ربما يكون جواب لغز المادة المظلمة تحت أقدامنا! المادة المظلمة هي المكون الافتراضي لكوننا، نفسر بفضلها العديد من التصرفات الغريبة للنجوم والمجرات. على الرغم من الدليل الساحق على حقيقة وجودها فإننا ما زلنا نجهل ممّ هي مصنوعة أو مكونة، تعمل الكاشفات المتناثرة حول العالم لعقود محاولةً كشف الأثر الخافت لجزيء عابر من المادة المظلمة من دون فائدة، لكن ورقة جديدة تقترح نهجًا بديلًا؛ هو الحفر في العمق.

نحن نعلم بوجود المادة المظلمة بفضل مجموعة من الملاحظات الفلكية؛ فالنجوم تدور حول مراكز مجراتها بسرعة كبيرة، والمجرات تنطلق بسرعة وصخب في العناقيد المجرّيّة، وتظهر الهياكل العملاقة في الكون في وقت مبكر جدًا.

بقدر ما نستطيع أن نقول، يوجد في الكون أكثر بكثير مما تراه العين؛ يوجد نوع من المادة غير المرئية تمامًا بالنسبة لنا. مهما كانت المادة المظلمة فهي نوع جديد من الجسيمات التي لا تتفاعل مع الضوء؛ ما يعني أنها لا تبعث الإشعاع الكهرومغناطيسي أو تمتصه أو تعكسه أو تكسره؛ ما يعني أننا لا يمكن أن نراها؛ وهذا ما يجعلها مظلمة.

حتى الآن، السبيل الوحيد الذي من طريقه ندرك وجودها هو الجاذبية؛ فعلى الرغم من قدرتها الخارقة على الاختفاء فإنها ما تزال لديها كتلة تمكنها من سحب وتشكيل أكبر الأجرام الكونية معلنة وجودها عبر حركة أكثر النجوم والمجرات إضاءةً في الكون.

اخترع الفيزيائيون جسيمات جديدة بوصفها نتائج للنظريات الفيزيائية الجديدة، بعضها يناسب ما يمكن للمادة المظلمة أن تكون. المرشّح الأكبر هو جسيم معروف باسم الجسيم الهائل ضعيف التفاعل (WIMP).

ضعف التفاعل لا يعني أن الجسيم غير فعّال؛ بل أن المادة المظلمة تتفاعل من حين لآخر مع المادة العادية عبر القوة النووية الضعيفة، لكن كما يقترح الاسم فالقوة النووية الضعيفة ليست الأقوى ونطاقها قصير جدًا ما يجعل هذه التفاعلات نادرة للغاية.

الندرة لا تعني الانعدام، فالمليارات بل التريليونات من جسيمات المادة المظلمة تسبح عبرك الآن، لكن بما أن المادة المظلمة بالكاد تلاحظ المادة الطبيعية -والعكس صحيح- فأنت ببساطة لا تشعر بها ويجب أن تعمل على نطاق واسع قبل أن تبدأ برؤية أثر جاذبيتها.

مع ذلك، نادرًا ما يُصبح جسيم المادة المظلمة عنيفًا ويتفاعل مع جسيم المادة الطبيعية من طريق القوة النووية الضعيفة -غير معروف كم هو نادر بالضبط-، يتطلب ذلك نقلًا للطاقة (أي أن جسيم المادة المظلمة يركل الجسيم العادي) مرسلًا المادة العادية لتطير، وهذا شيء يمكننا كشفه من ناحية المبدأ.

لكن انطلاقًا من كونها نادرة وضعيفة للغاية فإن محاولاتنا للكشف لم تثبت أنها مثمرة؛ فنحن بحاجة إلى كاشفات أكبر لكشف مناطق أكبر وأوسع (كون حالات التفاعل نادرة جدًا فنحن أمام خيارين؛ بناء كاشف كبير جدًا، أو الانتظار لبضع مئات السنين) وماذا بعد؟ علينا دفن هذه الكاشفات عميقًا داخل الأرض، على عمق نحو 2 كيلومتر تحت سطح الأرض بسبب وجود الكثير من الإزعاج دون الذري كالجسيمات الأخرى عالية الطاقة، مثل النيوترينوات والأشعة الكونية التي تتسبب بركلات مماثلة لركلات جسيم المادة المظلمة، ما يجعلنا بحاجة لاستخدام الكثير من الصخور من أجل امتصاصها قبل أن تضرب الكاشف لضمان أنه في حالة رأينا إشارة فمن المرجح أن تكون المادّة المُظلمة هي المسبب.

حتى الآن، وبعد عقود من بناء أجهزة كشف أكبر من أي وقت مضى ومراقبتها بعناية، لم نجد شيئًا.

يوجد حد لحجم كاشف المادة المظلمة الذي يمكننا بناؤه على أساس قيود الهندسة والتكلفة الممكنة، لكن لحسن الحظ ووفقًا لورقة جديدة ظهرت مؤخرًا على موقع الطباعة المسبقة عبر الإنترنت (arXiv). يوجد كاشف ضخم للمادة المظلمة كان يجمع البيانات لملايين السنين، وهو تحت أقدامنا!

إن قشرة الكرة الأرضية نفسها تعمل ككاشف عملاق؛ فعندما تتفاعل جسيمات المادة المظلمة الضالة مع المادة العادية داخل صخرة يمكن ركل بروتون أو نيوترون إلى الخارج ما يغير التكوين الكيميائي للصخرة بالقرب من موقع أو نقطة التأثير، قد يؤدي ذلك إلى إرسال الجسيمات متطايرةً تاركةً وراءها ندبة مجهرية.

والأفضل من ذلك أن الحفريات العميقة يمكنها الوصول إلى أجزاء من قشرة الأرض أكثر من ضعف عمق كاشفات المادة المظلمة التي لدينا حاليًا، واعدةً بنتائج أدق من الأشعة الكونية والجزئيات الأخرى، وبما أن الصخور تبقى صخورًا لملايين بل مئات الملايين من السنين، كانت تسجل تفاعلات المادة المظلمة طوال ذلك الوقت ولفترة أطول بكثير مما نأمل الوصول إليه خلال كامل فترة تجاربنا.

إذن، ذلك سهل جدًا؛ احفر في حزمة من الصخور (من الأفضل أن يكون نوعًا نقيًّا سهل التحليل) وانظر فيها بقرص مجهري دقيق للبحث عن علامات العنف دون الذري.

وعلى أي حال، تحتوي صخور الأرض طبيعيًا على عناصر مشعّة، وسيؤدي الانحلال الإشعاعي إلى مميزات مشابهة، يقترح العلماء التنقيب في القشرة المحيطية لحل هذه المشكلة على اعتبارها أكثر نقاءً بكثير من القشرة التي تبني القارات. يتوقع الباحثون أنه يمكن أن يكون لدينا كاشف فائق في متناول اليد، حتى مجرد كيلوغرام من الصخور سيتغلب على حساسية أفضل كاشفات العالم الحالية. كل ما علينا فعله هو الحفر.

اقرأ أيضًا:

تلسكوب هابل يرصد أصغر كتل معروفة من المادة المظلمة

يمكن لمغناطيسات المادة المظلمة أحادية القطب القادمة من الشمس عبور أجسادنا كل يوم

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: سميّة بن لكحل

المصدر