تملك معظم الثدييات ومنها الإنسان صبغيين جنسيين XوY، أحدهما من الأب والآخر من الأم، ويقترنان معًا في أحد شكلين: XX أو XY في كل خلية من الجسم، فيكون الأشخاص الحاملون للصيغة XX إناثًا، وأما الحاملون لـ XY فذكور. تؤدي الجينات الموجودة على هذه الصبغيات دورًا رئيسيًا في التطور والوظائف ومنها كيفية تطور أمراض القلب.

قبل أن يصبح بريان أغوادو مهندسًا طبيًا بيولوجيًا يدرس كيفية تأثير الصبغيات الجنسية في القلب، درس أحد الوظائف المثيرة للاهتمام للصبغي الجنسي X عند قطط كاليكو.

تملك قطط كاليكو فراءً ذا لطخات برتقالية وسوداء، بسبب الجين الموجود على الصبغي الجنسي X، وعند تزاوج القطط ذات الفراء البرتقالي مع الأخرى ذات الفراء الأسود، ينتج عند اقتران الصبغي X من أحد الأبوين مع الصبغي X من الآخر إناث يملك فراؤها مزيجًا من اللونين البرتقالي والأسود.

يرمز أحد الصبغيين X بروتين اللون البرتقالي، في حين يرمز الآخر بروتين اللون الأسود، لذا فإن ذكور قطط كاليكو ذات الصيغة الصبغية XY فراؤها برتقالي بالكامل أو أسود، وليس مزيجًا من الاثنين مثل الإناث.

كيف يحدث هذا الاختلاف في لون الفراء بين الجنسين بيولوجيًا؟

اتضح أنه عند بعض الخلايا التي تملك الصيغة الصبغية XX، يحدث تثبيط لأحد الصبغيين الجنسيين، في حين يُثبط الآخر في خلايا أخرى. عند إناث قطط كاليكو، تؤدي عملية التثبيط تلك إلى وجود لطخات برتقالية وسوداء في فرائها، عند تزاوج أبوين أحدهما يملك جين اللون البرتقالي للفراء والآخر يملك جين اللون الأسود.

تحدث عملية التثبيط لأن الكائنات الحية مثل القطط والإنسان تحتاج إلى صبغي X واحد فقط لتقوم بوظائفها، ولضمان التوازن يُثبط أحد الصبغيين الجنسيين X في كل الخلايا، لكن تتجنب بعض الجينات في الصبغي الجنسي X التثبيط وتبقى فعالة، في الحقيقة تتجنب ثلث الجينات على الصبغي X التثبيط، ويُظن أن لها دور في تنظيم الصحة والمرض.

ولأن عملية التثبيط تلك تحدث عند حاملي الصيغة الصبغية XX أي الإناث، يحاول العلماء معرفة كيف تؤثر الجينات التي تجنبت التثبيط في الصبغي X الثاني على الصحة عند حاملي الصيغة XX، ففي حالات معينة، تؤدي الخلايا الجنسية دورًا.

تغيرات القلب

تنظم الجينات المتجنبة للتثبيط في الصبغي الجنسي X جزئيًا مرض تضيق الصمام الأبهري، وهي حالة يتضيق فيها جزء من القلب يتحكم في تدفق الدم إلى بقية أنحاء الجسم، ما يصعب ضخ الدم ويؤدي في النهاية إلى قصور القلب.

حاليًا لا توجد أدوية فعالة لإبطاء أعراض تضيق الصمام الأبهري أو وقفها.

يدرس الباحثون كيفية تأثير الصبغيات الجنسية في الأمراض القلبية الوعائية مثل تضيق الصمام الأبهري، وأظهرت دراسات سابقة أن من يملكون الصيغة الصبغية XX تتصلب صماماتهم بطريقة مختلفة عن حاملي الصيغة XY.

عمومًا، يزداد حدوث التندبات –التليفات- عند حاملي الصيغة XX، أما عند حاملي الصيغة XY فتزداد ترسبات الكالسيوم، ونظرًا إلى هذه الاختلافات، فإن إعطاء الجرعات ذاتها من الأدوية لكل الأشخاص ليس الطريق الأفضل لعلاج تضيق الصمام الأبهري، لكن ما سبب هذه الاختلافات؟

يظن الباحثون أن الهرمونات الجنسية تؤدي دورًا في الاختلافات في تصلب الصمام بين الجنسين، فمثلًا، انخفاض مستويات الإستروجين بعد سن انقطاع الطمث يفاقم تليف القلب.

وجدت الدراسات المُجراة على ذكور الفئران وإناثها أن الاختلافات الجنسية تبقى موجودةً حتى بعد استئصال الأعضاء الجنسية المنتجة للهرمونات.

افترض العلماء أن الجينات التي تتجنب التثبيط فريدة من نوعها عند حاملي الصيغة XX، ولها دور مهم في تصلب الصمام، لذا طوروا نماذج هندسية بيولوجية مشابهة لنسيج الصمام باستخدام هلام مائي لاختبار تلك الفكرة، إذ يحاكي الهلام تصلب نسيج الصمام أفضل من مستنبت طبق بتري، ما يسمح بدراسة خلايا القلب في بيئة أشبه ببيئة الجسم.

وجدوا أن الخلايا التي نمت على الهلام المائي تُظهر الاختلافات الجنسية ذاتها التي شوهدت في نسيج الصمام، أي أن الصمام عند ذوي الصيغة XX لديه تندبات أكثر من صمام ذوي الصيغة XY، ويقل تندب الصمام عند ذوي الصيغة XX بعد انخفاض نشاط الجينات المتجنبة للتثبيط.

يخطط الباحثون لاستخدام تلك النماذج لتحديد العلاجات الأفضل لتضيق الصمام الأبهري اعتمادًا على محتوى الصبغيات بالخلايا، فخلايا الصمامات التي تحتوي XX أقل حساسية مقارنةً بخلايا XY للأدوية التي تستهدف الجينات المحفزة للتندب، مع ذلك فإن الأدوية التي تستهدف نوعيًا الجينات التي تتجنب التثبيط تؤثر بقوة في خلايا XX.

عناية عادلة للجميع

يشيع التفاوت بين الجنسين فيما يتعلق بالأمراض القلبية الوعائية، فمثلًا توصف الأدوية القلبية الوعائية للنساء بمعدل أقل من الرجال، رغم توصيات الأدلة الإرشادية، فالمتحولون جنسيًا لديهم معدلات أعلى للإصابة بالنوبات القلبية من متوافقي الجنس.

يعمل الباحثون على تحقيق المساواة في تطوير الأدوية لعلاج الأمراض القلبية الوعائية، بعد أخذ الصبغيات الجنسية في الحسبان، ويؤمنون أن استراتيجيات العلاج يمكن تحسينها للجميع بصرف النظر عن نوع الصبغيات التي تحملها الخلايا.

اقرأ أيضًا:

التمييز العنصري يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية

دراسة تكشف سبب كون الفقراء أكثر عرضة للاصابة بأمراض القلب

ترجمة: هادي سلمان قاجو

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر