ربما يتذكر معظم متابعي كرة القدم فضيحة هدف فرانك لامبارد المُلغى في شباك المنتخب الألماني في المراحل الإقصائية من كأس العالم 2010، الهدف الذي أغضب جماهير إنكلترا بسبب الخطأ التحكيمي الشنيع الذي أدى في النهاية إلى خروج المنتخب الإنكليزي، لكن مشجعي المنتخب الألماني قد لا يتذكرونه على كل حال، مع أن تقلبات كرة القدم وسوء التحكيم ودوران عجلة الحظ قد تسبب معاناة ألمانيا من ظلم مماثل يومًا ما. ما كان كل ذلك اللغط ليحدث لو كانت تكنولوجيا خط المرمى متوفرة حينها.

علينا أن نتذكر دائمًا أن الحكام مطالبون باتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية، سواء باحتساب ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة أو الحُكم إن كان المدافع قد أبعد الكرة ببسالة عن خط المرمى أم من خلفه. إن هذه القرارات مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى المشجعين المتحمسين. فقد تقلب المباراة رأسًا على عقب أو تطفئ بصيص الأمل في العودة بنتيجة المباراة.

كل من شاهد كرة لامبارد ترتد عن العارضة وتتجاوز الخط شاهدها جالسًا على أريكته المريحة عبر تلفازه الذي يقدم منظورًا واضحًا لكل ركن من الملعب. إضافةً إلى ميزة الإعادة بالحركة البطيئة التي تتبع الأحداث الجدلية وتزيل أي أثر للشك.

يتخذ الحكم قراراته على نحو ارتجالي، من مسافة عدة أمتار أحيانًا، وقد تحجب أجسام اللاعبين الرؤية عنه. وعليه مع ذلك ألّا يكون متحيزًا، رغم سيل المطالبات من جمهور منحاز. أحيانًا ما يقلل احترام كفاءته أو يُستخف بها. إن في اتهام الحكم بضعف الشخصية أو الجور ظلمًا له، نظرًا إلى محدودية قدرته. هنا تأتي فائدة تكنولوجيا خط المرمى.

لا توجد تقنية محددة تُسمى تكنولوجيا خط المرمى -مع أن ابتكار اسم كهذا لا يتطلب الكثير من الإبداع- لكن هذه التقنية تُطبق بعدة طرق مختلفة.

يعتمد انتقاء إحدى تلك الطرق على عدة عوامل، مثل تكلفة الجهاز ونفقات التركيب، أو الوقت اللازم لتحليل الحركات واتخاذ القرار. تعتمد هذه الحزمة من التقنيات على كاميرات تتعقب الكرة أو على حقل كهربائي متغير.

التعقب بالكاميرا: عين الصقر

إن تقنية عين الصقر هي الأعلى مستوى بين أنماط تكنولوجيا خط المرمى المتنوعة. تستعمل هذه التقنية 14 كاميرا معقدة موزعة في أرجاء الملعب بوضعيات مختلفة، موجهة نحو القائمين في كل جهة، سبع كاميرات لكل مرمى.

ليست هذه التقنية شيئًا جديدًا، إذ استُعملت في الرياضات الأخرى على نطاق واسع لأكثر من عقد، وتُشاهد خاصة في الكريكيت والتنس والسنوكر. تتعقب الكاميرات عالية السرعة الكرة بدقة عالية وتستعمل التثليث لحساب موقع الكرة بالنسبة إلى خط المرمى بدقة.

التثليث تقنية هندسية لحساب إحداثيات نقطة مجهولة والمسافة عنها بمساعدة نقطتين معلومتين. تشكل هذه التقنية كما يوحي اسمها مثلثات بين النقاط الثلات وتستخدم الزوايا المتشكلة بينها لتحديد موقع النقطة الثالثة المجهولة. ثم تنشئ برمجيات النظام صورة ثلاثية الأبعاد للكرة بالنسبة إلى خط المرمى.

تستطيع هذه التقنية تقديم نتائج موثوقة، حتى عندما تحجب أجساد اللاعبين رؤية بعض الكاميرات. لأن الأمر لا يتطلب إلا ثلاث كاميرات لإجراء التثليث وتوليد صورة. أي أن الكاميرات تستطيع تولي المهمة حتى إن حُجبت رؤية بعضها.

تحسب البرمجيات موقع الكرة في كل إطار عبر التعرف إلى البكسلات الموافقة للكرة. يمكن استيعاب مدى كفاءة هذه الكاميرات ودقتها عندما نأخذ بالحسبان أن سرعة الكرة بعد ركلها قد تبلغ 120 كيلومترًا في الساعة!

إذا تجاوزت الكرة خط المرمى بكامل محيطها، تُرسَل إشارة مشفرة إلى ساعة الحكم أو سماعة أذنه في غضون نصف ثانية، منبهةً إياه لوجود هدف. من المعروف أن الكرة يجب أن تتجاوز خط المرمى بكامل محيطها كي يُحتسب الهدف.

تسمح كاميرات عين الصقر بتقييم مسارات جسم ما ومحاكاتها لو تابع حركته أو لو لم يعترض عائق ما طريقه. مثلًا، قد تُبين محاكاة مسار كرة الكريكيت لو كانت ستصيب الركائز العمودية، ما لم يعترضها ضارب الكرات أولًا.

ظهر نظام عين الصقر في كرة القدم للمرة الأولى في موسم 2013-2014 من الدوري الإنجليزي الممتاز، واعتُمد بعد ذلك في الدوريات الكبرى: الألماني والإسباني والإيطالي.

غول كونترول 4-دي

كما في تكنولوجيا عين الصقر، يستخدم هذا النظام 14 كاميرا عالية السرعة،7 لكل مرمى، موزعة في أرجاء الملعب وموجهة نحو القائمين. تحسب موقع الكرة ومسارها لإزالة الالتباس المتعلق بتجاوز الكرة لخط المرمى من عدمه.

من أهم عيوب هذا النظام كلفة تطبيقه المرتفعة. رغم أنه استُخدم في كأس العالم 2014، فقد استبعدته دوريات النخبة بسبب كلفته العالية.

تكنولوجيا خط المرمى الأخرى الأقل شهرة هي غولمايندر، التي تستخدم لتعقب الكرة كاميرات مركبة على الجانب الداخلي للقائمين عوضًا عن تركيبها حول الملعب.

تعقب الحقل المغناطيسي: نظام كايروس جي إل تي

تكنولوجيا خط المرمى التي يقدمها عملاق التكنولوجيا الألماني، شركة كايروس تكنولوجيز أي جي بالتعاون مع أديداس. تستخدم هذه التقنية حقلًا مغناطيسيًّا لتعقب الكرة التي تحوي بداخلها مستشعرًا إلكترونيًّا معلقًا. تُدفن أسلاك رفيعة يجري فيها تيار كهربائي حول منطقة الجزاء وخلف خط المرمى لتشكل إطارًا. صممت أديداس خصوصًا كرة يمكنها احتواء مستشعر دقيق داخلها مع تحمّل ركلات قوية دون أن يتضرر.

تؤثر الكرة المتحركة في الحقل المغناطيسي المنتظم نتيجة التداخل بين أسلاك النحاس والحقل المغناطيسي. تُنقل الموجة عبر الإطار إلى حاسوب يقرر هل عبرت الكرة خط المرمى أم لا. عند تأكيد دخول الكرة يُرسل إلى ساعة الحكم حاليًا تنبيه بوجود هدف. لكن تحوم بعض الشكوك حول دقة نتائج هذه التقنية وسرعتها.

غولريف

تستخدم تكنولوجيا خط المرمى هذه دارة إلكترونية كامنة مغروسة في الكرة تثير حقلًا مغناطيسيًّا منخفض التردد يغطي مجال خط المرمى عندما تتجاوزه الكرة. تتألف الدارة الكهربائية من ثلاثة ملفات نحاسية في حزمة بين كيس الهواء والقشرة الخارجية للكرة.

تُركب الهوائيات التي تولد هذا الحقل المغناطيسي على العارضة والقائمين. حالما تتجاوز الكرة خط المرمى، تستشعر الهوائيات تغيرًا في حقلها المغناطيسي وتنقل البيانات إلى حاسوب يقرر هل عبرت الكرة الخط أم لا. إذا عبرت، يُرسل تنبيه يشير إلى وجود هدف إلى الحكم في غضون نصف ثانية. طُبقت هذه التقنية أول مرة في كأس العالم للأندية عام 2012.

ما تزال تكنولوجيا خط المرمى موضع استياء في بعض المحافل. يعود هذا السخط جزئيًّا إلى الاضمحلال الوشيك للعامل البشري، ومن جهة أخرى لكون النتائج أحيانًا محيرة أو غير منطقية. مثلًا، في مباراة فرنسا وهندوراس في كأس العالم 2014، صدر تنبيه بوجود هدف رغم أن الكرة لم تتجاوز الخط بالكامل. ما سبب الكثير من الجلبة لدى المدربين والمعلقين الذين يشاهدون الإعادة.

اتخذت عدة دوريات مؤخرًا خطوة إلى الأمام واستعملت أنظمة مراجعة تسمح للحكم بمراجعة قراراته. ما قد يتيح له بتصحيح أخطائه أو طلب المساعدة عندما يساوره الشك، حتى لو أدى ذلك إلى إبطاء نسق المباراة.

أزعج هذا النوع من التوقفات -في لعبة سريعة الحركة بطبيعتها- اللاعبين والجمهور على حد سواء. تعِد التقنية الجديدة بإزالة أدنى حد من التحيز البشري ومعه الأخطاء التي تترتب إلى حد بعيد على التحكيم غير المتبصر. لكن ذلك في الوقت ذاته، يحول الرياضة إلى نشاط جامد يحكمه الحاسوب. يمكن صوغ الأمر بهذه الطريقة: إذا تحققنا من عدم حدوث أي شيء على نحو خاطئ، فما الفرق بين مباراة كرة قدم ولعبة فيديو لكرة القدم؟

اقرأ أيضًا:

لغز الضربة الحرة الشهيرة لروبرتو كارلوس (فيزياء كرة القدم)

القواعد الأساسية لكرة القدم الأمريكية

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: نغم رابي

المصدر