الثورة الصناعية الأولى هي فترة التطور العلمي والتكنولوجي التي استمرت من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، وقد حدث الكثير من هذا التطور في الدول الأوروبية ومستعمراتها والولايات المتحدة. ويبدو أن هذه الفترة شهدت أيضًا ازديادًا في غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي وتأثيرًا على المناخ.

إذن، ما الذي تسبب في ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون؟

يقول جون بيرلين، الباحث الزائر في قسم الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا ومؤلف كتاب رحلة في الغابة: دور الغابة في مصير الحضارة: «الإجابة مزيج من سببين: الأول حرق الفحم، والثاني تسريع عملية إزالة الغابات في أماكن مثل أمريكا».

الثورة الصناعية وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون:

زادت بريطانيا من استخدامها الفحم مصدرًا للوقود خلال الثورة الصناعية، فأصبح الفحم عاملًا رئيسيًا في الثورة الصناعية، وانتشرت شعبيته مصدرًا للوقود في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. ساعد الفحم في تشغيل المصانع الجديدة والسفن والقطارات، فضلًا عن صهر الحديد وتوفير الحرارة للعديد من المنازل. وفي نفس الوقت، فإنه زاد من كمية ثاني أكسيد الكربون في الهواء.

وبما أن الأشجار تستهلك ثاني أكسيد الكربون، فإن إزالة الغابات تحت مسمى الغزو الاستعماري أدت أيضًا زيادة هذا الغاز الدفيء في الغلاف الجوي. وكان هذا صحيحًا خصوصًا في أمريكا الشمالية، حيث كان المستعمرون الإنجليز يزيلون الغابات بين الساحل الشرقي ونهر المسيسيبي. ومع نمو المدن خلال الثورة الصناعية، أزيلت الغابات لإفساح المجال لمزيد من المساكن والمصانع.

إذن، هل لهذه الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تأثير على المناخ؟

تقول دراسة نُشرت في عام 2016 في المجلة العلمية الطبيعة أن الزيادة مؤثرة. وجد مؤلفو الدراسة علامات على زيادة الحرارة في وقت مبكر من 1830. وعلى وجه التحديد، وجد الباحثون زيادة في درجات الحرارة في المحيطات الاستوائية والقطب الشمالي. وبعد ما يقارب عقدين من ذلك، يقول المؤلفون أن درجات الحرارة بدأت ترتفع في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.

في هذا الوقت تقريبًا بدأ بعض علماء القرن التاسع عشر يهتمون بعلم المناخ. ومع ذلك، مر وقت طويل قبل أن يدرك العلماء تأثير ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون.

نشأة علم تغير المناخ مع الثورة الصناعية:

شهد القرن التاسع عشر بداية ظهور علم تغير المناخ. في عشرينيات القرن التاسع عشر، وضع عالم الرياضيات الفرنسي جوزيف فورييه نظرية حول العملية التي نسميها الآن تأثير الاحتباس الحراري.

وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، اكتشفت العالمة الأمريكية يونيس فوت أن ثاني أكسيد الكربون يمكنه أن يرفع درجة حرارة البيئة. فالسيدة فوت، التي كانت أول امرأة تقدم بحثها في اجتماع للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (AAAS)، كانت حقًا أساس علم تغير المناخ الحديث، كما يقول بيرلين الذي كتب كتابًا عنها.

قدّم العالم الأمريكي جوزيف هنري النتائج التي توصلت إليها فوت في الاجتماع السنوي للجمعية عام 1856. ونُشر بحثها في المجلة الأمريكية للعلوم والفنون.

مع استمرار الثورة الصناعية والدراسات ذاتها، تأثرت أعمال العالم الأيرلندي جون تندل بدراسات فوت ونشر نتائج مماثلة بعد بضع سنوات.

في تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأ الكيميائي السويدي سفانت أرينيوس يتساءل عما إذا كانت كمية ثاني أكسيد الكربون في الهواء يمكن أن تسبب تغيرات في درجة الحرارة على نطاق عالمي. وحسب أن الانخفاض في ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يبرّد الأرض، في حين أن الزيادات يمكن أن تدفئها.

في الواقع، كتب أرينيوس بشكل إيجابي عن فكرة أن ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يزيد من درجات الحرارة في أماكن مثل موطنه السويد.

زاد التطور العالمي في القرن العشرين كثيرًا من سرعة تغير المناخ وبدأ العلماء في دق ناقوس الخطر بشأن مخاطر تغير المناخ. بحلول ذلك الوقت، كانت الثورة الصناعية الثانية التي استمرت من أواخر القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الأولى قد زادت بالفعل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

منذ ذلك الحين، ارتفعت الانبعاثات أكثر، فوفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في عام 2022 كانت أعلى بأكثر من 50٪؜ مما كانت عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن التغير المناخي

يشكل ثاني أكسيد الكربون 0.04% من الغلاف الجوي للأرض، وهذا سبب تأثيره الكبير

ترجمة: حنان الميهوب

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر