ما هو الانفجار العظيم ؟

تُعد نظرية الانفجار العظيم التفسير الرائد لكيفية بدء الكون. تقترح النظرية -بأبسط أشكالها- أن الكون ابتدأ بتفرد صغير ثم تضخم على مدى 13 مليار سنة ليصبح الكون الذي نعرفه الآن. يرِد معظم ما نفهمه عن نظرية الانفجار العظيم من خلال المعادلات والنماذج الرياضية، وذلك بسبب أن الأدوات الفلكية الحالية لا تمكن العلماء من العودة إلى بداية الكون. يستطيع علماء الفلك مع ذلك رؤية صدى هذا التوسع من خلال ظاهرة تدعى (إشعاع الخلفية الكوني الميكروي – cosmic microwave background) – (CMB).

بينما يتفق معظم علماء الفلك على هذه النظرية، يمتلك بعض علماء الفلك النظريين تفسيرات أخرى حول بداية الكون إلى جانب نظرية الانفجار العظيم، مثل التضخم الداخلي أو الكون المتذبذب. تُعرَف عبارة الانفجار العظيم بين أوساط علماء الفلك منذ عقود، ولكنها انتشرت بين العامة منذ عام 2007، بعد ظهور مسلسل كوميدي يحمل الاسم نفسه على شبكة (CBS). يتابع المسلسل الحياة الأكاديمية وموطن عدة باحثين، يشمل عالم فلك.

الثانية الأولى وولادة الضوء:

نظرية الانفجار العظيم كيف بدأ الكون كيف نشأ الكون التوسع الكوني إشعاع الخلفية الكوني الميكروي نظرية الغنفجار العظيم ونشأة الكون

إشعاع الخلفية الكوني الميكروي

كانت درجة الحرارة المحيطة نحو 5.5 مليار درجة مئوية بعد الثانية الأولى لولادة الكون، وفقًا لناسا. تشكَل الكون في ذلك الوقت من مجموعة واسعة من الجزيئات الأساسية مثل النيوترونات، والإلكترونات، والبروتونات. تباعدت هذه الجزيئات ثم تجمعت بعد نزول درجة حرارة الكون.

كان النظر إلى الحساء البدائي الذي جمع هذه الجزيئات مستحيلًا؛ إذ أنه لم يحمل ضوءًا داخله، وتقول ناسا: «سببت الإلكترونات الحرة تبعثر الضوء (الفوتونات) بالطريقة ذاتها التي يتشتت بها ضوء الشمس على قطرات الماء الساقطة من السحب». ولكن الإلكترونات اتحدت مع مرور الوقت بالنوى لتشكل ذرات متعادلة. مكَن هذا الاتحاد الضوء من الانبثاق بعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم.

يُعرف الضوء البدائي عادةً باسم إشعاع الخلفية الميكروي الكوني -ويُعرف كذلك باسم الشفق بعد الانفجار العظيم-. تنبأ رالف ألفير بهذا الإشعاع لأول مرة مشتركًا مع مجموعة من العلماء عام 1948، إلا أنه اكتُشف مصادفةً بعد عشرين سنةً من ذلك التاريخ.

بنى (أرنو بينزياس – Arno Penzias) و(روبرت ويلسون – Robert Wilson)، وكلاهما من مختبرات بيل للهواتف، مستقبلًا راديويًا، والتقطا درجات حرارة أعلى من المتوقع، وفقًا لناسا. اعتقد العالمان، في البداية، أن الحرارة نتجت عن الحمام وروثه، إلا أنه حتى بعد تنظيف المكان وقتل الحمام الذي بنى أعشاشًا فوق لاقط الاستقبال، استمرت درجات الحرارة بالظهور.

نظرية الانفجار العظيم كيف بدأ الكون كيف نشأ الكون التوسع الكوني إشعاع الخلفية الكوني الميكروي نظرية الغنفجار العظيم ونشأة الكون

التوسع الكوني

حاول فريق من علماء الفلك في جامعة برنستون، يقودهم (روبرت ديك – Robert Dicke)، في الوقت ذاته، البحث عن دليل يثبت وجود إشعاع الخلفية الميكروي، وأدرك الفريق حينها حصول بينزياس وويلسون على هذا الدليل. قدم كل من الفريقين ورقةً بحثيةً عام 1965 يشرحان من خلالها الظاهرة، ونُشرت هذه الأوراق في مجلة العلوم الفلكية.

تحديد عمر الكون:

رُصد إشعاع الخلفية الميكروي في العديد من المهمات الفضائية، لعل أبرزها على الإطلاق كان قمر ناسا الصناعي (مكتشف إشعاع الخلفية المكروي – Cosmic Background Explorer (COBE)) الذي رسم خريطةً تفصيليةً للسماء في ذلك الوقت.

تابعت عدة مهمات فضائية خطى مكتشف إشعاع الخلفية الميكروي، مثل تجربة بوميرانج (منطاد رصد الإشعاع الميليمتري خارج المجرة والفيزياء الأرضية – Balloon Observations of Millimetric Extragalactic Radiation and Geophysics)، و(مسبار ناسا ويلكنسون لتباين الموجات القصيرة – Wilkinson Microwave Anisotropy Probe (WMAP))، و(القمر الصناعي بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية – European Space Agency’s Planck satellite).

حددت المعلومات المرصودة بواسطة القمر الصناعي بلانك، والمنشورة عام 2013، خريطةً تفصيليةً غير مسبوقة للخلفية الكونية، وكشفت أن الكون أكبر عمرًا مما كان متوقعًا؛ إذ اعتُقد أن عمر الكون 13.7 مليار سنة، ولكن المعلومات وضحت أن عمر الكون الحقيقي 13.82 مليار سنة. ما تزال مهمة الرصد جاريةً وستُنشَر خريطة تفصيلية لإشعاع الخلفية الميكروي لاحقًا.

فتحت المعلومات المرصودة الطريق نحو ألغاز جديدة، إذ تُظهر هذه المعلومات أن نصف الكرة العلوي يبدو أحمر اللون، أغمق من النصف السفلي (الكرة التي تمثل خريطة الكون)، بينما تقترح نظرية الانفجار العظيم تشابه إشعاع الخلفية الميكروي دون علاقة للموقع الذي تنظر إليه.

قدمت فحوصات إشعاع الخلفية الميكروي إشارات عن تشكل الكون؛ إذ يعتقد العلماء أن الكون يتكون من مادة وطاقة غير محسوسة في الوقت الحالي، بسبب الأدوات الفلكية التي نمتلكها، إذ أطلق عليها العلماء اسم المادة المظلمة والطاقة المظلمة. تشكِل المادة المكونة للكواكب، والمجرات، والنجوم 5% فقط من تكوين الكون.

الجدل القائم حول موجات الجاذبية:

يسعى علماء الفلك للحصول على دليل لتضخم الكون السريع، في الوقت الذي يستطيعون فيه رؤية بداية الكون. تقول النظرية، أن الكون تضخم بعد لحظة ولادته بسرعة تزيد عن سرعة الضوء، وهذا بالمناسبة لا ينافي كلام أينشتاين حين قال أن سرعة الضوء تُعتبَر حدًا لا يتخطاه أي شيء يتحرك في الكون، ولكن كلامه لا ينطبق على تضخم الكون نفسه.

صرح علماء فلك في عام 2014 عن عثورهم على دليل من إشعاع الخلفية الميكروي فيما يتعلق بالنموذج B، وهو نموذج استقطاب وجِد عند تضخم الكون وخلق موجات الجاذبية. حصل الفريق على الدليل باستخدام تلسكوبات موجودة في القارة القطبية، تدعى هذه التلسكوبات بـِ(مصور الخلفية الكونية للاستقطاب العابر للمجرات -Background Imaging of Cosmic Extragalactic Polarization).

وصرح الباحث الرئيسي في الفريق (جون كوفاك – John Kovac) من مركز هارفرد سيمثسونسان لعلوم الفلك عام 2014: «نحن واثقون بأن ما التقطناه حقيقي وموجود في السماء». ولكن في حزيران من نفس العام صرح الفريق ذاته إمكانية تأثر اكتشافه بالغبار الكوني الذي حجب مجال رؤيتهم.

وقال كوفاك في مؤتمر صحفي: «لم تتغير النتيجة الأساسية، نحن واثقون من نتائجنا، المعلومات الواردة من مهمة بلانك تشير إلى أن التكهنات لوجود الغبار ضعيفة للغاية».

نُشرت نتائج مهمة بلانك على الإنترنت في نموذج أولي في أيلول. عمل الفريقان مع بعضهما في كانون الثاني 2015 وأكدوا أن غالبية نتائج تلسكوب القارة القطبية (إن لم تكن جميعها) عبارة عن غبار نجمي.

أُكِّد وجود موجات الجاذبية، بشكل منفصل، عند ذكر الثقوب السوداء التي تزن عشرات أضعاف وزن الشمس في مجموعتنا الشمسية. التقط مرصد الليزر لتداخل موجات الجاذبية عدة إشارات لموجات الجاذبية هذه منذ عام 2016. من المرجح أن تتكرر عملية اكتشاف موجات الجاذبية المرتبطة بالثقوب السوداء خلال السنوات القادمة، بفضل زيادة حساسية مرصد موجات الجاذبية.

التضخم السريع، الأكوان ورسم البداية:

لا يتوسع الكون فقط، بل يصبح أسرع مع تضخمه، أي مع مرور الزمن لن يتمكن أحد من ملاحظة المجرات الأخرى، أو أي نقطة مهمة داخل مجرتنا من الأرض. يصرح عالم الفلك في جامعة هارفرد آفي لوب في مقاله عام 2014: «سنرى أن المجرات البعيدة تبتعد عنا بسرعة، ولكن سرعتها تزيد مع الوقت، لذا مع مرور الوقت ستصل المجرات البعيدة إلى سرعة تقارب سرعة الضوء، أي أن الضوء لن يتمكن من عبور الفجوة المفتوحة بيننا وبين هذه المجرات.

لن تتمكن الأجسام الخارجية الموجودة على هذه المجرة من التواصل معنا أو إرسال أي إشارة بإمكانها الوصول إلينا، طالما تتحرك مجراتهم أسرع من الضوء القريب منا».

يقترح بعض علماء الفيزياء أن الكون الذي نعيش فيه ما هو إلا واحد من أكوان متعددة. تتعايش هذه الأكوان بحسب نموذج الأكوان المتعددة، مع بعضها مثل الفقاعات المصفوفة بجانب بعضها البعض. تقترح النظرية أنه خلال أول دفعة من التضخم كَبُرت أجزاء من الزمكان بنسب مختلفة، أي تشكلت عدة قطاعات وعدة أكوان، ومن المحتمل أيضًا عدة قوانين فيزيائية.

يقول آلان جوث عالم الفيزياء النظرية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا خلال مؤتمر صحفي عقب إعلان اكتشاف موجات الجاذبية: «يصعب بناء نماذج من التضخم دون أن يقودنا ذلك نحو أكوان متعددة، هذا ليس مستحيلًا، لذا أظن أن حاجتنا إلى تنفيذ بعض الأبحاث لا زالت قائمةً، ولكن معظم النماذج المتعلقة بالتضخم الكوني تقود إلى فكرة الأكوان المتعددة، وإيجاد دليل للتضخم الكوني سيقودنا حتمًا إلى تأكيد فكرة الأكوان المتعددة وبشكلٍ جدي».

بينما نستطيع فهم كيف أُنشئ الكون الذي يحيط بنا، من الممكن ألا يكون الانفجار العظيم هو أول فترة لتضخم هذا الكون. يعتقد بعض العلماء أن الكون الذي نعيش فيه يمر في مراحل من التضخم والانكماش، وأننا لا نعيش سوى مرحلة من هذه المراحل.

اقرأ أيضًا:

المصدر

ترجمة: مازن سفّان

تدقيق: آية فحماوي