توصل بحث جديد إلى أن النيوترينوات عالية الطاقة لها أصل مختلف عن ما كان يظن من قبل، فقد كان العلماء يظنون أنها تنتج عن حدث التهام الثقوب السوداء للنجوم.

أظهر تحليل موجات الراديو المنبعثة من حدث تمزيق والتهام ثقب أسود للنجم المعروف بـاسم AT2019dsg، أنها كانت موجات عادية إلى حد ما، على الأقل فيما يتعلق بالثقوب السوداء التي تمزق النجوم، ما يعني أن هذا الحدث لم يكن نشطًا بما يكفي لإنتاج النيوترينو خلال أشهر من ابتداء عملية تمزيق الثقب الأسود للنجم، وأن أحداث إطلاق النيوترينوات عالية الطاقة فيه كانت مجرد مصادفة.

تقول عالمة الفلك كيت ألكسندر من جامعة نورث وسترن: «بدلًا من رؤية نفثات ساطعة من المواد اللازمة لانبعاث النيوترينوات عالية الطاقة، نرى تدفقًا خافتًا من المواد الراديوية».

إن موت نجم بسبب ثقب أسود ليس عملية منظمة ومرتبة، فعندما يقترب نجم شارد من الثقب الأسود وتصطاده جاذبيته؛ فإن قوة المد الجذبوي الهائلة للثقب الأسود تبدأ بالتمدد أولًا ثم تسحب النجم بشدة حتى يتمزق.

يسمى هذا الحدث «اضطراب المد الجذبوي (TDE)»؛ إذ يطلق وميضًا ساطعًا من الضوء، يتوهج بلمعان حيث يدور نصف الحطام من النجم المتحلل في قرص حول الثقب الأسود، ما يولد حرارة وضوءًا هائلين قبل أن يُسحب الأخير وبقوة هائلة للغاية إلى ما وراء أفق الحدث، والنصف الآخر من حطام النجم يُقذف إلى الفضاء.

اكتُشف AT2019dsg لأول مرة في 9 أبريل 2019، كان مجرد حدث من مجرة تبعد عنا نحو 750 مليون سنة ضوئية.

أكدت ملاحظات الأشعة السينية والراديوية أن ثقبًا أسود هائلًا كتلته 30 مليون ضعف كتلة الشمس يمر بالحدث (TDE)، وبعد ستة أشهر تقريبًا، في 1 أكتوبر 2019، اكتُشف نيوترينو يسمى IC191001A عبر مرصد النيوترينو IceCube في القارة القطبية الجنوبية، إذ سُجل عند مستوى طاقة هائل يزيد عن 200 تيرا إلكترون فولت.

تُسمى النيوترينوات «الجسيمات الشبحية»؛ لأن كتلتها تقارب الصفر، وهي تسافر بسرعة تقارب سرعة الضوء ولا تتفاعل مع المادة العادية، لكنها تحدث تفاعلات في بعض الأحيان، وهذه الطريقة التي يعمل بها مرصد آيسكيوب – IceCube، فعندما يتفاعل النيوترينو مع جليد القطب الجنوبي يمكنه خلق وميض خافت من الضوء، ومع وجود أجهزة الرصد في نفق عميق تحت هذا الجليد؛ فإن تلك الومضات تكون بارزة.

واستنادًا إلى خصائص مثل اَلية انتشار الضوء ومدى سطوعه، يمكن للعلماء معرفة مستوى طاقة النيوترينو والاتجاه الذي أتى منه.

لقد أتى النيوترينو IC191001A من اتجاه الحدث AT2019dsg؛ لذلك حسب العلماء فرصة عدم ارتباط النيوترينو وTDE بـ 0.2% فقط!

أثار هذا بعض التساؤلات المهمة. تقول عالمة الفلك إيفيت سيندز من مركز الفيزياء الفلكية وجامعة هارفارد ومعهد سميثسونيان: «إذا جاء هذا النيوترينو بطريقة ما من AT2019dsg؛ فإنه يطرح هذا السؤال: لماذا لم نرصد النيوترينوات المرتبطة بالمستعرات العظمى على هذه المسافة أو أقرب منا؟ إنها أكثر شيوعًا ولديها نفس سرعات الطاقة».

استخدم فريق البحث بقيادة سينديز مصفوفة مرصد أتاكاما المليمتري الكبير في تشيلي لمراقبة AT2019dsg لأكثر من 500 يومًا في أطوال موجات الراديو؛ ووجدوا أن حدث TDE استمر سطوعة في أطوال موجات الراديو لمدة 200 يوم تقريبًا، وعند هذه النقطة بلغ ذروته وبدأ في التعتيم ببطء.

حسبوا أيضًا الكمية الإجمالية للطاقة الناتجة من حدث TDE وكانت نفس مقدار الطاقة المنبعثة من الشمس على مدار 30 مليون سنة! هذا معيار جيد بالنسبة إلى TDE إضافة إلى النوع LB والنوع LC من المستعرات العظمى.

ومن أجل إنتاج نيوترينو نشط مثل IC191001A، يجب أن تكون الطاقة الناتجة أكبر بنحو 1000 مرة من التي أنتجها حدث TDE، وفضلًا عن ذلك، يجب أن يكون لها هندسة غريبة لم تكن موجودة في AT2019dsg.

يعد حدث AT2019dsg أمرًا عاديًا إلى حد ما، نظرًا إلى أن IC191001A ليس أمرًا عاديًا، فنحن بحاجة لمبررات لتقديم تفسيرات جديدة.

تقول سينديز: «قد نتحقق من هذا مرة أخرى، هذا الثقب الأسود بالذات ما يزال يتغذى!».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف جسيمات النيوترينوات المفقودة المتولدة في قلب الشمس

تجربة النيوترينو تكشف (مجددًا) أن شيئًا في كوننا ما زال مفقودًا

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: تسبيح علي

المصدر