نجح العلماء والمهندسون في مختبر لورنس ليفرمور الوطني في خلق بلازما قادرة على الاحتراق باستمرار دون مساعدة خارجية، مستفيدةً فقط من طاقة تفاعلات اندماجها النووي، ما يشكل علامةً فارقة على طريق السعي لاستغلال طاقة الاندماج عمليًّا.

استعمل الباحثون الليزر الأعلى طاقةً في العالم في «منشأة الإشعال الوطنية» (NIF)، لتسخين أحد نظائر الهيدروجين إلى حرارة تفوق حرارة نواة الشمس بأضعاف، ما ولّد الضغط اللازم لبدء عملية اندماج الهيدروجين، ما زود المادة بنحو ميغا جول من الطاقة الحرارية، دون تدخل أي مصدر حراري آخر.

نشر الباحثون نتائجهم في مجلة Nature، في ورقة ألفها الفيزيائيان أليكس زيلستر وعمر هوريكين.

يقول زيلستر: «في البلازما المحترقة، تولّد تفاعلات الاندماج حرارةً أكثر مما نحتاج إليه لبدء الاشتعال. حصلنا على هذه الحالة للمرة الأولى في تجارب أجريت بين نوفمبر 2020 وفبراير 2021، أنتجت هذه التجارب نحو 0.17 ميغاجول من طاقة الاندماج».

الهدف النهائي لهذا العمل، والسبب وراء وجود منشأة الإشعال، هو خلق تفاعل اندماج قوي بما يكفي ليستمر ذاتيًا، ما يتطلب كميةً هائلة من الطاقة الخارجية لتحريض الاندماج، إذ تُصدم ذرتان من الهيدروجين معًا، مطلقتين كميةً هائلة من الطاقة. لكي ينجح الاندماج بوصفه مصدرًا فعليًا للوقود، يجب إطلاق طاقة تفوق الطاقة اللازمة لبدء التفاعل.

حين تنطلق شرارة بدء التفاعل، ينتج كل تفاعل اندماج طاقةً كافية لاستمرار العملية، تحرض اندماج ذرات الهيدروجين المجاورة، التي تطلق طاقةً بدورها، وهكذا باستمرار.

مكّنت هذه الحرارة المستمرة ذاتيًّا، التي تولدها البلازما المحترقة، مهندسي مختبر ليفرمور من الحصول على ناتج طاقة قياسي في أغسطس الماضي، إذ ولّدت منشأة الاشتعال 10 كوادريليون (16^10) واط من طاقة الاندماج، من تجربة الاندماج النووي.

مقدار الطاقة البالغة 0.17 ميغا جول لا تمثل 10% من الطاقة اللازمة لبدء اندماج نووي مستمر، لكنها تفوق الطاقة التي بدأ بها الليزر في مختبر ليفرمور.

يقول زيلستر: «هذا مهم جدًّا، إذ يعني إمكانية التحكم في التسخين الذاتي للاندماج، لزيادة الطاقة المولدة باستمرار بواسطة تحديثات جديدة، وهو ما ظهر في تجربة لاحقة في أغسطس 2021 أنتجت 1.3 ميغاجول من الطاقة».

«بدء الاشتعال هدف أصعب من البلازما المشتعلة نفسها، إذ يتغلب التسخين الذاتي للاندماج على الآليات الفيزيائية التي تسبب فقدان الطاقة».

يتم كل ذلك دون ترك أي مخلفات مشعة. الناتج الثانوي الوحيد لهذه العملية هو الهيليوم، وهو عملة نادرة على كوكبنا، لذا فحتى المنتجات الثانوية لهذه العملية قيّمة.

متى سنحصل على مفاعلات الاندماج؟

رغم الإنجاز المذهل الذي استغرق أكثر من عقد من الأبحاث، سيستغرق الأمر وقتًا أطول لتبدأ مفاعلات الاندماج النووي بتزويد العالم بالطاقة.

يقول زيلستر: «يمكن تشبيه طاقة الاندماج بطائرة الأخوين رايت، التي استغرق الأمر عقودًا لتتحول إلى طائرة نفاثة حديثة نستطيع الطيران على متنها».

الباحثون حاليًّا في مرحلة إثبات الفكرة، ويحاولون معرفة مدى إمكانية الاستفادة من طاقة الاندماج النووي، أخذًا في الاعتبار التكنولوجيا التي نملكها.

حين التحقق من الخطوات كلها، سيأتي دور العلماء والمهندسين لإيجاد الطريقة المُثلى للاستفادة من طاقة الاندماج. وإذا نجحوا في ذلك، فسيغير هذا البحث حياتنا فعليًّا.

اقرأ أيضًا:

باحثون تجاوزوا للتوّ عقبة أساسيّة في مجال طاقة الاندماج

بامكان التفافة صغيرة في طاقة الاندماج النووي ان تنتج طاقة نظيفة لا حد لها

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: باسل حميدي

المصدر