تُقيّد الحكومات في إيران وغيرها من دول العالم الوصولَ إلى الإنترنت لتقييد الحريات، وهنا يأتي دور شركات الإنترنت الفضائي لتأمين إنترنت مجاني متاح للجميع.

تسبّب مقتل الفتاة الإيرانية الكردية مهسا أميني على يد شرطة الآداب سيئة الصيت عام 2022 بمظاهرات في أنحاء البلاد ضد وحشية الشرطة ودعمًا لحقوق المرأة. كان رد الحكومة قمع هذه الثورة عبر قطع شبكة الهاتف وتقييد نشر الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي وقطع شبكة الإنترنت نهائيًا عن كردستان إيران.

ما زالت المشكلة ملحّة اليوم مع وصول ذكرى وفاة أميني الأولى في منتصف سبتمبر، إذ إنّ هنالك مظاهرات عديدة منتشرة في أنحاء البلاد، وهناك أنباء عن اعتقال أكثر من مئتي شخص، وإطلاق الشرطة الرصاص الحي، وعملت الحكومة على زيادة التقييدات على الإنترنت لقمع المظاهرات وإيقاف مسيرات إحياء الذكرى، والتقليل عامةً من الاهتمام بحركة «امرأة، حياة، حرية» التي أشعلها مقتل الإيرانية الكردية أميني.

يصبح الوصول إلى الإنترنت مسألة حياة أو موت تحت سلطة الحكومات الاستبدادية، إذ يعني فقدان الإنترنت خسارة حريات الفكر والتنقل وتداول المعلومات وغيرها من الحريات الأخرى.

يستطيع الإنترنت الفضائي حماية استقلال الناس وحريّاتهم في مواجهة تجسّس الحكومات وقطعها الاتصالات. إذن؛ لصيانة حقوق الإنسان الأساسية والمثل الديمقراطية العليا، يجب على الحكومات والمنظمات غير الحكومية الغربية تحفيز شركات الإنترنت الفضائي والإصرار على تأمينها لاتصال إنترنت بسيط لأولئك الذين يعانون انقطاعًا في الشبكة.

طلب المتظاهرون في إيران وداعمو الحركة في الدول المحيطة خلال الاحتجاجات عقب مقتل أميني المساعدة من مزوّدي الإنترنت، مثل شركة الإنترنت الفضائي ستارلينك التي تستخدم الأقمار الصناعية منخفضة المدار. ولأن مالك الشركة إيلون ماسك كان قد مدّ أوكرانيا بخدمات شركته في الأيام الأولى من الغزو الروسي قبل سحبه لها وطلب التمويل من الحكومة الأمريكية، أعلنت إدارة بايدن بدء المباحثات مع ماسك منذ قرابة السنة لتأمين الوصول إلى الإنترنت للإيرانيين، إلا أن هذه المباحثات يبدو أنّها لم تثمر عن أيّ نتائج.

ليس مفاجئًا أبدًا أن الإنترنت أصبح الأولوية الأولى في إيران في أعقاب مقتل أميني، إذ لطالما عملت الجمهورية الإسلامية على تبني التقنيات التي تزيد سيطرتها ومنع تلك التي تقلّل منها. لقد جرّمت الحكومة مسجلات الفيديو بداية صدورها، وجعلت امتلاك أجهزة الفاكس مرهونًا بموافقة الدولة.

قطع النظام الإيراني كذلك خدمات الرسائل النصية لأشهر خلال الحركة الخضراء عام 2009، وحظر مواقع التواصل الاجتماعي وأخضع سبل التواصل بين المواطنين للرقابة والتسجيل بهدف تخويفهم.

لكن مشكلة الوصول إلى الإنترنت تتجاوز الأراضي الإيرانية، فحسب منظمة آكسس ناو لحماية حرية الإنترنت، شهد عام 2021 وحده 182 قطع الشبكة في 34 دولة مختلفة. وأفاد آخر تقارير فريدوم هاوس عن حرية الإنترنت أن 17 دولة فقط من السبعين دولة المدروسة حرّة حقًا من ناحية الوصول والرقابة وحقوق المستخدمين، وليس صادمًا أبدًا أن معظم هذه الدول تدعي أنها ديمقراطية.

لكن الصادم فعلًا أن التقرير أظهر أن 44٪؜ من سكان العالم يعيشون في دولٍ تقطع حكوماتها اتصال الإنترنت أو شبكة الهاتف بانتظام لأسبابٍ سياسية وأن «حرية الإنترنت العالمية قد تراجعت للعام الثاني عشر على التوالي».

تُعد مجموعة ستارلينك واحدة من مجموعات أقمار صناعية عديدة قيد التطوير بهدف إتاحة اتصال الإنترنت. فقد أطلقت الشركة حتى الآن أكثر من 4000 قمر صناعي مع نية إطلاق المزيد في المستقبل، في حين يعتزم مشروع أمازون كويبر إطلاق أكثر من 3200 قمر صناعي منخفض المدار لتقديم خدمات الإنترنت. وتعمل شركات أخرى على إطلاق أسراب من الأقمار الصناعية إلى مدارات منخفضة ومتوسطة، وتسعى هذه الشركات إلى تحديث تقنيّاتها بسرعة لتقديم اتصال إنترنت مباشر للهواتف المحمولة.

أعلنت شركة ستارلينك على سبيل المثال عن تعاونٍ مع شركة تي-موبايل لتقديم اتصال إنترنت مباشر عبر الهاتف في الأعوام القادمة. ويُذكر أن الوصول إلى الإنترنت ليس مشكلة سياسية وحسب، بل يمكن أن ينقذ الأرواح في أعقاب الكوارث الكبرى.

يجري تطوير الأقمار الصناعية وسط مناقشات عديدة عن المخلفات والتلوث الضوئي والاصطدامات التي ستسببها هذه التقنيات. وإن كانت جميع هذه المخاوف مشروعة، فإن إتاحة اتصال إنترنت مجاني وبسيط للمواطنين القاطنين في بلدانٍ قمعية يمكن أن يعدل الكفة مقابل هذه المشكلات؛ لأن ذلك سيضمن أن هذه التقنية ستفيد المجتمع لا الشركات الخاصة وعملائها فقط. ولهذا يجب على حكومات الدول المتطورة أن تمنح الشركات حوافز أو تشجعها على الأقل لكي تنشر خدماتها هذه على مستوى العالم في حين تبقى لها أحقية تقديم إنترنت مدفوع أسرع وأعلى جودة لعملائها.

يُحتم تطور تقنيات الإنترنت الفضائي كذلك على مزودي هذه الخدمات تثقيف العامة حول الوصول إلى الإنترنت ومنع انتشار المعلومات المضللة. فقد هرّب ناشطون العام الفائت عدة وحدات تحكم بهذه التقنيات إلى إيران بمساعدة مغتربين إيرانيين، ولكن للآن لا يعرف الكثيرون يقينًا ما إذا كان النظام الإيراني قادرًا على مراقبة إشارات ستارلينك أم لا.

وكانت تغريدات ماسك ردًا على قطع إيران للإنترنت وخلو من التفسيرات أدّت إلى انتشار حملات من المعلومات المُضللة، فانتشرت عشرات التطبيقات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي أنها تطبيق ستارلينك الرسمي، وكان الكثير منها تطبيقات خبيثة شكلت خطورة على المستخدمين الذين ثبتوها. لذلك على شركات الإنترنت الفضائي تقديم إرشادات شاملة ومعلومات موثوقة للتخفيف من انتشار المعلومات الخاطئة.

يعلم المتظاهرون أن الحكومة الإيرانية لن تتوانى عن قطع اتصال الإنترنت بالكامل، وإن دفع اقتصاد البلاد الثمن غاليًا. ستكون العواقب وخيمة في ظلمة كهذه، لهذا يجب بدء المباحثات بخصوص تقنيات الإنترنت الفضائي حالًا قبل صدور الجيل القادم منها وقبل حصول أزمة إنترنت أخرى.

اقرأ أيضًا:

إنترنت على سطح القمر! نوكيا ستطلق شبكة إنترنت خلوية هناك بنهاية عام 2023

ما هو نظام ستارلينك للإنترنت الذي تعمل عليه شركة سبيس إكس؟

ترجمة: أحمد نور الله

تدقيق: علام بخيت كباشي

المصدر