يعد الداء العليقي واحدًا من أكثر الأمراض المعدية غير التناسلية انتشارًا، وينتج بسبب بكتيريا اللولبية الشاحبة الرقيقة Treponema pallidumpertenue.

يرتبط المُسبب للمرض، وهو اللولبية الرقيقة التي تمثل نوعًا فرعيًا من اللولبية الشاحبة، ارتباطًا جينيًا وثيقًا بالشاحبة التي تسبب الزهري المتوطن، واللولبية البجلية، والبنتا.

يُعد الداء العليقي أكثر هذه الأمراض الثلاثة شيوعًا، إذ ينتقل الداء العليقي بملامسة الجلد مباشرةً، ويؤثر أساسًا على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.

أما ذروة الإصابة فتكون لدى اللذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 10 سنوات. وعلى غرار مرض الزهري، يمكن أن يستمر الدّاء العليقي لسنوات كمرض مزمن يعاود الانتكاس.

ما يزال الداء العليقي منتشرًا في المناطق الاستوائية التي تتميز بدرجات حرارة ورطوبة عالية وأمطار غزيرة. فهذه الظروف إلى جانب استمرار الفقر وسوء الصرف الصحي والاكتظاظ ونقص مراقبة الصحة العامة، تساهم بإدامة الدّاء العليقي.

بين عامي 1952 و 1964، أقامت منظمة الصحة العالمية (WHO) واليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) حملةً كبيرةً على مستوى العالم للقضاء على الداء العليقي، بواسطة علاج 300 مليون شخص في 46 دولة بالبنزاثين بنزيل بنسلين. وقد حققوا نسبة نجاح بلغت 95٪؜؛ ومع ذلك، كان هناك ظهور جديد للداء العليقي في السبعينيات.

عام 1995، قدرت منظمة الصحة العالمية أن هناك 460 ألف حالة معدية من الدّاء العليقي في جميع أنحاء العالم، مع 400 ألف في غرب ووسط أفريقيا، و 50 ألفًا في جنوب شرق آسيا، والباقي في المناطق الاستوائية الأخرى.

اقترحت منظمة الصحة العالمية برنامجًا جديدًا للحد من الدّاء العليقي عام 2012، بعد دراسة أظهرت أن الأزيثروميسين الفموي يمكنه علاج الداء العليقي بنجاح في المناطق الريفية الاستوائية. وبالمقارنة مع البنزاثين بنزيل بنسلين، فإن الأزيثروميسين الفموي هو نظام أبسط لا يتطلب موظفين طبيين مدربين للإدارة. أما في الهند، فقد قُضي على الدّاء العليقي بنجاح بواسطة برنامج قائم على توفير المعلومات للسكان المعرضين للخطر والفحص والعلاج. خلصت منظمة الصحة العالمية إلى أن الحملة الجديدة هذه يمكن أن تقضي تمامًا على الدّاء العليقي في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2020.

الأسباب والفيزيولوجيا المرضية:

ينتج الداء العليقي عن بكتيريا اللولبية الشاحبة الرقيقة، وهي نوع نحيف من شعبة البكتيريا الملتوية، ولا يمكن تمييزه عن اللولبية الشاحبة التي تسبب مرض الزهري.

لا ينتقل الداء العليقي عن طريق الاتصال الجنسي، ولا من الأم لجنينها. الطريقة الرئيسية للعدوى من خلال الاتصال المباشر من شخص لآخر، وتكون اللولبية الشاحبة المرتبطة بالداء العليقي في المقام الأول في البشرة. يكون الأطفال عادةً مثل خزان أساسي للداء العليقي، وينشرون المرض بملامسة الجلد للجلد والغشاء المخاطي.

يُصنّف الدّاء العليقي مثل الزهري، إلى المراحل الأربع التالية:

المرحلة الأولية: تظهر العليقة الأم، ويُطور لدى المرضى المصابين بالداء العليقي الأولي آفات ناكسة ثانوية معاودة.

المرحلة الثانية: ضخامة عقد لمفاوية أكثر شدة من المرحلة الأولية. ويمكن لهذا الطفح والآفات أن تكون غير مؤلمة كالآفة الأولية، ويمكن أن تكون مملوءة بالقيح وتشكل تقرحات على الجلد.

المرحلة الكامنة: عادةً ما تكون الأعراض غائبة ولكن يمكن للآفات الجلدية أن تنتكس.

المرحلة الثالثة: قد تحدث فيها تشوهات في العظام والمفاصل والأنسجة.

يميز تصنيف آخر الداء العليقي المبكر عن الداء العليقي المتأخر، إذ يشمل الداء العليقي المبكر المرحلتين الأولية والثانوية وتتميز بوجود آفات جلدية معدية.

يتضمن الداء العليقي المتأخر المرحلة الثالثة، عندما لا تكون الآفات معدية.

لا يعد الدّاء العليقي منتشرًا في الولايات المتحدة. ومع ذلك، وفقًا للتقدير الأخير لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، في عام 1995 كان هناك انتشار للمرضى المصابين بالداء العليقي الأولي. أما الزهري المتوطن والداء العليقي، فقد بلغ عدد الحالات 2,5 مليون مع وجود 460 ألف حالة معدية.

عام 2006، أعلنت الهند أنه تم القضاء على الداء العليقي هناك. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فقد رصدت حالات في المناطق الفقيرة عام 2010؛ وشملت الدول المستوطنة إندونيسيا وتيمور-ليشتي وبابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان وفانواتو وبنن والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا وسيراليون وتوغو.

يُقدر عدد السكان المعرضين لخطر الإصابة بالداء العليقي في جميع أنحاء العالم بـ 34 مليون نسمة، موزعين بالتساوي بين الرجال والنساء بحوالي 17 مليون لكل منهم. وحسب الفئة العمرية، يشمل السكان الذين يعدون معرضين للخطر حوالي 23 مليون شخص، تتراوح أعمارهم بين 14 سنة أو أقل، و 11 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 سنة. علمًا أن ذروة الإصابة بين سن 6 و 10 سنوات.

التشخيص:

يمكن أن يصبح الداء العليقي ما لم يتم علاجه مرضًا مزمنًا ينتكس بعد 5-15 عامًا مؤثرًا على الجلد والعظام والمفاصل. ويبقى الداء العليقي مقتصرًا على الجلد عند غالبية المرضى، مع وجود احتمال ظهور آثار أخرى مبكرة في العظام والمفاصل. ورغم أن آفات الداء العليقي تختفي تلقائيًا، لكن الالتهابات البكتيرية الثانوية والندبات هي مضاعفات شائعة.

في 10٪ من حالات الداء العليقي، يدخل المرضى مرحلة متأخرة، وهي المرحلة الثالثة، وتظهر بآفات جلدية ومفاصل مشوهة. تلف الأنسجة الذي يحدث في أواخر الداء العليقي لا رجعة فيه، ويمكن أيضًا أن تحدث مشكلات في الأعصاب والعيون، قد تحدث الانتكاسات على فترات تصل إلى 5 سنوات بعد الإصابة.

العلاج:

يجب أن يكون العلاج التجريبي المضاد للميكروبات شاملًا، ويجب أن يغطي جميع مسببات الأمراض المحتملة في سياق الإعداد السريري.

حتى الآن، يعد البنسلين والبنزاثين هما الأفضل لعلاج الداء العليقي. إذ يمكن أن يقلل البنسلين الفموي لمدة 7-10 أيام انتشار الداء العليقي، وهو فعال في علاج الأطفال المصابين بآفات نشطة.

يجب تجنب البنزاثين بنزيل بنسيلين عند المرضى الذين لديهم حساسية من البنسلين؛ فهناك علاجات بديلة مثل التتراسيكلين أو الأزيثروميسين أو الإريثروميسين.

يتداخل البنسلين مع الببتيدات المخاطية لجدار الخلية أثناء التكاثر النشط، ما يؤدي إلى نشاط بكتيري. يُعطى المريض حقنةً واحدةً تقتل التريبونيم في غضون دقائق، وتصبح الآفات غير معدية بعد 18-24 ساعة.

أزيثروميسين Azithromycin، هو مضاد حيوي نصف صناعي مشابه هيكليًا للإريثروميسين. يمنع تخليق البروتين في الخلايا البكتيرية بالارتباط بوحدة 50S الفرعية للريبوسومات البكتيرية.

في دراسة أجريت على الأطفال في بابوا غينيا الجديدة، وُجِد أن أخذ أزيثروميسين فمويًا يعد بديلًا معقولًا لعلاج الداء العليقي. إذ سُجلت حالات شفاء بلغت نسبة 96٪ من المرضى الذين تعالجوا به، مقارنةً بـ 93٪ ممن أخذوا البنزاثين بنزيل بينيسيلين.

يثبط الإريثروميسين Erythromycin نمو البكتيريا بمنع تفكك الببتيديل tRNA من الريبوسومات، ما يسبب توقف تخليق البروتين المعتمد على الحمض النووي الريبي. ويستخدم لعلاج التهابات المكورات العنقودية والعقدية، إذ تُحدد الجرعة المناسبة للأطفال حسب العمر والوزن وشدة العدوى. أما عند الضرورة، فتؤخذ الجرعة مرتين يوميًا، ويمكن تناول نصف الجرعة اليومية الإجمالية كل 12 ساعة. ويمكن مضاعفة الجرعة في حال العدوى الشديدة. يُستخدم الإريثروميسين أيضًا للبالغين والأطفال الذين لديهم حساسية من البنسلين.

أما Doxycycline، فيمكن استخدامه للبالغين فقط الذين يعانون من حساسية البنسلين.

اقرأ أيضًا:

الداء العليقي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ربما وصل مرض الزهري إلى أوروبا قبل عودة كولومبوس، على عكس الروايات القديمة

ترجمة: كلوديا قرقوط

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر