صمم الفيزيائيون جهازًا جديدًا أسموه مقاوم الذاكرة الكمي (الميمرستور)، وقد يسمح بدمج قدرات التكنولوجيا الكمية مع إمكانيات الحواسيب الفائقة، ما قد يفتح الأبواب على إمكانيات وقدرات لا حدود لها. أُجريت هذه التجربة على معالج كمومي متكامل يعمل على فوتونات مفردة. وكانت هذه التجربة بالتعاون مع المركز القومي للبحوث (CNR) وجامعة بوليتكنيك في ميلانو إيطاليا، ونُشر البحث في مجلة علم ضوء الطبيعة Nature Photonics.

أصبح الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة منتشرًا في كل مكان، وخاصة مع استخدام تطبيقات تفسير الكلام والتعرف على الصور والتشخيص الطبي وغيرها الكثير. في الوقت نفسه، أثبتت تقنيات التكنولوجيا الكمية قدرتها على الوصول إلى قدرات حسابية تفوق قدرة أقوى كمبيوتر في العالم.

تعتمد كثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نماذج رياضية تسمى بالشبكات العصبونية، هذه النماذج مستوحاة من التركيب البيولوجي للدماغ البشري المكون من عقد متشابكة مع بعضها البعض. بالوسع تدريب هذه الشبكات العصبونية رياضيًا من خلال ضبط بنيتها الداخلية بشكل يشابه تمامًا الدماغ البشري الذي يتعلم باستمرار من خلال إعادة ترتيب الروابط بين الخلايا العصبية. وهذه الشبكات المدربة قد تقوم بمهام بشرية مثل التعرف على الوجوه وتفسير الصور الطبية بغرض التشخيص وحتى قيادة السيارات. لذلك فإن امتلاك هذه الأجهزة المتكاملة والقادرة على إجراء العمليات الحسابية بسرعة وكفاءة عالية عبر تقنية الشبكات العصبونية أصبح محور تركيزٍ بحثيٍّ رئيسيٍّ أكاديميًا وصناعيًا.

تغيرت قواعد اللعبة في هذا المجال عام 2008 مع اكتشاف مقاوم الذاكرة، فهذا الجهاز يغير مقاومته اعتمادًا على ذاكرة آخر مرور للتيار الكهربائي، ومن هنا جاءت تسميته مقاوم الذاكرة أو الميمرستور. أدرك العلماء بعد هذا الاكتشاف مباشرة أن السلوك الغريب لمقاومات الذاكرة كان مشابهًا بشكل كبير لسلوك المشابك العصبية البشرية بالمقارنة مع التطبيقات الأخرى، وهذا ما استدعى أن يصبح الميمرستور لبنة أساسية في البنى العصبية.

أثبت مجموعة من علماء الفيزياء التجريبية من جامعة فيينا والمركز الوطني للبحوث وجامعة بوليتكنيك في ميلانو بقيادة البروفيسور فيليب والتر والدكتور روبرتو أوسيلام أنه من الممكن تصميم جهاز له نفس سلوك مقاوم الذاكرة في أثناء العمل على الحالات الكمية والقدرة على ترميز المعلومات الكمية ونقلها، وهذا ما يُسمى مقاوم الذاكرة الكمي. تصميم هذا الجهاز ليس بالأمر السهل لأن ديناميكيات مقاوم الذاكرة تتناقض نوعًا ما مع السلوك الكمي النموذجي.

تغلّب الفيزيائيون على هذا التحدي وذلك باستخدام الفوتونات الفردية، وهي جسيمات ضوء مفردة كمومية، واستغلال قدرتها المميزة على الانتشار بالتزامن ضمن مسارين أو أكثر. في تجربتهم، تنتشر الفوتونات المفردة على طول أدلة الموجات المكتوبة بالليزر على قاعدة زجاجية ويعتمد توجيهها على تراكب عدة مسارات. يُستخدم أحد هذه المسارات لقياس تدفق الفوتونات وكميتها التي تمر عبر الجهاز، وبعد الحصول على مخطط إلكتروني معقّد نستطيع تعديل الإرسال على الخرج الآخر، ما يعني الحصول على سلوك مشابه لمقاوم الذاكرة.

بعد تحقيق مقاوم الذاكرة الكمومي، قدّم الباحثون عمليات محاكاة تُظهر أنه يمكن استخدام الشبكات الضوئية مع مقاوم ذاكرة كمي لأغراض التعلّم في كل من المهام الكلاسيكية والكمية، مع الإشارة إلى حقيقة أن مقاوم الذاكرة قد يكون الحلقة المفقودة بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية.

يقول ميشيل سبانيولو، المشرف الأول على النشر في مجلة علم ضوء الطبيعة Nature Photonics: «يُعد إطلاق العنان لكامل الإمكانيات للموارد الكمية في مجال الذكاء الاصطناعي أحد أعظم تحديات البحث الحالي في فيزياء الكم وعلوم الكمبيوتر».

أثبتت مجموعة فيليب والتر من جامعة فيينا مؤخرًا أن الروبوتات قد تتعلم بسرعة أكبر عند استخدام الموارد الكمية مع الاستعانة بمخططات الحسابات الكمية، ويمثّل هذا الإنجاز الجديد خطوة جديدة نحو المستقبل إذ سيصبح الذكاء الاصطناعي الكمي حقيقة واقعة.

اقرأ أيضًا:

تطور كبير في مختبر ليزر يجعل الاستفادة من طاقة الاندماج أقرب من أي وقت مضى

الذكاء الاصطناعي يدخل بوابة الألعاب الإلكترونية

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: طارق طويل

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر