في حين أن الاستمناء شائع في مملكة الحيوانات، إلا أنه قد يبدو ظاهريًا مفارقةً تطورية؛ إذ لمَ قد يندفع الحيوان إلى إهدار الوقت والطاقة والموارد التكاثرية على إمتاع ذاته بدلًا من التزاوج مع شريك؟ تشير البيانات إلى أن الاستمناء قد يعزز الخصوبة لدى الذكور ويحميهم من الأمراض، إلا أن البيانات التي تخص استمناء الإناث شحيحة.

توصلت دراسات على أنواع معينة من الحيوانات إلى بعض التفسيرات المحتملة؛ مثلًا، وجدت دراسة أجريت على المكاك الياباني أنه يستمني لإبقاء حيواناته المنوية نشيطة ريثما يحصل على فرصة نادرة للتزاوج. بيد أن العلماء لم يكشفوا وقت تطور الاستمناء لدى الحيوانات أو سبب تطوره.

تشير دراسة حديثة إلى أن التاريخ التطوري للاستمناء لدى الرئيسيات يمتد إلى 40 مليون سنة على الأقل، وأنه قد يساعد ذكور الرئيسيات على التحضير للتزاوج ويحميها من الأمراض فعلًا.

تقول عالمة الأحياء لطيفة روث من منشأة بحوث الجنس والطب النفسي الشرعي في جامعة دويسبورغ إيسن الألمانية: «لقد كنا أول من يتناول دراسة وظيفة الاستمناء بين أنواع مختلفة من الحيوانات».

في المقابل حاول فريق عالمة الأحياء التطورية ماتيلدا بريندل من جامعة كوليدج لندن تحديد وقت نشوء الاستمناء لدى الرئيسيات، لذلك فحصوا البحوث العلمية بغية إيجاد سجل يبين أنواع الرئيسيات التي تستمني والأنواع التي لا تستمني، سواء في البرية أو في حدائق الحيوانات.

غير أنه كانت هناك بعض الفجوات في البيانات، ويعزى ذلك إلى صعوبة ملاحظة الاستمناء لدى الحيوانات وندرة بحث علماء البيولوجيا عنه؛ لذلك أرسلت بريندل أيضًا استبيانات إلى الباحثين لسؤالهم عن ملاحظاتهم لاستمناء الرئيسيات التي لم ترد في البحوث العلمية.

تقول بريندل: «كانت هذه الخطوة مهمة للحصول على معلومات عن الاستمناء لدى الإناث، الذي يحدث غالبًا دون أن يلاحظه أحد نظرًا إلى عدم وجود انتصاب تسهل رؤيته». استخدم الفريق بعدئذ تحاليل الحاسوب لتحديد سلالة الرئيسيات المحتملة التي نشأ الاستمناء لديها.

نظرًا إلى نقص البيانات، لم تتمكن بريندل من تأكيد نوع الرئيسيات الذي نشأ لديه الاستمناء أولًا، ولكنها تقول إنه تطور لدى أسلاف جميع السعادين والقردة منذ قرابة 40 مليون سنة؛ يوافق ذلك الوقت انفصال البشرانيات (القردة والسعادين) عن الرسغيات، وهي حيوانات ضئيلة الحجم تعيش في جنوب شرق آسيا.

بعدما حددت بريندل وقت تطور الاستمناء، باشرت بالبحث عن سبب تطوره. أرادت بريندل معرفة إذا كانت الرئيسيات التي تستمني تتزاوج مع عدة شركاء، إذ قد يؤدي ذلك إلى ضغط تطوري على كل من الذكور والإناث للسيطرة على عملية التزاوج، مثل القدرة على إتمامها بسرعة أو قابلية الاستثارة بالشركاء المفضلين أو تحسين جودة الحيوانات المنوية لدى الذكور، كما هو الحال لدى المكاك.

عملت بريندل أيضًا على تحديد قابلية إصابة أنواع الرئيسيات التي تستمني بعوامل ممرضة أكثر، من ضمنها الجراثيم التي تسبب العدوى المنقولة جنسيًا؛ إذ تُعرف السناجب الأرضية الأفريقية مثلًا بالاستمناء بعد ممارسة الجنس لتنظيف جهازها التناسلي من العوامل المعدية.

وجدت بريندل أن تعدد شركاء التزاوج وانتشار الأمراض مرتبطان بالاستمناء لدى ذكور الرئيسيات ولكن ليس لدى الإناث. قد يساعد الاستمناء الذكور على الاستعداد للتزاوج بسرعة عبر إبقاء الحيوانات المنوية نشيطة وتطهير الجهاز التناسلي من العوامل الممرضة. بيد أن هاتين الفرضيتين لا تنطبقان على الإناث.

تقول بريندل: «يميل الأس الهيدروجيني في المهبل في الأحوال الطبيعية إلى الحموضة من أجل السيطرة على الكائنات الممرضة، إلا أن درجة حموضته تقل عند استثارة إناث الرئيسيات، إذ يمنع ذلك موت الحيوانات المنوية عند وصولها إلى المهبل، ولكنه يجعله أيضًا بيئةً آمنة للجراثيم».

في حين أن الدراسة لم تجد رابطًا بين استمناء إناث الرئيسيات وتعدد شركاء التزاوج، إلا أن بريندل ترجح ظهور علاقة مع الحصول على مزيد من البيانات، إذ تقول: «أعتقد أننا سنجد تأثيرًا للاستمناء في الإناث إذا حصلنا على مزيد من البيانات في المستقبل».

ترجع ندرة البيانات عن الاستمناء لدى الإناث غالبًا إلى الاعتقاد التاريخي بأن إناث الحيوانات تستقبل سلوك الذكور على نحو خامل.

تشير بريندل إلى أن وصمة دراسة الاستمناء والسلوكيات الجنسية أصبحت أخف من الماضي، ما يعطيها أملًا بالتوصل إلى مزيد من الاكتشافات في المستقبل القريب.

في المقابل تضيف روث: «بما أن الاستمناء موجود كذلك لدى الطيور والزواحف والثدييات الأخرى، لا ينبغي أن نحصر دراسته على الرئيسيات حتى نفهم الصورة التطورية الكاملة لهذا السلوك».

اقرأ أيضًا:

الاستمناء: فوائده، آثاره الجانبية والخرافات التي تدور حوله

رصد العلماء قردًا يستخدم لعبة جنسية للاستمناء

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر