تُعد مشكلات المناخ وارتفاع درجة الحرارة عالميًا من أهم وأصعب المشكلات التي تواجه كوكب الأرض، لما لها من تأثيرات كبيرة على جميع المخلوقات الحية، متضمنةً الإنسان والحيوان والنباتات، إذ تشكل هذه المشكلات تهديدًا كبيرًا للبيئة والتوازن البيئي على كوكب الأرض.

دُرس تأثير ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري على الحيوانات، إذ ركزت الدراسة على الدببة القطبية البيضاء، وهي من أكبر آكلي اللحوم على كوكب الأرض.

لمّا كان الدب القطبي يعيش في القطب المتجمد، فإنه من أكثر الحيوانات تضررًا من مشكلة ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري، لما لها من تأثير كبير على القطبين الشمالي والجنوبي ولمساهمتها في إذابة الجليد ومن ثم تغيير البيئة التي يعيش فيها الدب القطبي.

يتأثر الدب القطبي مباشرةً بالاحتباس الحراري، لاعتماده على البحر المتجمد في الاصطياد والإطعام، لذلك كان من المهم دراسة وضع هذه الدببة القطبية، والتفكير في حلول تخفف من أثر الكارثة على الدببة وعلى البيئة عمومًا.

دُرست منطقة غرب خليج هودسون وهو من المواقع التي تضم الدببة القطبية، ومن المواقع سهلة الوصول مقارنةً بالقطب الشمالي. تُعد الدببة القطبية في غرب خليج هودسون من أفضل الدببة القطبية في العالم من حيث الإتاحة للدراسة، لما يتوفر من بيانات وتقارير من 40 سنة تقريبًا.

أيضًا، توجد بيانات وتقارير كثيرة عن البحر المتجمد في خليج هودسون ما يسهل دراسة الرابط بين الدببة القطبية والبحر المتجمد ومشكلات المناخ وارتفاع درجات الحرارة العالمية.

بينت التقارير أنه في ثمانينات القرن الماضي بلغ عدد الدببة القطبية نحو 1200 دب قطبي في خليج هودسون. حاليًا، تبين وجود 800 دب قطبي فقط، وهذا انخفاض كبير للغاية، ولوحظ أن شكل الدببة مقارنةً بثمانينيات القرن الماضي أصبح أصغر وعدد الأشبال أقل بكثير. كان خليج هودسون من أشهر المناطق التي تضم الدببة القطبية بسبب البيئة المناسبة لحياتها، ولكن حاليًا يبدو أن الوضع قد تغير، أو يتغير تدريجيًا.

تعتمد الدببة القطبية على البحر المتجمد السميك، إذ تصطاد الفرائس مثل الفقمات، وتطعم نفسها وأولادها، لكن بسبب فقدان البحر المتجمد تدريجيًا، تقضي الدببة القطبية معظم وقتها على اليابسة، حيث عدد الفرائس التي تتغذى عليها أقل بكثير مما هو موجود في البحر المتجمد. وبسبب ذوبان البحر المتجمد، تفقد الدببة القطبية القدرة على الوصول إلى فرائسها من الفقمات، من ثم لا تستطيع الوصول إلى كمية الدهون العالية والسعرات الحرارية التي تحتاج إليها في عملية نموها وبقائها على قيد الحياة، وتضطر الدببة القطبية للاعتماد على الدهون الموجودة في أجسامها، ما يؤدي إلى فقدان كيلوغرام واحد يوميًا من وزنها في الوقت التي تقضيه على اليابسة.

يصعّب ذوبان البحر المتجمد على الدببة القطبية إكمال نظامها الغذائي والوصول إلى الدهون والسعرات الحرارية اللازمة، وهو السبب الرئيسي في انخفاض وزن الدببة القطبية عمومًا، وصغر حجمها مقارنةً بالماضي.

يؤثر نقص الغذاء بشدة في الدببة القطبية الحوامل، إذ يصعب البقاء مدة ثمانية أشهر دون طعام حتى يأتي الشتاء، إذ تضطر للذهاب إلى اليابسة و البحث عن أوكار للولادة ثم ترضع أشبالها حتى رجوع الشتاء وتجمد البحر، ما يعد أمرًا صعبًا على الدببة القطبية، وأدى إلى انخفاض إنتاج أشبال الدببة القطبية وإكمال نموها حتى تصبح بالغة.

بسؤال الباحثين عن عدد الفقمات مقارنةً بالماضي، أكدوا أن دراسة الفقمات التي تتغذى عليها الدببة القطبية أمر صعب للغاية بسبب حياتها في الماء، عمومًا فإن الفقمات تتأثر بذوبان الجليد، إذ توجد أنواع معينة من الفقمات مثل الفقمة ذات الحلقات والفقمة الملتحية، تسبق الدببة القطبية للوصول إلى البحر المتجمد وذلك بسبب حاجتها إلى الجليد أيضًا.

تستقر الفقمات عند الجليد وتتخذ مخابئ جليدية للولادة، إن ذوبان البحر المتجمد يحمل سلبيات كثيرة على هذه الفقمات، ليس بسبب زوال مخابئها فحسب، لكن أيضًا بسبب الحيتان القاتلة ذات الزعانف الظهرية الكبيرة.

سابقًا، كانت الحيتان القاتلة لا تقترب من الفقمات بسبب وجود البحر الجليدي، الذي يصعّب الطريق على الحيتان القاتلة بسبب زعانفها الظهرية البارزة، لكن مع ذوبان البحر الجليدي أصبح اقتراب الحيتان القاتلة ممكنًا، من ثم أصبحت هذه الحيتان تهديدًا حقيقيًا للفقمات.

يبدو أن للفقمات حظًا عاثرًا، فمع بقاء البحر المتجمد تواجه مفترسيها من الدببة القطبية، ومع ذوبان البحر تواجه هذه الفقمات الحيتان القاتلة ذات الزعانف الظهرية.

إذن كيف يصطاد الدب القطبي فريسته؟ تحتاج الدببة القطبية إلى الجليد البحري للصيد، إذ تستخدمه منصةً للوقوف وصيد للفقمة، ويُعد من الصعب جدًا اصطياد الفقمات في المياه المفتوحة.

يراقب الدب القطبي عادةً فريسته مدةً من الوقت إلى حين اقترابها من الشاطئ، حيث يكون جاهزًا للانقضاض على فريسته، فيغوص برأسه في الماء ويبقى جسمه على البحر المتجمد إذ يستخدمه منصةً للوقوف.

صوّر الباحثون عملية صيد الدب القطبي للفقمة، باستعمال تكنولوجيا متطورة تسهل عليهم عمليات الدراسة وجمع البيانات وإعداد التقارير، متضمنةً هوائي ضخم مهمته الحصول على الإنترنت من بلدة تشرشل القريبة من خليج هودسون، وقد استغرق الأمر 10 سنوات من العمل لتحقيق ذلك. يملك الباحثون أيضًا عربات مزودة بكاميرات تتبع الدّببة القطبية وتصورها.

من المشكلات المرتبطة بذلك تهديد الدّببة القطبية للبشر. فمع ذوبان البحر الجليدي وقضاء الدببة القطبية معظم وقتها على اليابسة، وبسبب قلة الفرائس والجوع الذي يصيب الدّببة القطبية، قد تأتي إلى التجمعات السكنية بحثًا عن الطعام، وأصبح التفكير بالحفاظ على سلامة التجمعات السكانية أمرًا ضروريًا.

من الخيارات المطروحة للحفاظ على سلامة الجميع، نظام إنذار مبكر، يمكننا من اكتشاف الدب القطبي قبل دخوله للمدينة وإعطاء الناس الوقت للاختباء، من ثم لدينا فرصة أفضل للحفاظ على أرواح الناس، وعلى الدببة القطبية سالمة في البرية.

يعمل الباحثون على إعداد هذا النظام حاليًا، إذ يُدرب للتعرف على الدب القطبي، إذا نجح الباحثون في إعداد هذا النظام فقد ينقذ حياة العشرات بإصدار صوت أو ضوء أو إرسال رسالة نصية لضابط الأمن.

تستغرق عملية تدريب النظام وقتًا وجهدًا كبيرين من العلماء، إذ يحتاج العلماء إلى تقديم مجموعة متنوعة من الأدوات المختلفة، بسبب وجود مجتمعات في جميع أنحاء القطب الشمالي، لذلك من المهم جمع كل التفاصيل والبيانات الجغرافية وأنماط الجليد والعلاقة المختلفة مع الدببة القطبية، لتغذية النظام وجعله متأقلمًا مع أغلب البيئات والحالات التي قد يصادفها. هذا يعطينا القدرة على دعم أمن وسلامة السكان والدببة القطبية على حد سواء.

إن وجود الدببة القطبية مرتبط تمامًا بالبحر المتجمد، ومن ثم يتأثر بارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري وتغيرات المناخ، لنتمكن من حماية الدببة القطبية يجب تجنب استخدام الوقود الأحفوري واعتماد الطاقة النظيفة، ليس من أجل الدّببة القطبية فقط، بل من أجلنا ومن أجل كوكبنا.

نحن نملك مستقبلًا مشتركًا مع الدببة القطبية، كل ما نفعله لأجلهم سيفيدنا، من المهم جدًا أن يكون لدينا هذا التوازن وأن نضع الأساسيات والمبادئ التي يجب أن تسير عليها دول العالم للحفاظ على هذا الكوكب، وهنا يأتي دور السياسيين وما سيناقشونه ويقررونه في مؤتمرات المناخ القادمة.

الدّببة القطبية مجرد مؤشر، والبحر الجليدي جزء من مشكلة عالمية تؤثر في الجميع دون استثناء.

يجب علينا أن نعلم حقيقة أن الجليد البحري في القطب الشمالي هو مكيف هواء الأرض، إنه ضخم جدًا وعاكس وبارد، ما يساعد على تبريد كوكبنا بأكمله. لذلك عند فقدان البحر الجليدي فليست الدببة القطبية فقط من ستتأثر بل مناخنا العالمي بأكمله، لذلك واجب علينا جميعًا أن نحافظ بكل السبل على وجود البحر الجليدي في القطب الشمالي.

اقرأ أيضًا:

هل تنقسم قارة أفريقيا إلى قارتين منفصلتين؟

ماذا يوجد تحت رمال الصحاري؟

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: بدور مارديني

المصدر