شهد القرن العشرون نموذجين فيزيائيين غيَّرا من طريقة فهمنا للطبيعة الأم، الأول هو ميكانيكا الكم، والآخر هو النسبية.

يُنتج لنا الربط بين هذين النموذجين نظرية «المجال الكموميّ»، مع وجود صدعٍ كبيرٍ ومثيرٍ للقلق في الفيزياء لقلة فهمنا له؛ هو «المادة المضادة».

نتيجةً لذلك؛ فإنَّ عدد الجُسيمات الأولية قد تضاعف، ويعمل علماء الفيزياء في القرن الحالي على دمج ميكانيكا الكم مع النسبية العامة لأينشتاين (وهي النسبية التي تفسّر آلية عمل الجاذبية في الكون).

يشهد هذا الدمج صعوباتٍ بالغة؛ لأنه يُنتج احتمالياتٍ غير مفهومة رياضيًا، لا نهائية، وتأخذ قيمًا سالبة.

ولكنَّ الحل الوحيد لنجاح هذا الدمج هو بواسطة نظرية (التناظر الفائق – Supersymmetry)، التي تضاعف عدد الجسيمات مرةً إضافيةً أخرى.

ولكن ما الحاجة إلى وجود المادة المضادة؟

السبب الأول هو حل مُعضلةٍ فيزيائية نشأت في القرن التاسع عشر في الفيزياء الكلاسيكية وخصوصًا الكهرومغناطيسية.

فحسب علمنا، الإلكترون عبارةٌ عن جُسيمٍ نقطيّ ليس له أبعاد في الفضاء، ولا حجم، ولكنه يمتلك شحنةً سالبة، بالإضافة إلى أنَّ أي جسمٍ مشحون يُنشئ مجالًا كهربائيًا حول نفسه، ويستشعر هو نفسه بهذا المجال ويتأثر به، وهذا في النهاية يؤدي إلى طاقةٍ لانهائية للإلكترون؛ لأنه يستخدم الطاقة المُحيطة به التي قد أنتجها من قبل لينتج طاقةً جديدة، وهكذا….

السبب الآخر أنَّ معادلة أينشتاين الشهيرة E=mc2 تنصُّ على أنَّ كتلة الجُسيم تحدّد مقدار الطاقة التي يمتلكها أثناء فترة توقفه أو راحته، وبالعودة إلى الإلكترون؛ فإنه يمتلك طاقة أثناء توقّفه تُقدّر بحوالي .551MeV

ولكن، المثير في الأمر أنّ هذا القدر من الطاقة لا يمكنه ضغط نفسه في حجمٍ أقل من حجم النواة مثل الإلكترون، وكل ذلك بحسب النظرية الكلاسيكية للكهرومغناطيسية، وبالتالي، فإنَّ هذه النظرية لا تعمل ولا تفسّر تلك الظاهرة، لأن الإلكترون حجمه أصغر من حجم النواة بحوالي 10 آلاف مرة.

حُلَّت هذه المُعضلة بعد اكتشاف المادة المضادة وخصوصًا «البوزيترون»؛ الجُسيم المضاد للإلكترون الذي له نفس خصائص الإلكترون ولكنه يحمل شحنةً موجبة.

فحسب ميكانيكا الكم، يُمكن اقتراض مقدارٍ من الطاقة الكونية في خلال الفترة الزمنية المُتاحة اعتمادًا على مبدأ عدم اليقين، وبمجرّد وجود المادة المضادة التي قد تصطدم بنظيرتها من المادة ويفنيان معًا، ويُعيدان الطاقة إلى الكون مرة أخرى -أو قد تنشأ المادة المضادة مع نظيرتها من المادة نفسها ويفنيان بعد وقت قصير- فإنَّ ما كنا نحسبه فراغًا تامًا، سيمرّ بحالةٍ من التذبذب ينتج عنها تكوين زوجٍ من الإلكترونات والبوزيترونات مع فوتون، ويعود جميعهم إلى الفراغ بعد انقضاء فترة مبدأ عدم اليقين.

بالإضافة إلى تأثير المجال الكهربائي الذي يصنعه الإلكترون لنفسه

يُمكن للإلكترون أن يصطدم مع البوزيترون ويفنيان معًا في التذبذبات، تاركين الإلكترون الأصلي كإلكترونٍ حقيقيّ داخل التذبذبات.

اتَّضح أن تلك المُساهمات من الإلكترون والبوزيترون من خلال الطاقة، يلغي بعضُها بعضًا، وبالتالي، يمكن للحجم الصغير للإلكترون أن يحوي ذاك القدر من الطاقة من خلال تفسيرات ميكانيكا الكم والجُسيمات المضادة.

يواجه النموذج المعياري الفيزيائي للجسيمات الآن نفس المعُضلة، فنحن على علمٍ باحتواء الكون على كمياتٍ هائلة من بوزون هيغز الذي يؤثر بشكلٍ كبير على جسيمات وقوى المادة ويمنع وصولها لأبعد حد ممكن وذلك بسبب تأثيره على كتلتها بزيادتها.

فعلى سبيل المثال، يدفع (بوزون W) -الذي ينقل القوى النووية الضعيفة- كمياتٍ كبيرة من بوزون هيغز طوال الوقت، وبالتالي تصبح هذه القوى ضئيلة، وتمتد لمسافاتٍ ضئيلة داخل النواة.

فكل الجُسيمات الفيزيائية تستمد كتلتها من بوزون هيغز، بالرغم من أنَّ بوزون هيغز يستمد كتلته من نفسه؛ ما يجعلنا في ورطةٍ لدراسة الفيزياء على مستوى أدق وأصغر.

وبما أنَّ الجاذبية ترتبط مع القوى الأخرى على مستوياتٍ أصغر وأدق تبلغ طول بلانك الذي يُقدر بحوالي 10-33cm، فإن أي محاولةٍ لدمج ميكانيكا الكم مع الجاذبية تُعتبر ضربًا من الخيال.

التناظر الفائق عبارةٌ عن إعادة التاريخ لنفسه لحل نفس المشكلات القديمة، فلكل جُسيمٍ شريكٍ فائق يختلف عن العادي في اللف المغزلي بمقدار 1/2، ومع تضاعف عدد الجُسيمات مرة أخرى، فهناك إلغاءٌ للجُسيمات الفائقة مشابه لمثيلتها من الجسيمات العادية، وبالتالي يستطيع النموذج المعياريّ أن يصف الفيزياء على مستوى طول بلانك، ما يجعل التزاوج بين الجاذبية وميكانيكا الكم ممكنًا.

وبالفعل، استطاع التناظر الفائق أن يوحّد بين ثلاث قوى؛ القوى النووية القوية، والقوى النووية الضعيفة، والقوى الكهرومغناطيسية، فدون التناظر الفائق كانت هذه القوى تقترب من بعضها للغاية وتتغير كدالةٍ للطاقة، وكلما ازدادت طاقتها ازداد اقترانها واقترابها، ولكن مع وجود التناظر الفائق أصبحت المساواة بينها ممكنةً على المستويات الصغيرة.

ولكن السؤال الأهم: من أين نحصل على هذه الجُسيمات الفائقة؟

نأمل في المستقبل أن نحصل عليها من مصادم الهادرونات الكبير بسيرن، أو في مختبر فيرمي.

ومن الممكن أن تكون حولنا في كل مكانٍ دون أن نستطيع رصدها، فمجرتنا درب التبانة مليئةٌ بالمادة المظلمة وجُسيمات ترابطٍ ضعيفة تعمل على ترابط أجزاء المجرة مع بعضها بالرغم من سرعة دورانها الكبيرة.

ولكن، وبالرغم من الحلول التي قدّمتها نظرية التناظر الفائق للفيزياء، إلا أنها أوجدت لنا مجموعةً أخرى من المشاكل كالآتي:

  1.  ما الذي يجعل الجُسيمات الفائقة أثقل من مثيلاتها العادية؟
  2.  ما الذي يجعل الجُسيمات الفائقة مختبئةً حتى الآن، وليس لديها أي تأثيرٍ يمكن رصده حتى الآن؟
  3.  كيف يمكن اكتشاف تلك الجسيمات معمليًا؟
  4. كيف تتداخل تلك الجُسيمات مع الفضاء الواسع وما دورها في المادة المظلمة؟

ولكننا نعمل على حل تلك المشاكل.



  • ترجمة: مازن عماد
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تدقيق: محمد سفنجة
  • المصدر