ربما يمكن لثقب أسود صغير مساعدتنا على التوصل إلى فهم كيفية تدفق الأشعة الكونية الغامضة عبر الكون، التي تضرب الأرض وتصيبها بسرعة الضوء تقريبًا. تتسلل إلينا الأشعة الكونية عالية الطاقة باستمرار من الفضاء، مع ذلك فإن العلماء لا يعرفون الكثير عنها حتى الآن. أحد الألغاز القديمة الخالدة هو: كيف يمكن للأشعة الكونية أن تصل إلى كوكبنا بهذه السرعات الهائلة؟

توصل الباحثون بواسطة مراقبتهم ثقبًا أسود إلى اكتشاف حدوث تسارع للجسيمات يحدث طبيعيًا، ربما هو المسؤول عن تسريع الأشعة الكونية التي تقصف كوكبنا.

قالت كاتبة الورقة البحثية، الباحثة لورا أوليفيرا نييتو: «على مدار السنوات الماضية، كان بإمكاننا أن نقول: نعم، يوجد تسارع جسيمي. لكن كيف يحدث؟ كان من المستحيل أن نعرف كيفية حدوث ذلك رغم معرفتنا بوجوده. أما الآن فنحن ندخل عصرًا يتيح لنا بالفعل الإجابة عن هذه التساؤلات».

تتدفق الأشعة الكونية السريعة من الثقوب السوداء والنجوم المتفجرة، ويسبح كوكبنا في بحر من الأشعة الكونية. هذه الأجزاء المشحونة تتقاذف بطبيعتها في أرجاء كوننا، حاملةً الكثير من الطاقة.

إذا ضربت هذه الأشعة كوكبنا دون حاجز، فلن تكون الحياة ممكنة على الأرض. إذ تنتقل الأشعة الكونية بسرعة الضوء تقريبًا، وهي سريعة جدًا ما يجعلها قادرةً على المرور عبر أجسامنا، حاملةً الكثير من الطاقة لدرجة إتلاف حمضنا النووي.

لحسن الحظ، فإن الغلاف الجوي لكوكبنا يحمينا من الآثار الضارة للإشعاع. مع ذلك يظل فهمنا لكيفية ما يجري في أرجاء كوننا ضروريًا، لا سيما وأن المزيد من البلدان تستثمر في محاولة جعل البشر يسكنون الكواكب الأخرى مستقبلًا.

أحد الأشياء التي لا نفهمها حقًا هو كيفية وصول الإشعاع لهذه السرعة المهولة التي ينتقل بها.

عندما يراقب العلماء الأشعة الكونية القادمة من الكوازارات والمستعرات العظمى، عادةً فإن كل ما يرونه هو فقاعة كبيرة!

تأتي الأشعة الكونية عالية الطاقة من الكوازارات البعيدة جدًا، لذا فمن الصعب رؤيتها بالتفصيل. قد تكون المستعرات العظمى أقرب إلينا، لكنها ترسل أشعة منخفضة الطاقة، عادةً ما تكون باهتة جدًا عند رصدها بواسطة تلسكوب أرضي.

لكن يوجد جسم كوني قريب سُمي (SS 433)، يمثل فرصة نادرة للنظر في الأشعة الكونية بتفاصيل غير مسبوقة. وهو ثقب أسود صغير تبلغ كتلته نحو عشرة أضعاف كتلة الشمس، ويبعد نحو 18000 سنة ضوئية.

قالت نييتو: «عادةً يُعرف مثل هذا الجرم بالكوازار الصغير، إذ يُعد نسخة مصغرة من الأجرام الكبيرة».

هذا يعني أنه ضعيف بما يكفي ليكون قريبًا، لكنه قوي بما يكفي لقذف جزيئات ذات طاقة أعلى من طاقة المستعر الأعظم.

قالت نييتو إن سببًا آخر يجعل هذا الكوازار الصغير مميزًا جدًا هو أن هذه الأجسام عادةً تضم نفاثات تدوم يومًا أو يومين. أما هذه النفاثات فقد استمرت 50 عامًا، وهذا أمر غير عادي، وهو الوحيد المعروف بثباته حتى الآن.

عندما نظر الباحثون إلى هذا الجرم، وجدوا فجوة كبيرة في النفاثات، إذ أتيحت لهم الفرصة لرؤية حلزونات صغيرة حول الثقب الأسود، على بعد نحو 0.1 فرسخ فلكي، ثم لا شيء، ثم عادت النفاثات إلى الظهور بعد نحو 75 سنة ضوئية.

يعتقد العلماء أن تلك الفجوة هي مكان حدوث ظاهرة تسريع الجسيمات إلى سرعة الضوء تقريبًا. لدى العلماء ثلاث نظريات لشرح كيفية عمل مسرع الجسيمات الطبيعي هذا.

إحدى النظريات تنص على أن خطوط المجال المغناطيسي حول الثقب الأسود تحمل هذه الجسيمات طبيعيًا، وتتعرض لشد كبير ناتج عن قوة الجاذبية، ما يصل بها لدرجة التمزق بعنف، دافعةً بذلك الجسيمات إلى الفضاء. يتطلب ذلك أن يكون المسرع قريبًا جدًا من الثقب الأسود.

نظرية ثانية أن الثقب الأسود يخلق أنفاقًا تعزز الجسيمات في أثناء ارتدادها على الجانبين، ثم تصبح الجسيمات أسرع تدريجيًا.

تطرح عمليات المراقبة فرضية ثالثة: تصطدم الجسيمات بجدار غير مرئي، مسببةً ما يُسمى الانقطاع، إذ تتوقف الجسيمات فجأة في مسارها. هذا التغير المفاجئ في السرعة يؤدي إلى تراكم الطاقة حول الجسيمات، ما يمنحها هذه السرعة عندما تخترق في النهاية.

لكن ما سبب تلك الصدمة والاهتزازات؟

تقول نيتو: «لا نعرف حتى الآن، إنه أمر مثير للاهتمام للغاية كونه يحدث على كلا الجانبين بتماثل، ما يعني أنه مرتبط بطريقة ما بالنظام ذاته».

اقرأ أيضًا:

ما ألوان كوكب أورانوس وكوكب نبتون؟

رصد مجرة غريبة لا تحتوي نجومًا على الإطلاق

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر