اندلعت الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1649) بسبب تضارب هائل في الأفكار بين ملك إنجلترا تشارلز الأول (حكم بين 1625 و1651) وبرلمانه. جدالات حول سلطة الملكية والمالية ومسائل الممارسات الدينية والتسامح بين الأديان والاشتباك بين قادةٍ وشخصياتٍ كانت تؤمن بكل حماسٍ بقضيتها لكن لا تحمل ودًا كثيرًا لحاملي وجهات النظر الأخرى، كل هذه العوامل ساهمت في صراعٍ دام عشر سنوات وتسبب في 600 معركةٍ وحصارٍ، وخسارة آلاف الأرواح، وإعدام تشارلز وإلغاء الملكية وإعلان إنجلترا جمهورية.

الحروب الأهلية الثلاثة

إن الصراع الذي دار بين الملكيين والبرلمانيين الذي هز بريطانيا يقسم عادةً إلى ثلاثة أجزاءٍ مستقلة:

  •  الحرب الأهلية الإنجليزية الأولى (1642-1646).
  •  الحرب الأهلية الإنجليزية الثانية ( فبراير حتى أغسطس 1648).
  •  الحرب الأهلية الإنجليزية الثالثة أو الحرب الإنجليزية الاسكتلندية (1650-1651).

إن أسباب هذه الحروب، التي تعرف بحروب الممالك الثلاث (إنجلترا، اسكتلندا، إيرلندا)، كانت متشابهةً إلى حدٍ بعيد باستثناء أنه بعد إعدام تشارلز الأول عام 1649، أصبح الزعيم الصوري للملكيين في الحرب الأهلية الثالثة ابنه تشارلز الثاني ملك اسكتلندا.

لا يتفق المؤرخون على الأسباب الدقيقة للحروب الأهلية، وفي ما يلي تلخيص لمختلف وجهات النظر دون تفضيل إحداها على الأخرى.

أسباب متعددة:

يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية للحروب الأهلية الإنجليزية كالآتي:

  •  إيمان تشارلز الأول إيمانًا لا يتزعزع في الحق الإلهي للملوك في الحكم.
  •  رغبة البرلمان في تقويض سلطات الملك.
  •  حاجة تشارلز الأول إلى تمويل بلاطه وحروبه.
  •  اختلافات دينية بين العاهل والبرلمان والمعاهدين الاسكتلنديين والكاثوليك الإيرلنديين.
  •  شخصيات القادة المحوريين من كل طرف، التي لم تكن تسمح بالتسويات.
  •  صعود الطبقة الراقية الجديدة وإرادتها للتغيير السياسي.
  •  الاعتقاد في أن الملك كان داعية حربٍ فاسدًا تجب إزاحته.

الحق الإلهي للملوك:

كان تشارلز يشبه كثيرًا والده ملك إنجلترا جيمس الأول (حكم من 1603 إلى 1625) في إيمانه الذي لا يتزعزع بحقه المقدس في الحكم، الذي أعطاه إياه الله كما يظن، وأن ليس لأي رجلٍ سياسيًا كان أم جنديًا أن يشكك في هذا الحق. أعلن الملك الإنجليزي ذات مرة: «البرلمانات جميعها تحت سلطتي، وبقاؤها من عدمه يتوقف على ما إن وجدت نتيجة عملها صالحةً أم خبيثة».

لم يتزعزع هذا الإيمان خلال الحروب، كما يلاحظ عام 1649 إذ رفض الاعتراف بسلطة من أخضعوه للمحاكمة بتهمة الخيانة: «أريد أن أعلم بموجب أي قوةٍ أجلب إلى هنا، أريد أن أعلم بموجب أي سلطة، وأعني سلطةً قانونية، تذكروا، أنا ملككم، ملككم القانوني، لا يمكن لملكٍ أن يحاكم من قبل أي سلطةٍ قضائيةٍ عليا في الأرض».

كان لشخصية تشارلز دخل كبير بالأزمة. إذ كان خجولاً وتنقصه الثقة بالنفس بعد طفولةٍ لم يكن فيها محط الأنظار لما كان أخوه الأكبر يهيأ لسدة العرش، ألقي بتشارلز في غمار السياسة عندما توفي أخوه هنري أمير ويلز بالحمى وهو في الثامنة عشرة.

لم يكن تشارلز يثق فعلاً بأحدٍ حوله، وافتقد المرونة وتكرر رفضه للتنازلات ولم يكن يقبل النقد، وربما أدى الأمر بتشارلز إلى اتخاذ قراراتٍ لم يؤمن بها هو نفسه إيمانًا راسخًا، أو قراراتٍ كانت في أحسن الحالات ساذجةً في جهلها بوجهات النظر المخالفة والأكثر حداثةً. اتهم الملك ذاته بعدم الوعي بالهويات الاقتصادية والاجتماعية والدينية المختلفة في ممالكه، وخاصةً فيما يتعلق باسكتلندا وويلز وإيرلندا، ولكن أيضًا في أجزاء من إنجلترا حيث توجد اختلافات بين الجهات وبين المجتمعات الريفية والحضرية. ولنكون منصفين، فإن نفس الانتقادات قد توجه إلى خصومه الطموحين من البرلمانيين مثل جون بيم (1583- 1643) وأوليفر كرومويل (1599-1658) الذي كان مقتنعًا تمامًا أن الله كان في جانبهم وليس مع الملك.

هنالك أيضًا جدل حول أن تشارلز ورث وضعيةً صعبةً لأن والده أول عاهلٍ من سلالة ستيوارت التي تلت سلالة تيودور. كانت المملكة متحدةً فقط بالاسم.

أجريت إصلاحات دينية جريئة منذ عصر ملك إنجلترا هنري الثامن (حكم من 1509 إلى 1547)، وكانت هذه الآثار مستمرةً إلى تلك الفترة.

لم يكن التوتر بين الحاكم والبرلمان جديدًا هو الآخر، ولم يساهم نظام المالية البالي للدولة في تلطيف العلاقة بينهما. مع الإقرار بأن الوضع لم يكن سهلاً، قد يتهم بعض المؤرخين تشارلز بجعله أسوأ بكثير وتحويل مشكلات مرتقبة إلى مشكلات راهنة.

كان من الضروري لتشارلز تحدي فكرة الحاكم المطلق خاصةً بعد أحداثٍ مثل عريضة الحقوق لعام 1628 عندما طالب البرلمان الملك بالتوقف عن جمع الأموال خارج تلك المؤسسة. تضمنت مطالب أخرى وضع حدٍ للسجن دون محاكمةٍ ولاستعمال القانون العسكري ضد المدنيين. ولما كان في أمس الحاجة إلى المال في حربه مع فرنسا، أجبر الملك على الموافقة على هذه المطالب لكنه لم يعدل رأيه في مكانته حاكمًا لا يحتاج مشورة أيٍ كان في كيفية حكم مملكته.

خلافات مالية

تقليديًا، تتطلب الملكية من البرلمان أن ينعقد ويوافق على طلباتها من الأموال مما استلزم في العادة تقدير أعضاء البرلمان للميزانية ورفع الضرائب. سئم تشارلز من تصلب البرلمان وإصراره على احتساب الأموال وتحجيم الإنفاق. دعا الملك البرلمان ورفع جلساته مرارًا لكنه في النهاية سئم الوضع وقرر أن يحكم بمفرده.

لم يدع البرلمان للانعقاد من 1629 إلى 1640، في فترةٍ تسمى غالبًا «الحكم الشخصي للملك». عملت هذه الاستراتيجية جيدًا حتى وجد الملك نفسه بأمس الحاجة إلى الأموال سنة 1639 لينفق على حملاته ضد جيشٍ اسكتلندي احتل شمال إنجلترا وضد تمردٍ خطيرٍ في إيرلندا، وكلاهما مدفوع بسبب خلافات دينية وسياسات الملك.

قوبلت مجهودات الملك في جمع الأموال خلال «حكمه الشخصي» بنجاحٍ محدودٍ جدًا. إذ اقترض من البنوك واستحدث رسومًا جمركيةً جديدة، وفرض قروضًا إجباريةً على الأثرياء، وباع ممتلكاتٍ تحتكرها الدولة، وزاد في استعمال أموال الشحن التي كانت تفرض في الأصل على التجمعات الساحلية للمساعدة على تمويل البحرية. وفرض أيضًا غراماتٍ قائمةً على قوانين الغابات وزاد في الغرامات التي فرضتها المحاكم.

كانت العديد من هذه الإجراءات غير شعبيةٍ إلى حدٍ كبير بين طبقة التجار والطبقة المرفهة المحلية التي كانت أكثر عددًا بكثيرٍ من قبل. كان هؤلاء الأشخاص ينوون تأدية دورٍ سياسيٍ يتناسب مع أهميتهم الاقتصادية، ولم يكونوا راغبين في تمويل نزوات حاكم تسبب فيما رأوه حروبًا غير ضرورية ودعم أرستقراطية إقطاعية متداعيةً عفى عليها الزمن. زاد الأمر سوءًا إنفاق الملك تشارلز ببذخ هائلٍ على القصور ومجموعات التحف الفنية الجديدة.

استطاع البرلمان الآن إجبار الملك تشارلز على تنازلات وإصلاحات سياسية، لعلمه أن الملك لم يكن يستطيع طلب المزيد من الأموال من أي مكانٍ آخر.

دعا تشارلز ما سمي حينها «البرلمان قصير الأجل» في ربيع 1640 للمساعدة على بناء جيش، لكن ذلك فشل بعد ثلاثة أسابيع محبطةٍ من النقاش. نتيجةً لذلك، لم يستطع الملك إلا حشد قوةٍ هزيلةٍ من الميليشيا ضد الاسكتلنديين في ما سمي بحروب الأساقفة (1639-1640). انتهت هذه الحروب بتقديم تشارلز تنازلاتٍ لاسكتلندا في معاهدة ريبون في أكتوبر 1640. سمح لاسكتلندا بممارسة حريتها الدينية، ووعد القادة في الميدان بمبالغ سخيةٍ من المال إذا انسحبوا.

واجه الملك حينها مشكلة، إذ من أين له أن يأتي بهذه الأموال في غياب البرلمان؟

لم يكن للملك اختيارات كثيرة في المسألة، فعقد برلمانًا آخر في نوفمبر 1640، وبذلك بدأت فترة تسمى «أزمة الملكية». انتهز أعضاء البرلمان فرصتهم في «البرلمان طويل الأجل» كما صار يسمى، ليضمنوا نجاتهم مستقبلاً. ستجمع الأموال للدفع للاسكتلنديين لكن فقط شريطة أن تمرر القوانين، ما يعني أن البرلمان يجب أن ينعقد على الأقل مرةً كل ثلاث سنواتٍ وأنه لا يمكن حله بناءً على رغبات الملك وحده، ويجب من الآن أن يوافق على الوزراء الملكيين من قبل البرلمان، وجعلت أموال الشحن غير قانونية. وافق الملك ثم حنث بوعوده باستهتار.

أحد قرارات البرلمان التي فاجأت تشارلز خاصًة ووترت العلاقات أكثر من قبل كانت محاكمة مستشاره الأقرب توماس وينتوورث إيرل ستافورد (1593-1641) بتهمة الخيانة وإعدامه في مايو 1641. اتهم ستافورد بجلب جيشٍ إيرلنديٍ إلى إنجلترا لمساعدة الملك، ولم تكن هنالك الكثير من الأدلة على ذلك. ربما كان الأكثر أهميةً من ذلك خوف البرلمان مما يخطط له ستافورد الداهية عديم الرحمة في المستقبل فيما يخصهم. أما بالنسبة لتشارلز فقد سبق السيف العذل.

في أكتوبر 1641 إحتاج الملك المال لجيشٍ آخر عندما اندلع تمرد ضد الحكم الإنجليزي (أو الطغيان الإنجليزي كما يقول البعض) في إيرلندا، مدفوعًا بتشكياتٍ من عمليات مصادرة الأراضي من قبل الإنجليز وتوظيف المهاجرين الإنجليز والاسكتلنديين حصرًا في العديد من الممتلكات الكبرى. كانت مدينة أولستر بالذات أرض معركةٍ دمويةً، بينما تخاصم تشارلز والبرلمان الإنجليزي حول تشكيل جيشٍ ضروريٍ لسحق التمرد.

كان البرلمان قلقًا خصوصًا من استعمال قوةٍ كهذه ليس في إيرلندا بل ضدهم هم. ربما لم تكن هذه المخاوف بلا أساس، إذ لم تكن محاولة الملك لإيقاف خمسة أعضاء من البرلمان في يناير 1642 لتحل المزيد من الثقة. كتبت المجموعة التي تضمنت جون بيم الاعتراض الأكبر الذي أدرج تجاوزات الملك في السلطة الذي مرره البرلمان في نوفمبر 1641، ثم نشر الاعتراض علنًا. وانتقامًا للإيقافات، أوصد البرلمانيون بوابات لندن مانعين تشارلز من دخول عاصمته. مع ذلك، تشجع الملك بافتقاد البرلمان الواضح للوحدة، إذ قبل الاعتراض بمجموع 159 صوتًا مقابل 148.

اعتقد بعض أعضاء البرلمان أن بعض سلطات الملك انتهكت ظلمًا (مثلاً عدم قدرته على اختيار مستشاريه أو قادته العسكريين)، بينما كان الأعضاء الأكثر راديكاليةً ينوون تقويض هذه السلطات أكثر. ربما يكون الحل العسكري لهذا الطريق المسدود أفضل تكتيكٍ لدى تشارلز الآن. انتقل الملك من بلاط هامبتون إلى يورك ثم إلى نوتينغهام في أغسطس 1642، حيث كون جيشًا ملكيًا.

خلافات دينية

كما رأينا، فإن أشكالاً عديدةً من الخلافات السياسية الدينية والعسكرية المترابطة والمعقدة تسببت في الحروب الأهلية الإنجليزية. صنع تشارلز أعداءً جددًا باستمرارٍ بسبب سياساته الدينية.

في 1627، بدأ تشارلز بالتأسيس للأرمينية، وهي فرع من الكنيسة الأنجليكانية ركز على على الطقوس والقداسات ورجال الدين وليس على طريقة الدعوة التي نراها في فروعٍ أخرى أقرب للكالفينية. رأى البعض هذه الخطوة ارتدادًا خطيرًا نحو الكاثوليكية، وعلامةً على مؤامرةٍ بابويةٍ سريةٍ لإبطال حركة الإصلاح الدينية الإنجليزية، وهي فكرة انتشرت في القرن السابع عشر عبر الصحافة المطبوعة أو شفهيًا، زادت الطين بلة فيما يتعلق بنظريات المؤامرة التي تعود إلى مؤامرةٍ واحدة حقيقيةٍ: مؤامرة البارود التي كانت تهدف إلى تفجير الملك والبرلمان في 1605.

لم يكن تشارلز في حقيقة الأمر كاثوليكيًا بل أنجليكانيًا أعلى، ما يعني أن لديه بعض الود لمثل هذه المظاهر في مراسم الكنيسة المسيحية، مثل سمو رجال الدين والأساقفة وما يعتبره من جمالٍ ونظامٍ تقدمه زخرفة مبنى الكنيسة نفسها. لكن بالنسبة للكثيرين، كان من الصعب التفرقة بين ذلك وبين الممارسة «البابوية» والعقيدة الرومانية الكاثوليكية. كانت هنالك أيضًا تخوفات أكثر واقعيةً حيال مساندة الأرمينيين لنظام ملكيٍ مطلق.

عام 1633، عين الملك ويليام لود الأرميني (1573-1645) أسقفًا لكانتربري ورأسًا لكنيسة إنجلترا. كان لود مكروهًا من قبل الأبرشانيين الذين ظلوا ذوي سلطةٍ وثراءٍ في المجتمع الإنجليزي ولهم حضور قوي في البرلمان. كان العديد من أعضاء البرلمان وضباط الجيش مستقلين أو أبرشانيين، أي أنهم أرادوا الإنقاص من سلطة الأساقفة والمزيد من الإدماج في الكنيسة. أراد الكثيرون المزيد من الحرية للأبرشيات «المستقلة» التي اجتمعت وفقًا لضمير الأفراد المؤمنين وتأويلهم للإنجيل.

أغضب لود الأبرشانيين عندما قدم ما كان يعتبر عمومًا ممارساتٍ كاثوليكية بالنسبة للكنيسة الأنجليكانية الأكثر تشددًا. تضمنت هذه الممارسات تزيين الكنائس وتسييج المذبح أو طاولة القداس ليقتصر النفاذ إليها على رجال الدين فقط وتشجيع عزف الموسيقى. منع لود الدعوة في أي يومٍ عدا الأحد وعوض ذلك بالتعليم الشفهي المسيحي. ومنع أيضًا المحاضرات في سائر أيام الأسبوع التي كانت قيمةً لدى الأبرشانيين. من وجهة نظر لود والملك، كانت التحويرات الدينية طفيفةً وهدفت إلى التشديد على الطقوس والنظام، أما بالنسبة للأبرشانيين فقد كان ذلك هجومًا مباشرًا على إنجازات الإصلاح الديني. وجد الأبرشانيون أنفسهم بلا أدواتٍ حقيقيةٍ للاحتجاج أو للحيال دون هذه الإجراءات، وأمام عقوباتٍ وغراماتٍ مقابل عدم الإنصياع، قرر العديد منهم الهجرة والتمتع بحريةٍ دينيةٍ أكبر في أمريكا الشمالية أو هولندا.

أزعج تشارلز أيضًا الكنيسة الاسكوتلندية (الكيرك) وقادتها المشيخيين بمحاولة تعيين أساقفةٍ هناك، وقدم كتابًا جديدًا للصلاة سنة 1637 دون استشارة «الكيرك». فضل المشيخيون (الذين كانوا أبرشيين معتدلين يؤمنون بهرميةٍ في الكنيسة) أن يبقوا على نظامهم حيث تسير كل أبرشيةٍ من قبل كاهنٍ مسؤولٍ أمام مجلس رقابي من الأكابر. إضافةً إلى ذلك، آمن الاسكتلنديون أن تشارلز لم يكن له الحق في فرض أي شيءٍ على الكنيسة الاسكتلندية، وهو أمر كان الكثيرون مستعدين للقتال بسببه.

كان الأمر أبعد ما يكون عن نقاشٍ كنسي، تفاقمت هذه المسائل حتى وصلت إلى أرض المعركة في حروب الأساقفة المذكورة آنفًا. كانت الكنيسة المشيخية مصممةً على الدفاع عن استقلاليتها وهكذا أصبحت حليفًا فاعلاً للبرلمانيين في الحروب الأهلية الإنجليزية قبل أن تغير ولائها لتدعم الملكيين عندما أصبح البرلمان يعتبر التهديد الأكبر.هؤلاء الاسكوتلنديون الذين سعوا إلى تحالفٍ مع إنجلترا عرفوا بالمعاهدين نسبةً إلى الاتفاق الذي عرف بالعهد الوطني لفبراير 1638. من وقعوا الاتفاق أقسموا على الدفاع عن الكنيسة المشيخية، حتى بالوسائل العسكرية إن لزم الأمر.

الحرب

في تلك الأثناء، ازدادت الوضعية سوءًا بين البرلمان والملك في إنجلترا. بحلول عام 1642 كان الطرفان يجمعان الأسلحة ويحصنان المدن التي يتحكمان بها ويجهزان للحرب. اندلعت أول معركةٍ كبرى في مدينة إيدجهيل في أكتوبر. لم تحسم النتيجة حينها، كما لم تحسم في عديد المعارك التي تلت. اعتبر غالبًا أن الحرب لم تزهق أرواح عددٍ كبيرٍ من المدنيين، ومع ذلك يقدر أن واحدًا من كل أربع بريطانيين قد حارب في مرحلةٍ ما، وأن واحدًا من كل عشرة أشخاصٍ في المناطق الحضرية فقد منزله، وأن الأغلبية العظمى من الناس فرضت عليهم ضرائب عالية حتى لو تجنبوا القتال الفعلي.

وبتطور الحرب الأهلية، ظهرت دوافع جديدة للأنصار على الطرفين. سياسة تشارلز في إيرلندا عزلته عن الكثير من رعاياه الإنجليز. إذ أبرم الملك اتفاقًا مع الثوار الإيرلنديين لكي تعزز القوات الإيرلندية الكاثوليكية جيشه. لم يحدث ذلك فعليًا، فمعظم القوات الآتية من إيرلندا تكونت من الجنود الإنجليز الذين أعفوا من واجبات حفظ الأمن هناك، وحتى هؤلاء كانوا قليلي العدد. أثارت هذه الحادثة تساؤلاً جديًا عن ولاء تشارلز للكنيسة الأنجليكانية.

أصبح المزيد من الناس يرون الملك طاغيةً و مفتعلاً للحرب ولم يعد يضع مصلحة شعبه بالمقام الأول في ذهنه. إن الاستيلاء على خزانة الملك الشخصية للكتابة في معركة ناسيبي عام 1645 كشف أن الملك لم تكن له أبدًا نية للتسوية مع البرلمان. بالنسبة للكثيرين، لم يكن هناك حل سلمي ممكن للصراع من الأساس. كان ذلك واضحًا بصفةٍ خاصةٍ بعد الحرب الأهلية الثانية وغزو جيشٍ اسكوتلنديٍ لإنجلترا. ورغم كون الملك في منفًى فرضه على نفسه في جزيرة وايت، كان ينظر إليه «كرجلٍ دموي»، وهو مصطلح توراتي للحاكم الذي يشن حربًا على شعبه. وفي معاهدته مع الاسكتلنديين التي تعرف باسم «التزام ديسمبر 1647» وعد حتى بتفضيل الكنيسة المشيخية في إنجلترا وحل الجيش الإنجليزي واعتماد جيشٍ لسكوتلنديٍ فقط وقمع المجموعات الدينية المتطرفة. كان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير.

بحيازتهم لأموالٍ أوفر وجيشٍ أكثر حرفية، انتصر البرلمانيون مجددًا بمعركة بريستون عام 1648. حوكم تشارلز الأول وأدين بتهمة الخيانة لشعبه وحكومته. أعدم الملك يوم 30 يناير 1649. ألغيت الملكية ومجلس اللوردات وأصلحت الكنيسة الأنجليكانية. بقيت اسكوتلندا مواليةً للعرش، وصار تشارلز الابن الأكبر لتشارلز (الأول) بحق الوراثة ملكًا لها. ومع ذلك انهزم الجيش الاسكتلندي مجددًا من قبل الجيش الإنجليزي فيما تسمى بالحرب الأهلية الإنجليزية الثالثة وأجبر تشارلز الثاني على الفرار إلى فرنسا.

حكم أوليفر كرومويل (1599-1658) جمهورية «الكومونولث» تحت اسم اللورد الحامي. عندما توفي كرومويل لم يدعم وريثه المختار ريتشارد كرومويل لمدةٍ طويلة، وللحيلولة دون حربٍ أهليةٍ أخرى، أعيد إحياء الملكية عام 1660. عاد تشارلز من فرنسا ليصبح ملك إنجلترا تشارلز الثاني (حكم من 1660 إلى 1685)، وحكم بمعية برلمان أقوى بكثير.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن حروب الوردتين

حروب الوردتين: الأصل التاريخي لمسلسل صراع العروش

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر