مراجعةٌ شاملة للدراسات البشرية خلال العشر سنواتٍ الماضية، والتي قدمت أدلةً قويةً.

يشكل التعرّض لكيميائيات البيئة، خاصةً في عمرٍ مبكرٍ، عامل خطورةٍ قويٍ؛ لحدوث سرطان الصدر، وذلك وفقًا لإحدى مراجعات الدراسات البشرية وأكثرها شمولًا، ويمكن لنتائج هذه المراجعة أن تساعد في وضع طرق الوقاية، التي تصب بتقليل عدد الإصابات بهذا النوع من السرطانات، الذي بات عدده يتزايد بشكلٍ كبيرٍ حول العالم.

لقد نشر مجموعةٌ من العلماء من (معهد الربيع الصامت- Silent Spring Institute) عام 2007م، مراجعةً تعد معْلمًا علميًا بارزًا، يتكلم عن الارتباط بين الكيمائيات البيئية، والإصابة بسرطان الثدي، وقد حدّدت هذه المراجعة 216 من الكيمائيات المسببة لنشوء سرطانات في الخلايا الثديية عند حيوانات التجربة، كما وضعت خارطة طريقٍ لدراسة أثر هذه الكيميائيات على الإنسان، تقول الدكتورة العالمة جوليا برودي (Julia Brody)، المديرة التنفيذية لمعهد الربيع الصامت: “كانت تلك المراجعة نقطة علامةٍ، ودعوةً للالتفات إلى عامل خطورةٍ مهم، والآن، وبعد عشرة أعوام من الأدلة التي تدعم تلك المراجعة، أصبحت أقوى”.

ومنذ المراجعة الأولى تلك، أجرى العلماء مئات الدراسات حول الكيميائيات البيئية وسرطان الثدي، ومن أجل جمع الأدلة وترتيبها، قامت الدكتورة برودي مع فريقها، بإجراء بحثٍ مُمنهجٍ عن الأدبيات السابقة، وفد استطاعوا الوصول إلى 158 دراسةً وبائيةً، نُشرت بين العامين 2006م، و2016م، واستعرض الباحثون بشكلٍ نقديٍ كافة الدراسات في ضوء العلم الناشئ عن البيولوجيا الكامنة وراء تشكل سرطان الثدي، بصفته دراسة أثر الموروثات، الهرمونات على نشوء المرض.

وقد جاءت مراجعة الفريق تلك، والتي نشرت بمجلة (البحوث البيئية-Environmental Research) الإلكترونية، بعدة استنتاجات، إذ أشارت النتائج من الدراسات الرئيسية إلى أن التعرض للمواد الكيميائية في وقتٍ مبكرٍ من الحياة – في الرحم، وأثناء البلوغ، وخلال الحمل – يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي في وقتٍ لاحقٍ، فعلى سبيل المثال يؤدي التعرض المبكر لكلٍ من مركب الـ (DDT) الدايوكسينات، والمركبات عالية الفلورة (PFOSA)، والملوثات الهوائية، إلى زيادة احتمال الإصابة بسرطان الثدي بمقدار ضعفين إلى خمسة أضعاف، كما أن التعرض المبكر في أماكن العمل للمذيبات العضوية، والغازولين، يزيد من مخاطر الإصابة أيضًا.

تقول المؤلفة الرئيسة للمراجعة كاثرين رودجرز(Kathryn Rodgers) والعالمة الباحثة في معهد الربيع الصامت: إنه من “خلال التعرض لهذه الكيميائيات يحدث ما يسمى بنوافذ الحساسية، إذ يتغير الجسم، وتنقسم خلايا الثدي بسرعةٍ كبيرةٍ، فتصبح هذه الخلايا أكثر عرضة للتلف؛ نتيجة التعرض للمركبات الكيميائية تلك”.

وتؤثر الاختلافات الوراثية بين البشر أيضًا، بكيفية استجابة الأجسام المختلفة للمواد الكيميائية المختلفة، فقد وجد مشروع دراسة سرطان الثدي (الجزيرة الطويلة)، الذي كانت له العديد من المنشورات حول المواد الكيميائية وسرطان الثدي، إلى أن استجابة النساء المتعرضات للهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات – وهي مادة كيميائية توجد في عوادم السيارات – اختلفت حسب الموروثات التي يمتلكونها، فبعضهن يمتلكن موروثاتٍ معينةٍ كانت احتمالية إصابتهن بسرطان الثدي أعلى من البقية، مع أنّ جميعهن تعرضن للمادة الكيمائية نفسها.

لقد قامت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) بتصنيف الهواء الملوث في الشوارع، بصفته عاملًا مسرطنًا للبشرية في عام 2013م، وتبين أن العديد من مكونات تلوث الهواء، تسبب أورام الثدي في الحيوانات، تقول رودجرز: “لقد حفز هذا القلق المتزايد بشأن المواد الكيميائية في معظم المنتجات الاستهلاكية اليومية، إجراء سلسلةٍ من الدراسات الجديدة، فالعديد من المواد الكيميائية ضمن المنتجات الاستهلاكية مثل الـ (PBA)، والفتالات مسببة لاضطرابات الغدد الصمّاء، وهي تتداخل مع هرمونات الجسم، وإن تشكل آثار عليه حتى عند التعرض له بتركيز منخفض، وترجح الدراسات التي أجريت على حيوانات التجربة، وجود علاقةٍ بين سرطان الثدي واضطرابات غدد الصم، بينما تقول الأبحاث التي أجريت على البشر إن العلاقة بينهما ضئيلة”.

وأضافت: ” كل يومٍ نتعرض للعديد من المواد الكيميائية، والعديد من المواد الجديدة تعرض في الأسواق، وللأسف من الصعب دراسة مدى التعرض للمواد الكيميائية المختلفة في أوقاتٍ وظروفٍ مختلفة من حياة الإنسان، والتحدي الآخر الذي نواجهه، هو أن سرطان الثدي يستغرق سنواتٍ لظهوره”.

يقول الدكتور ماريون كافاناو لينش(Marion Kavanaugh Lynch) مدير برنامج كاليفورنيا لأبحاث سرطان الثدي: إنه “ليس من العملي، ولا الأخلاقي أن ننتظر عقودًا من السنين لمعرفة فيما إذا كان التعرض لمادة كيميائية أدى لتطوير سرطان الثدي لدى النساء أو لا، وهذه المراجعة الشاملة للعلم، تؤكد أنه يجب علينا أن نتخذ نهجًا وقائيًا”.

يعد سرطان الثدي، أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في جميع أنحاء العالم، ومعدلات الإصابة به في الولايات المتحدة، هي من بين أعلى المعدلات في العالم، تقول برودلي: “ما لا يعرفه الجميع، هو أن سرطان الثدي، مرض يمكن الوقاية منه بشكل كبيرٍ، والحالات عالية الخطورة، والتي تحدث بسبب الموروثات الخطرة (BRCA1, BRCA2)، تشكل فقط 5 إلى 10% من عدد الإصابات، تقول: “تقليديًا، تصدرت الهرمونات الصيدلانية، والنشاط الفيزيائي، وعوامل نمط الحياة الأخرى، قائمة عوامل الخطر التي يمكن الوقاية منها، لكن الآن، وصل التعرض للمواد الكيميائية لأعلى القائمة”، كما أضافت: “يمكن للمستهلكين اتخاذ بعض الخطوات للحدّ من تعرّضهم لتلك الكيماويات، عن طريق اختيار منتجاتٍ أكثر أمانًا، ولكن، تقول هي وزملاؤها، إن هناك حاجة ماسّة إلى وضع سياساتٍ أقوى؛ لضمان السلامة الكيميائية، والحماية البيئية؛ لحماية الناس من هذه التعرّضات واسعة الانتشار”.

ومن بين المواد الكيميائية العشرة التي أعطتها وكالة حماية البيئة الأمريكية الأولوية للمراجعة بموجب قانون مراقبة المواد السمية (TSCA)، هناك خمسة مواد مسرطِنة، أو مواد كيميائية مرتبطةٍ بسرطان الثدي، وهذا ما عدته برودي أنّه بداية جيدة، وقالت إنّه يمكن أيضًا تعزيز اختبارات السلامة الكيميائية، بحيث تدرس المنتجات، ومدى سُميّتها؛ للتأكّد من أنّها آمنة قبل عرضها في الأسواق.


  • ترجمة: حلا مخللاتي
  • تدقيق: رجاء العطاونة
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر