادقي هي المؤلفة الرئيسية للبحث بعنوان «التجربة الشعورية ضمن ازدحام افتراضي تغير إحساسنا بوقت الرحلة»، الذي نُشر في 3 نوفمبر 2022 في مجلة فيرتشوال رياليتي. يضم المؤلفون المساعدون كلًّا من ريكاردو دازيانو، الأستاذ المساعد في الهندسة المدنية والبيئية في كلية الهندسة، وسو يون يوون، الأستاذ المساعد في قسم التصميم المتمحور حول الإنسان في كلية علم البيئة البشرية (CHE)، وآدم ك. أندرسون، الأستاذ في قسم علم النفس وعلم البيئة البشرية.

حدد بحث سابق المشاعر الشخصية ومعدل نبضات القلب ودرجة تعقيد الوضع، بما في ذلك عدد الأشياء التي تتطلب الانتباه، من ضمن العوامل التي قد تؤثر في شعور الشخص بالوقت. أُجريت معظم التجارب في مختبرات باستعمال مهام ومحفزات بسيطة مثل عرض أشكال أو صور على شاشة الحاسوب لفترات قصيرة.

اختبر فريق الباحثين الإحساس بالوقت في بيئة آسرة أكثر واقعية بكثير، في تطبيق جديد لتقنية الواقع الافتراضي، ما سمح لهم بالتحكم في الازدحام على نحو ممنهج. استقل أكثر من 40 مشاركًا خمس رحلات في قطار الأنفاق الافتراضي مدة كل منها 60 أو 70 أو 80 ثانية عشوائيًّا، تختلف كل منها عن الأخرى في درجة الازدحام.

ارتدى المشاركون أجهزة لمراقبة معدل نبضات القلب ونظارات واقع افتراضي قبل أن يستقلوا قطار أنفاق نيويورك الافتراضي الذي طوره يوون، سمع المشاركون نداء «الرجاء الابتعاد عن الأبواب المفتوحة» متبوعًا بصوت رنين جرس مع انغلاق الأبواب ثم صوت انطلاق القطار. انتهت الرحلة بتوقف القطار ورنين الجرس مرة أخرى.

زادت كل درجة ازدحام شخص واحد في المتر المربع، ما نتج عنه حشود تتراوح بين 35 إلى 175 راكبًا. كان بمقدور المشاركين أن ينظروا حولهم في العربة ليروا تجسيدًا لركاب جالسين وواقفين يغيرون أماكنهم وينظرون إلى جوالاتهم أو يقرؤون الكتب والمجلات.

أجاب المشاركون بعد كل رحلة عن أسئلة تتعلق بمدى رضاهم أو استيائهم من التجربة على مقياس من 1 إلى 7، وطُلب منهم أن يبذلو ما بوسعهم لتقدير الزمن الذي استغرقته الرحلة.

النتيجة: بدت الرحلات المزدحمة أطول بنسبة 10% من نظيراتها الأقل ازدحامًا. تعلق هذا التغير في تقدير الوقت بدرجة الرضا أو الاستياء التي شعر بها المشاركون، إذ بدت الرحلات السيئة أطول بنسبة 20% من الرحلات المرضية، الأمر الذي أرجعه الباحثون إلى تنشيط أنظمة الدفاع العاطفي عندما يشعر الناس بانتهاك مساحتهم الشخصية.

يقول أندرسون: «تبين هذه الدراسة كيف تشوه تجاربنا اليومية مع الناس ومشاعرنا الشخصية حيالهم الإحساس بالوقت على نحو كبير». ويضيف: «إن الوقت أكثر من مجرد سير عقارب الساعة؛ إنه يتعلق بماهية شعورنا ومدى تقديرنا له».

تفترض هذه النتائج، اعتمادًا على متوسط فترة رحلات المواصلات الأمريكية الذي يبلغ 60 دقيقة في اليوم، أن سنة من الرحلات في المواصلات المزدحمة ستضيف أكثر من 24 ساعة، أي ما يعادل ثلاثة أيام عمل كاملة من الوقت (المحسوس) لبلوغ الوجهة.

يُحتمل أن تأثير الازدحام على إحساسنا بوقت السفر سيتنامى بعد تحذيرات التباعد الاجتماعي المتعلقة بفيروس كورونا، وفقًا للبحث. ما قد يُسهم في اختيار المزيد من الناس بدائل عن المواصلات العامة، الأمر الذي قد يزيد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن وسائط النقل.

يقول الباحثون إن بحثهم علاوة على اكتشافه العلمي الأساسي، قد يساعد مهندسي المواصلات على تحسين نماذج المواصلات العامة -محور دراسة أخرى- وتصاميم المركبات. ويضيف الباحثون أن الحد من تجربة الازدحام الكريهة سيجعلنا نشعر بأن الرحلات أقصر.

دعم البحثَ كل من مركز كورنيل لعلوم الاجتماع، ومركز النقل والبيئة وصحة المجتمع، والمؤسسة العلمية الوطنية.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف طريقة جديدة كليًا لقياس الوقت

هل تتغير طريقة قياس الوقت؟ قد نجد تعريفًا جديدًا للثانية بحلول عام 2030

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: بشير حمّادة

مراجعة: نغم رابي

المصدر