الثقوب السوداء، تلك المناطق من الفضاء التي كانت نظرية حتى عُثر عليها وأُكِّد وجودها في أواخر القرن العشرين، لقد وجدها علماء الفضاء في كل مكان تقريبًا، حتى أن لدينا صور الراديو لثقبين أسودين في قلب مجرتنا.

حسنًا، ماذا نعرف عنها حتى الآن؟ الكثير في الحقيقة، لكن هناك المزيد أيضًا لنعرفه.

اكتشافٌ مُذهل حققه علماء الفضاء باستخدام بيانات الأشعة السينية لمرصد كاندرا عن ثقب أسود عملاق داخل مجموعة مجرّية بعيدة، وما وجدوه قدّم لمحات عن مصدر الثقوب السوداء العملاقة وتطورها.

عاملان لتعريف الثقوب السوداء

هناك تحديات جمة تواجهنا عند دراسة الثقوب السوداء، خاصة العملاقة منها، فقد تبين أن لكل مجرة كبيرة ثقب أسود عملاق في مركزها، لذا من المهم جدًا معرفة كل ما يمكن تحصيله حولها.

إذ تقدر كتلة هذه الأجرام الكونية بمليارات الكتل الشمسية.

إن لها قوى جذب هائلة؛ لا شيء على الإطلاق، بما في ذلك الضوء، يمكنه الهروب منها، ما يجعل قدرتنا على النظر إليها أو إلى المناطق المحيطة بها من المهام شديدة الصعوبة.

يوجد شيء غير واضح حتى الساعة؛ كيف تتكون هذه الوحوش الفضائية وتتطور؟

تكمن الإجابة في اثنتين من خصائص الثقوب السوداء، تقول جوليا سيسك-رينيز من مركز الفضاء (loA) بجامعة كامبردج بالمملكة المتحدة، وقائدة الدراسة الجديدة حول الثقوب السوداء العملاقة التي تبعد نحو 3.6 مليار سنة ضوئية: «تعرف الثقوب السوداء بقيمتين: سرعة دورانها، وكتلتها، قد يبدوا هذا بسيطًا إلى حد ما، لكن الحقيقة أن تحديد هذه القيم عملية صعبة جدًا».

توجيه الأشعة السينية نحو الثقوب السوداء

تعيين قيمة الكتلة أمرٌ صعب، لكن توجد طرق تمكننا من ذلك. معرفة سرعة دورانها من الأمور المستعصية أيضًا. استخدمت سيسك-رينيز وفريقها المساعد بيانات الأشعة السينية لمرصد كاندرا من أجل معرفه المزيد عن الثقوب السوداء العملاقة.

لقد درس الفريق ملاحظات محرك الثقب الأسود العملاق المركزي البعيد (H1821+643)، حتى أنهم تمكنوا من معرفة سرعة دورانه. تقدر كتلته بثلاثين مليار مرة كتلة الشمس. (تقدر كتلة الثقب الأسود المركزي لمجرتنا درب التبانة بنحو أربعة ملايين مرة فقط من كتلة الشمس).

لماذا الأشعة السينية؟

إن خاصية دوران الثقب الأسود حول نفسه تجذب إليه الفضاء المحيط به وتسمح للمادة بالدوران حوله في مدارات أقرب من مدارات الثقوب السوداء الأخرى التي لا تدور على الإطلاق. تستطيع بيانات الأشعة السينية أن تُظهر مقدار سرعة دوران الثقوب السوداء حول نفسها.

أظهرت دراسة أطياف الثقب الأسود H1821+643 أن معدل دورانه غريب بعض الشيء مقارنةً بالثقوب السوداء الأقل كتلة وذات سرعة الدوران القريبة من سرعة الضوء.

يقول كريستوفر رينولدز، عالم الفضاء من نفس معهد الفضاء والمؤلف المشارك في الورقة البحثية، حول نتائج قياسات المرصد كاندرا: «لقد وجدنا أن الثقب الأسود موضوع الدراسة يدور حول نفسه بسرعة تقارب نصف سرعة دوران معظم الثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها بين مليون وعشرة ملايين من كتلة الشمس، وهنا يكمن السؤال الذهبي؛ لماذا؟».

الثقوب السوداء: النشأة والتطور

تكمن الإجابة في تاريخ الثقب الأسود H1821+643 من أجل فهم سبب بطء دورانه، طبقًا لما أوضحه المؤلف المشارك جيمس ماثيو من نفس المعهد الفضائي.

يعتقد الباحث أن الثقوب السوداء العملاقة مثل H1821+643 نمت عن طريق الاندماج بثقوب سوداء أخرى في أثناء تصادم مجراتها.

من المعروف أن المجرات تتعاظم عن طريق التصادم بمجرات أخرى، بما في ذلك تصادم المجرات الصغيرة، لذا قد يكون هذا ما حدث أيضا للثقوب السوداء العملاقة عند تكونها.

من الممكن أيضًا أن الإطار الخارجي للثقب الأسود قد تمزق جراء هذا التصادم، وانطلقت الغازات في اتجاهات عشوائية جراء هذا الحدث.

قد تؤثر تلك النوعية من النشاطات على معدل دوران هذا الثقب الأسود؛ إنها تُبطئ حركته أو حتى تُغير اتجاه دورانه إلى الجهة العكسية، ما يعني أن هذه الثقوب السوداء قد تُظهر تباينًا في معدل سرعة دورانها بناءً على تاريخها القريب.

يقول ماثيو: «قد تكون سرعة الدوران المتوسطة لهذا الجُرم العملاق شاهدًا على العنف والتاريخ الفوضوي لأعظم الثقوب السوداء في الكون، وقد يُعطينا هذا لمحات حول مستقبل الثقب الأسود العملاق في مجرتنا بعد مرور مليارات السنوات في المستقبل عندما تصطدم مجرتنا درب التبانة مع جارتنا أندروميدا ومجرات أخرى».

اقرأ أيضًا:

رصد أسرع الثقوب السوداء نموًا وأكثرها سطوعًا

تلسكوب هابل في دراسة جديدة حول أصل الثقوب السوداء

ترجمة: محمود سامي

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر