تُعد الدببة القطبية واحدةً من أكثر الأصناف المعرضة للخطر الناجم عن تغير المناخ واستخراج الوقود الأحفوري، وسبب ذلك ارتفاع درجات الحرارة المستمر وذوبان مياه البحر المتجمد التي تُساعد في استمرار حياة الدببة.

ظلت فكرة تحديد حجم الضرر الذي يُسببه بئر نفط ما أو محطة طاقة تعمل بالفحم أو استعمال الوقود الأحفوري على هذه الكائنات صعبة التطبيق حتى الآونة الأخيرة.

أظهر تقريرٌ نُشر في مجلة ساينس Science مقدار انبعاثات الغازات الدفيئة الجديدة التي ستؤدي إلى ذوبان الجليد وتقليل فترات وجود هذا الجليد في أماكن عيش الدببة.

بيّن التقرير أيضًا، نسبة الأشبال التي قد تصل إلى سن البلوغ، نظرًا إلى التغيرات الحاصلة في مواطن الدببة.

يأمل مؤلفا الدراسة عبر الغوص في تفاصيل هذه الظاهرة الوصول إلى حل لسد ثغرة في أحد القوانين الأمريكية الجائرة، التي تُستغل لفتح مشاريع طاقة جديدة أساسها الوقود الأحفوري.

يُشير نص القانون إلى معاناة الحيوانات آكلة اللحوم من الانقراض، ويشترط حمايتها منذ أن دخل حيذ التنفيذ سنة 2008، لكن تظهر الثغرة في عدم مراعاة القانون لتأثيرات تغير المناخ في تسارع انقراض هذه الحيوانات.

لا توجد أي عواقب أو روادع للأشخاص الذين يُقبلون على بدء مشاريع وقود أحفوري جديدة، الأمر الذي يدفع العديد إلى تجاهل العواقب المترتبة على البيئة.

قال المؤلف المساعد الأول ستيفن أمستروب -واحد من علماء الحيوانات العامل في منظمة الدببة القطبية الدولية وجامعة وايومنغ- في حديثه مع وكالة فرانس بريس: «قدمنا المعلومات اللازمة للعمل على إلغاء ما أتى في مذكرة برنهاردت»، مُشيرًا إلى التحذير القانوني الذي سُمي على اسم محامٍ سابق في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب.

تتحدث المذكرة عن استحالة قدرة العلم على التمييز بين تأثيرات مصدر طاقة محدد -مثل الوقود الأحفوري- في البيئة وبين إجمالي تأثير الغازات الدفيئة منذ بداية العصر الصناعي وحتى اليوم.

أشبال الدببة في خطر:

تعتمد الدببة القطبية اعتمادًا كبيرًا على البيئة الجليدية لصيد الفقمات والتنقل والتزاوج فيما بينها. تتجه الدببة نحو اليابسة أو نحو الجليد غير الصالح لتلبية احتياجاتها عند ذوبان الجليد حولها، خاصةً في الصيف.

تتحمل الدببة في هذه الحالات فترات طويلة من الصيام، وتزداد هذه الفترات طولًا بالتناسب مع ارتفاع درجات الحرارة حول العالم.

كانت الورقة البحثية الشهيرة التي نُشرت في مجلة Nature سنة 2020 الأولى من نوعها التي ركزت على دراسة الصلة بين التغيرات في معدلات الجليد البحري، بسبب تغير المناخ والتوزع السكاني للدببة القطبية.

أوجد أمستروب وبيتز المعادلات الرياضية الدقيقة لدراسة العلاقة بين الانبعاثات الدفيئة وأيام صيام الدببة ومعدل بقاء الأشبال على قيد الحياة.

طبقوا هذه المعادلات في دراسة 15 مجموعة متفرعة من الدببة القطبية من أصل 19 بين الأعوام الممتدة من 1979 حتى 2020.

تُقدر الانبعاثات حول العالم اليوم في السنة الواحدة بنحو 50 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون أو ما يُعادل ذلك من الغازات الدفيئة التي تصل إلى الغلاف الجوي.

يُهدد ذلك حياة الأشبال بما يُقدر بنحو ثلاث نقاط مئوية تزيد كل عام عن سابقه، تحديدًا في التجمعات السكانية الفرعية للدببة في بحر بوفورت الجنوبي.

يبلغ معدل بقاء الأشبال على قيد الحياة خلال السنة الأولى من ولادتها في المجموعات السكانية السليمة نحو 65%.

يقول أمستروب في هذا الصدد: «سيؤدي تناقص هذا المعدل حتى ولو بنسب طفيفة إلى القضاء على الجيل المقبل من الأشبال».

توفر الورقة البحثية أيضًا، الأدوات اللازمة التي يحتاجها صانعو السياسات في الولايات المتحدة الأميريكية لحساب تأثير مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة المقرر تنفيذها في الأراضي تحت تصرف الحكومة خلال العقود القادمة.

يُمكن الاستفادة من الورقة على نحو آخر، وذلك بالرجوع إلى الماضي ودراسة الانبعاثات الدفيئة للدول المختلفة والمشاريع المتنوعة، لإثراء المفاوضات العالمية المتمحورة حول المناخ والتنوع البيولوجي.

الآثار المترتبة للوقود الأحفوري على الأصناف الأخرى:

مع أن العالمين واثقان من حساباتهما، فإنهم يؤكدون أن عملهم يُمكن تحسينه بإجراء مزيد من البحوث العملية. ويوضحان ذلك بطرح مثال كتلة جسم الدب القطبي، إذ ستُساعد النتائج المحسنة في حساب كتلة الجسم على نحو أفضل خلال فترة صيام الدببة.

أشاد جويل بيرجر -رئيس جامعة الحفاظ على الحياة البرية في جامعة ولاية كولورادو- بنتائج البحث مع أنه لم يُشارك في البحث قائلًا: «توصل أمستروب وبيتز إلى إثبات علاقة كمية إثباتًا قاطعًا، مفادها تداخل تأثيرات انبعاثات الغازات الدفيئة وانخفاض الجليد البحري ومدة الصيام -استجابة فيزيولوجية للفرص الضائعة لصيد الفقمات- والتركيبة السكانية للدببة القطبية».

قالت سيسيليا بيتز -المؤلفة الثانية وعالمة المناخ في جامعة واشنطن في حديثها مع وكالة فرانس برس- إنه قد يكون للبحث الجديد آثار تصل إلى ما هو أبعد من الدببة القطبية وحدها، مشيرةً إلى إمكانية إيجاد حل سياسي للثغرة القانونية التي يستغلها أصحاب مشاريع الوقود الأحفوري.

يُمكن تطبيق الأساليب المذكورة في الورقة لملائمة أصناف أخرى ومواطنها، مثل الشعاب المرجانية أو الأيل الذي يعيش على سواحل فلوريدا كيز.

قالت بيتز: «آمل حقًا أن يُحفز هذا البحث الكثير من الأبحاث المستقبلية»، مضيفةً أنها كانت بالفعل تتواصل مع متعاونين جدد.

اقرأ أيضًا:

ما كمية الوقود الأحفوري الموجودة في العالم حاليًا؟ وكيف سيؤثر استهلاكها في كوكبنا؟

يقول العلماء عن تغير المناخ: توقفوا عن استخراج الوقود الأحفوري

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: ميرڤت الضاهر / هزار التركاوي

المصدر